تؤكد خطابات وممارسات وسلوكات ومواقف أحزاب الأغلبية والمعارضة انها منشغلة بتصفية حساباتها الضيقة مع بعضها البعض على حساب توفير المناخ السليم للانتخابات المقبلة بعد عجزها التوافق على أرضية للحوار الديمقراطي المسئول والمبني على الاحترام المتبادل خصوصا بعد تقديم أحزاب المعارضة ملتمسا لجلالة الملك تم على اثره استقبال زعمائها من طرف مستشاري الملك في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة بمصر .والأكيد ان الأغلبية لن تترك هذا الحدث يمر دون أي رد فعل بعد هذا الاستقبال ، مما يفيد ان أحزاب الأغلبية والمعارضة ذاهبة في اتجاه التصعيد اذا لم يتدخل القصر ويرغمها على إيجاد توافق قبلي بينهم قبل الانتخابات وإلا فان كل شيئ يمكن ان يتوقف وفي مقدمة ذلك مشاريع القوانين التنظيمية المؤطرة للانتخابات المقبلة . فما هو سر التطاحن بين الأغلبية والمعارضة ؟ وكيف هي العلاقة بينهما؟ وكيف تستعد للانتخابات المقبلة ؟ وهل خطابات وممارسات الأغلبية والمعارضة تساهم على توفير المناخ السليم لإجراء انتخابات سليمة؟ وما هي تكلفة استمرار التطاحن بين الأغلبية والمعارضة؟ ولماذا أعادت أغلبية ومعارضة الدستور الجديد العلاقة بينهما من علاقات توافق الى علاقات مواجهة؟ وما الفرق بين »معارضة صاحب الجلالة » و »حكومة صاحب الجلالة » ؟ التواصل المفقود بين أحزاب الأغلبية واحزاب المعارضة: غياب الثقة بين الطرفين يؤدي حتما الى أزمة تواصل وفتح المجال نحو المزيد من الإشاعات والاتهامات والتصعيد وتوسيع دائرة ثقافة التخوين والتآمر والتحكم وخدمة الأجندات. ويلاحظ المتتبع للشأن السياسي المغربي ان التهم الخطيرة المتبادلة بين أهم أحزاب البلاد واقصد أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة ستكون لها نتائج وخيمة على الأحزاب ذاتها وعلى الفعل السياسي وعلى الرأي العام وعلى هيبة الدولة ذاتها وسط صمت غير مفهوم لوزير العدل والحريات لفتح تحقيقات في هذه الاتهامات وتحريك المتابعات والمساطر القضائية لوضع حد لفوضى هذه الاتهامات الخطيرة والمتبادلة بين شخصيات وقيادات وازنة وبارزة لمسؤولين في الدولة او لمسؤولين في الأحزاب .وامام هذا الواقع على أحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة ان تتحاور في إطار الاحترام وفق الدستورية على أساس الاقتناع ان الديمقراطية اليوم هي القدرة على تدبير الاختلاف. مواطن تائه بين اتهامات الأغلبية والمعارضة: نوعية الاتهامات والإشاعات بين الأغلبية والمعارضة جعلت المواطن يشعر بالدوران حيث انه لم يعد يفهم من يقول الحقيقة ومن يروج للإشاعة، ولم يفهم سر التطاحن بين الأغلبية والمعارضة،بل انه ازداد خيبة من الأغلبية ومن المعارضة لإقحام المؤسسة الملكية في صراعها،بل انه صدم لانه في الوقت الذي كان فيه المواطن ينتظر ان يكون اول رئيس حكومة في الدستور الجديد رئيس الاغلبية والمعارضة اصبح رئيس حكومة ناطق باسم العدالة والتنمية،وفي الوقت الذي كان ينتظر ان تكون المعارضة معارضة قوية تعارض تدبير السياسات العمومية اصبحت معارضة تعارض شخص بنكيران وحزب البيجيدي، وهذا اكبر مؤشر على ان أحزاب الأغلبية و أحزاب المعارضة لم تكن في مستوى مقتضيات الدستور الجديد،ولم تلتزم بمضمون الخطاب الملكي بالبرلمان السنة الماضية حيث قال: » وعلى بعد أقل من سنة، على الانتخابات المحلية والجهوية، أتوجه إلى جميع الفاعلين السياسيين : ماذا أعددتم من نخب وبرامج، للنهوض بتدبير الشأن العام« ؟ .بل ان هذه الاحزاب لم تعي بعد رسائل الربيع العربي وشعارات حركة 20 فبراير ولا تطلعات مغرب ما بعد دستور 2011 . والأكيد ان استمرار الأغلبية والمعارضة في تبادل الاتهامات والإشاعات وتصفية الحسابات في ما بينها ستكون تكلفته باهظة من حيث فقدان الثقة في الاحزاب وفي مؤسسات الدولة وفي جدوى المشاركة السياسية في الانتخابات. حرب خطابية وقصف كلامي دون أخلاق او مبادئ : الحرب الخطابية واللغوية الدائرة اليوم بين المعارضة والأغلبية تتميز بقصف خطابي مشبع بالاتهامات والإشاعات كشفت بؤس السياسة،وجعلت الفاعل السياسي ينتج خطابا بئيسا نزل بالنقاش السياسي العمومي الى الحضيض ، وزاد من ضبابية المشهد الحزبي، بل ان خطابات الأغلبية والمعارضة شوهوا التواصل السياسي حيث اصبح تواصلا دون أي أخلاق او أي مبادئ، بل انه اصبح تواصل القذف والسب والشتم والتخوين اقتنع معه المواطن المغربي ان الزمن السياسي لما بعد دستور 2011 زمن الرداءة والخبث السياسيين . الزمن الانتخابي وتيه الأغلبية والمعارضة: كل المؤشرات تبرهن ان أحزاب الأغلبية والمعارضة ما زالت تتعامل مع الزمن الانتخابي تعاملا تكتيكيا وليس استراتيجيا .فرغم كون الانتخابات المقبلة سنة حاسمة في المسار السياسي لبلادنا، بالنظر للاستحقاقات التي تتضمنها ، ورغم تأكيد جلالة الملك أكثر من مرة أن الخيار الديمقراطي ثابت لا رجعة فيه فما زالت جل الأحزاب معارضة او أغلبية تستعد للانتخابات على اساس المقاربة السياسوية الضيقة وتصفية الحسابات مع بعضها بل انها تتبادل التهم حول من يروج تأجيل تاريخ إجراء هذه الانتخابات في حين ان المنطق السياسي يفترض ان تكون الأحزاب المغربية تتوفر على رؤيا واضحة للانتخابات المقبلة كالتوافق: - على التوقيع على ميثاق شرف حول عدم تزكية أي مرشح لا يتوفر على أي مستوى ثقافي على راس اللوائح الانتخابية ذات النمط الفردي او اللائحي - ضبط حالات التنافي - عدم منح ترشيح الكائنات الانتخابية والمرشحين الفاسدين - وضع معايير موضوعية مشتركة بالنسبة لاختيار مرشحي اللائحة الوطنية المتعلقة بالنساء وبالشباب- الاتفاق على إجراء حملات انتخابية نظيفة - الاتفاق على معايير مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع ومبدأ المناصفة - كيفية اشراك المواطن في تدبير الشان العام - تحديد نمط الاقتراع - اليات مواكبة ومراقبة اداء الجماعات الترابية والجهات الخ هذه مع الاسف اهم القضايا المغيبة في صراع الاحزاب التي حولت الزمن الانتخابي لجلد الذات الحزبية وتشويه صورة الفاعل السياسي. خطر تنظيم انتخابات دون رهانات : يبدو ان أحزاب الأغلبية والمعارضة ستستمر في الصراعات وتدبير أزماتها الداخلية وستدخل غمار الزمن الانتخابي دون أي رهانات كبرى. وغياب هذه الرهانات يفرغ ما نص عليه الفصل 11 من الدستور الجديد الذي جاء فيه ان : » الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي «
تدني او كثافة المشاركة مسؤولية الأحزاب ونخبها : يؤكد تاريخ الانتخابات الجماعية والتشريعية الأخيرة بالمغرب تراجع نسب المشاركة في العمليات الانتخابية بعد تخلي الأحزاب أغلبية ومعارضة عن أدوارها الدستورية والقانونية اتجاه المواطن والاشتغال في تصفية الحسابات والاختباء وراء جلالة الملك ضدا على مضمون الفصلين 7 و10 من دستور 2011، ومضمون المادة 2 من القانون رقم 11-29 المنظم للأحزاب السياسية .فضعف الاستقطاب والتاطير وعدم التزام الحكومة بوعودها الانتخابية سيؤثر سلبا على مسألة المشاركة السياسية التي هي من أهم مهام الأحزاب ونخبها. نسبة المشاركة الرقم الصعب في معادلة الانتخابات المقبلة: تؤكد كل نظريات علم السياسة ان المشاركة السياسية في الانتخابات ما هي الا نتيجة لتداخل عدة عوامل: سياسية وتدبيرية و ديمقراطية وأخلاقية وممارسات سياسية؛ بل انها تجسيد لعلاقات المؤسسات التمثيلية بالمواطن ومدى اقتناع هذا الأخير اما بالمشاركة في الحياة السياسية او مقاطعتها. وتعتبر نسبة المشاركة في الانتخابات مؤشرا اما لنجاح او فشل الأحزاب السياسية في إقناع المواطن الانخراط في الفعل السياسي او العزوف عنه . وانطلاقا من هذا الأساس ،تراهن الدولة والاحزاب السياسية على ان تكون المشاركة في الانتخابات المقبلة مكثفة لتشكيل مؤسسات مؤسسات منسجمة ومشكلة من حزبين او ثلاثة لهم نفس المرجعيات الاديولوجية والفكرية مما يسهل على تلك المؤسسات تطبيق برامجها الانتخابية والاستجابة لتطلعات المواطن ، اما اذا كانت نسبة العزوف مرتفعة فان ذلك يشكل خطرا على المؤسسات التمثيلية ذاتها ويجعل الاحزاب تقوم بتحالفات غير طبيعية تفرز مؤسسات مبلقنة تعيش على تدبير أزماتها الداخلية بدل الاهتمام بتدبير الشأن العام. لذلك ستشكل نسبة المشاركة السياسية في الانتخابات المقبلة الرقم الصعب في العملية الانتخابية الامر الذي يدفعنا للتسائل: ماذا أعدت الأحزاب معارضة وأغلبية لإقناع المواطن للتصالح مع صناديق الاقتراع ؟ كيف قرأت أحزاب الأغلبية والمعارضة النسب العادية للمسجلين في اللوائح الانتخابية؟ هل التطاحن الجاري اليوم بين الأغلبية والمعارضة سيقنع المواطن بجدوى المشاركة؟ ماذا أعدت المعارضة والأغلبية من برامج ومن حملات جذابة؟ هل وتيرة وتدبير ومناقشة مشاريع القوانين التنظيمية المؤطرة للانتخابات المقبلة تجري في جو مسؤول وديمقراطي ؟ هل خطابات وممارسات أحزاب الأغلبية والمعارضة تلتزم الحد الأدنى من أخلاقيات الفعل السياسي؟ هل تتوفر الإرادة عند الأحزاب لتوفير المناخ السليم لإجراء انتخابات ذات رهانات إستراتيجية تحترم فيها النزاهة والشفافية وتكافئ الفرص؟ هل ستلتزم الدولة وأصحاب النفوذ الحياد وعدم التحكم وصناعة الخرائط الحزبية؟ ولماذا تتسابق كل الأحزاب معارضة واغلبية ان تفتخر بان تكون معارضة صاحب الجلالة او اغلبية صاحب الجلالة؟ تلك مجرد أسئلة لا نهدف من ورائها جلد الذات ولكن التنبيه بأهمية المؤسسات والنخب التي ستفرزها الانتخابات الجماعية والجهوية المقبلة التي سترهن مستقبل المغرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في سياق وطني وإقليمي ودولي صعب لا مكان فيه لما يسمى بالدول المستباحة. [email protected]