في كل مرة تقترب فيها لحظات إجراء مباراة الكلاسيكو بين الغريمين التقليديين أف سي برشلونة وريال مدريد الاسبانيين إلا وارتفعت الأصوات من هنا وهنالك ما بين مشجعي وأنصار كلا الفريقين في شكل حمى تشجيعية تجتاح الكرة الأرضية عموما حتى أصبحت هذه المباراة ظاهرة رياضية نوعية في العصر الحاضر تشد انتباه الملايين عبر العالم لا تضاهيها سوى مباراة نهاية كاس العالم لكرة القدم و إلى جانب هذه الأصوات الشغوفة بالكلاسيكو تظهر كذلك أصوات أخرى وترتفع في مثل هاته المناسبات يمثلها المنتقدون والشاجبون و الساخرون من متابعة الشباب والجمهور المغربي الشغوف بكرة القدم خاصة و الجمهور العربي عموما لها. حيث أن من بين هؤلاء من يعتقد بأن الشباب المغربي خاصة و العربي عموما هو شباب مغفل أو جاهل أو ناقص الوعي ومستلب لذلك فهو مهووس بكرة القدم ومتابعة الريال و البارصا وهذا دليل كاف لدى فئة من أنصاف المثقفين والمتعالمين ومدعي الالتزام وغيرها من الاصطلاحات الخادعة افتراضيا ...على أن الشباب المغربي و العربي مستلب و مصاب بداء قلة الوعي وانعدام ملكات التمييز والتحليل لديه . لذلك فهو حسب هؤلاء المنتقدين المتعالمين يلجا إلى كرة القدم التي يلعبها الأجانب لضعف شعوره بهويته و انتماءه وغيرها من الاصطلاحات التي يطلقها المتهافتون دون أدنى وعي بطبيعة الظاهرة و تجلياتها الحقيقية على المستوى الذاتي و الموضوعي للشباب المغربي و العربي باعتباره نموذجا حيا للجمهور الشغوف بمتابعة مباريات الليغا خارج القارة الأوربية. لذلك وجب في هذا المقام التنبيه المختصر على بعض النقاط في إطار فتح النقاش حول ظاهرة الكلاسيكو ومحاولة فهمها و سبر تجلياتها أولا – ينبغي التذكير بأنه ليس شباب المغرب و الأمة العربية و الإسلامية وحدهم فقط من يتابع مباراة الكلاسيكو و يترقبها بل اغلب شباب كوكب الأرض الذين أصبحوا ينتظرون تلك المباراة بفارغ الصبر للاستمتاع بالفن واللعب الجميل والمنظم ...في شكل ظاهرة معولمة لم تعد تستثني أحدا خاصة بعد انتشار التكنولوجيات الحديثة في نقل المباريات وبثها و التعليق عليها بعد أن كان الأمر مقتصرا فيما مضى على جمهور محدود خاصة في المغرب حيث كان الشماليون فقط من يعرف عنهم متابعة مباريات الليغا و الكلاسيكو الحارق بحكم القرب الجغرافي و المعطيات التاريخية المرتبطة بفترة الحماية الاسبانية للمنطقة...و لا عيب في ذلك أبدا على الإطلاق لان الأمر مباح عقلا وشرعا وليس فيه أي شيء يخالف الفطرة السليمة ما دام أن الأمر هو شغف رياضي لا يختلف عن أي نوع من أنواع الشغف الأخرى سواء كانت ثقافية أم رياضية أم موسيقية ... إلا أن العيب كل العيب هو أن تتحول المسالة وفي جميع حالات الشغف إلى تعصب فارغ و مزايدات ومشاحنات و مراهنات محرمة فهذا أمر مكروه لدى كل عاقل على وجه الأرض وليس لدى شباب المسلمين فقط سواء تعلق الأمر بالمباريات الرياضية أم بأمور أخرى الهدف منها هو الترفيه و إشاعة روح التآخي والتنفيس عن ضغط الحياة وهمومها ...