المحاولات المسترسلة لإنزال سقف المطالب المشروعة للمرأة المغربية في وطن فتح أجوائه أخيراً لرياح الحرية والدمقراطية، هو سلوك غبي ومخالف للتطورات التنموية التي يشهدها المغرب، لكن للأسف يعد انعكاساً للصورة النمطية المتجذرة في باطن الإنسان المغربي وتعريفه للمرأة. الشكل السياسي لهته الرِّجعية يزداد توسعاً ويتمثل في القوى الموالية والمُتَبَنية للتيار الوهابي كمرجعية فكرية، يستبيحون بها لنُفوسهم حق التدخل في اختيارات الإنسان الشخصية بحجة ما يسمونه تنقية عقائد المسلمين، وتخليصهم مما يرونها عادات وممارسات تعبدية. فعقلية الخوارج كشفت عن وجهها الخفي في محطات حاسمة من صفحات التاريخ السياسي المغربي الحديث، بدءاً بالتصدي للمطالب التقدمية التي نادت بتعديل أحكام مدونة الأحوال الشخصية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يتدخل أمير المؤمنين الراحل الحسن الثاني بتشكيله لجنة من العلماء استجابوا لواقعية الأصوات الحداثية. بعدها غالطونا بمراجعاتهم الفكرية المزيفة مع بداية عصر الملك الجديد، لكن سرعان ما انكشفت ظلاميتهم، بعد اعتراضهم بشراسة عن الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي اقترحها وزير الدولة المكلف بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة في حكومة التناوب السيد سعيد السعدي، قبل أن يتدخل أمير المؤمنين مرة أخرى وينصب اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأسرة ، اللجنة التي أسست لإطار قانوني جديد رد الاعتبار نوعيا للمرأة المغربية وفتح أمامها أبواب التواجد والإنتاجية والرفاهية الاجتماعية. اليوم، ومع صعود الفكر الإخواني إلى سدة الحُكم، أصبح ملزماً على الحركة النسائية دق ناقوس الخطر لرفع درجات التأهب والتصدي لأعداء المساواة بين الجنسين، فلا مناصفة لكُن عندهم ولا تقربون، إلا مع عودة تدخل أمير المؤمنين لرفع الظلم عن المرأة المغربية، وفقط في حالة توصل ديوانه بتظلم أو شكاية أو طلب انصاف في الموضوع. التخوف من غياهب مستقبل المرأة في المغرب غير مقرون بوصفها بالثريا أو بإحراجها بخطابات سوقية تافهة، بل ناتج عن إجراءات سريالية متعددة، أوضحها تقليص تواجد المرأة في الحكومة من سبع وزيرات في حكومة عباس الفاسي إلى وزيرة يتيمة في النسخة الأولى من حكومة عبد الإله بنكيران قبل أن يضيف إليها أربع وزيرات منتدبات في النسخة الثانية من حكومته. إضافةً إلى استخفاف وتعمد النسختين رفض تنزيل مضامين الفصل 19 من دستور 2011 والذي ينصّ على المساواة بين الرجل والمرأة في كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكدا الفصل 146 الداعي إلى تأسيس هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، دون إغفال ما ورد أعلاه من مواقف تاريخية معادية لتحرر المرأة، والمخالفة للاتفاقيات التي وقعها المغرب والتزامه أمام المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية باحترام حقوق المرأة والطفل. فالفكر الرائج داخل الحكومة الحالية يعكس إلى حد بعيد العقلية المغربية الرافضة لتطبيق مبدأ المناصفة، والمحتاجة إلى تغيير وتطوير مستمر٬ حتى تتقبل فكرة وجود المرأة في مراكز قيادية وكل دواليب الحياة اليومية. إذن فتركيز نضالات الحركة النسائية على المعركة القانونية ضد القوى الرِّجعية قد تكون معركة مغلوطة، لأن أُسس المساواة وجب اعتبارها معركة ثقافية وسوسيولوجية وبيداغوجية ممتدة في الزمن٬ تهدف إلى محاربة الأفكار الجاهزة حول المرأة، والصور النمطية المستشرية في المجتمع المغربي، إضافة إلى تطوير قدرات المرأة، وتعويدها على الممارسة السياسية.