ثانيا - مسالة إدانة شباب الأمة من الشغوفين بحب كرة القدم بسبب متابعة مباراة في كرة القدم في دولة أوروبية و التحجير عليهم وانتقادهم وتسفيه وعيهم دون أدنى تمييز في ظل غياب الشروط الأساسية لحياة كريمة و حياة سياسية واجتماعية و بنى تحتية رياضية وثقافية وتعليمية حقيقية تضمن مشاركتهم والتعبير عن أرائهم وذواتهم وتحقيق طموحاتهم و أمالهم بكل ديمقراطية في تدبير الشأن العام هي مسألة غير سليمة بتاتا وتعبر عن ضئالة فكرية وضيق أفق و تتناقض مع واقع الحال الذي نقبع فيه جميعا ونعرف حدوده ومستوياته...ذلك لان كرة القدم سوسيولوجيا أصبحت ظاهرة عالمية للتنفيس عن الاحتقان الاجتماعي و تقنين الحماس الشبابي في اتجاه الاستقطاب الرياضي بعد فشل الاتجاهات السياسية والدينية في تحقيق التوازن المطلوب خاصة في الدول العربية ونماذجه المهترئة وغياب البدائل في شتى المجالات خاصة في المجال الرياضي ذلك لان نتائج السياسات العمومية كلها ومنذ الاستقلال الشكلي عن المستعمر صبت في اتجاه خلق الصراعات المؤدلجة التي كان ضحيتها الأساسية الشباب أو الشباب الطامح للتغيير والتحرر من ربقة الاستبداد و الديكتاتورية وتنميط الوعي الذي يرعاه العالم الغربي عن طريق الحكام الذين يتولون تدبير الدول العربية بالوكالة عنهم و الدليل ما حدث في بلدان الربيع العربي التي كانت حركاته الاحتجاجية شبابية بالأساس و التي انطلقت من العالم الافتراضي إلى الميادين لتفضي في الأخير إلى طحن مئات الشباب في الشوارع بأيدي العسكر و الأنظمة الرجعية بما فيهم الالتراس الرياضي الذين نالهم النصيب الوافر من القمع خاصة في مصر ....المقاربة جد معقدة ولا يمكن الاستهانة بالظاهرة في ظل تعقد الظروف الموضوعية للشباب العربي الواقع في مصيدة العطالة و انسداد الأفاق و بؤس الخطاب السياسي و انعدام البنيات التحتية العلمية و الرياضية و بؤس الاستقطاب الإيديولوجي والديني الذي تمارسه الدولة في إطار الأنظمة الشمولية التبعية إن الاستمتاع الذي يبديه جمهور عريض من الشباب المغربي و العربي في متابعة مباراة الكلاسيكو العالمي والشغف الذي يبديه الآلاف من الشباب بكرة القدم أمر محمود عموما في إطار المبادئ الرياضية و الأخلاقية و الالتزام بحدود كرة القدم والاحترام المتبادل و دون تجاوز الأخلاقيات العامة التي تفرض الابتعاد عن المشاحنة والتعصب و الاستفزاز و الشغب وكل الممارسات الغير أخلاقية والمنافية لروح الرياضة و الأخلاق الحميدة وهذا ما يجب تشجيعه وزرعه و جعل كرة القدم قناة لتكريس القيم و عولمة الروح الرياضية . أما ما يخالف ذلك من تعصب و عنف و مشاحنة فانه مرفوض على وجه الإطلاق مهما كانت أسبابه و دواعيه ومناسبته سواء مباريات رياضية أو غيرها لأنه أمر ممنوع ممقوت في كل الأمم والحضارات وهذا هو ما يجب أن نوجه شبابنا إليه و ندعوهم للتحلي بالأخلاق الطيبة و الرفيعة والالتزام بمعايير الانتماء والهوية دون تحجير الاستمتاع و الفرجة الرياضية الواعية و التشجيع السليم الخالي من أي سلبية أو تعصب مقيت .