يلتئم، اليوم الخميس بمراكش، ثلة من العلماء والمفكرين والدعاة المهتمين بالشباب من شتى بقاع العالم، في إطار المؤتمر العالمي الثاني عشر للندوة العالمية للشباب الإسلامي، من أجل ملامسة قضايا الشباب المسلم وهمومه وانشغالاته وبحث السبل الكفيلة بتحصينه من موجات التطرف والغلو في ظل عالم يشهد تغيرات متسارعة. وينعقد هذا المؤتمر، المنظم تحت شعار "الشباب في عالم متغير" على مدى ثلاثة أيام، في ظروف دولية حافلة بالأحداث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية، وما صاحبها من انفتاح إعلامي غير مسبوق عبر القنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي، مما أحدث تغيرا في الأنماط الفكرية والنفسية والسلوكية لدى الشباب، الأمر الذي يستدعي ، حسب القائمين على الندوة، النظر في التغير الحاصل وتجلية مفهومه ومعرفة سننه. ويسعى هذا المؤتمر، أيضا، إلى التركيز على بيان دور المؤسسات الرسمية والخيرية والعلماء في الوقوف إلى جانب الشباب وترشيدهم والسعي لتعزيز الانتماء الوطني لديهم، مع الحرص على الاستجابة لتطلعاتهم وخلق الفرص الوظيفية والحياة الكريمة لهم. وأبرز الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي، صالح بن سليمان الوهيبي، في كلمة خلال افتتاح أشغال هذا المؤتمر، دور هذه الندوة العالمية في معالجة قضايا الشباب، مشيرا إلى أن المؤتمر يعد امتدادا للمؤتمرات الأحد عشر السابقة التي خصصت لمعالجة قضايا شبابية. وقال السيد الوهيبي "إن ما يجري في بعض أطراف عالمنا اليوم من أحوال فقر مدقع واضطراب سياسي واجتماعي متنام وتطرف فكري أو جنوح إلحادي لهو مما يقلق المعنيين بأمور الدين والفكر والشباب". وأضاف أن "وطأة الفقر اشتدت على مجتمعات كثيرة واضطربت أحوال بعض البلدان كما انتقل الغلو لدى فئات من الشباب من طور الفكر إلى طور العنف وخرج عن الوسطية التي تحترم حق الإنسان في الاختلاف والأمن والعيش الكريم، فولد هذا الفكر موجات مضادة في بلاد غربية عدة تدعو إلى نبذ الإسلام وتعرض المسلمون فيها إلى مضايقات مستمرة". من جهته، أكد رئيس المجلس العلمي لجهة مراكش تانسيفت الحوز، محمد عز الدين المعيار الإدريسي، على الدور الذي يضطلع به الشباب داخل المجتمع باعتبارهم يمثلون الطاقة الخلاقة والعزيمة التي لا تلين وكونهم مصدر كل خير، و"الوقود الذي تترسخ من خلاله العقيدة الصحيحة ويزول التطرف والإرهاب والأفكار المنحرفة". وسجل أن الأمة الإسلامية تمر بمرحلة عصيبة تتطلب تضافر الجهود من أجل محاربة التطرف والإرهاب واجتثاث منابعه وتصحيح صورة الدين الإسلامي. من جانبه، أبرز الرئيس الأسبق لجمهورية السودان ورئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية، المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، أن هذا المؤتمر يستمد أهميته من كونه يأتي في ظروف ومنعطفات صعبة تمر بها الأمة الإسلامية مما يقتضي، حسب قوله، دعم الندوة العالمية للشباب الإسلامي، بالنظر لما تتميز به من وسطية على مستوى الطرح وتواجدها في مختلف المجالات حيث قدمت للشباب المسلم منهجا وسطيا رائدا. وبعد أن ذكر بالأوضاع "المزرية" للمسلمين، دعا حسن سوار الذهب إلى وحدة الصف الإسلامي والتمسك بالمنهج الإسلامي القويم وبحبل الله المتين، "في ظل عالم اتخذ من الإسلام عدوا وسلك في سبيل هذا العداء أساليب متنوعة". بدوره، دعا رئيس الهيئة الشرعية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي والمستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، عبد الله بن سليمان المنيع، إلى تصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام في الوقت الحالي وإعادتها إلى حقيقتها باعتباره دين الوسطية والتعايش. من جهته، قال المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، عبد العزيز بن عثمان التويجري، في كلمة تليت بالنيابة عنه، إن العالم الإسلامي يمر بتحولات عميقة وتغيرات سريعة شملت مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وأن فئة الشباب هي الأكثر تأثرا بهذه التحولات لكونها أكثر الفئات تفاعلا مع قضايا التحديث والتجديد داخل المجتمعات. وأكد، في هذا السياق، أنه يستوجب على المسؤولين ضرورة بلورة رؤية جديدة للتعامل مع الشباب ووضع استراتيجية شاملة قائمة على موازنة الثوابت والمتغيرات واستشراف آفاق المستقبل وفتح الفرص أمام الشباب للعمل والعطاء والفاعلية. وسجل، من جهة أخرى، أن كثيرا من الاختيارات بالمجتمعات الإسلامية بحاجة إلى تغيير وتطوير وتجديد وفي مقدمتها ما يرتبط بالتربية والتعليم. وأبرزت باقي المداخلات الأهمية التي يكتسيها المؤتمر لكونه يسعى إلى البحث عما فيه سعادة المسلمين والإنسانية جمعاء، وكذا تطرقه لموضوع يعد من أكبر التحديات التي تواجه العربي والإسلامي بالنظر للمرحلة العمرية للشباب ودورهم في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم. كما شدد المتدخلون على ضرورة مضاعفة الجهود من أجل إعادة صياغة البرامج المتعلقة بالشباب وخاصة الأنشطة التي من شأنها ترسيخ قيم الاعتدال وتحقيق الانتماء للوطن وتحصينه من التطرف والغلو. ويتطرق هذا المؤتمر، الذي تمتد أشغاله على مدى ثلاثة أيام، لعدد من المحاور تتعلق ب"الشباب والتغيير" و"الشباب والمتغيرات الاقتصادية" و"الشباب والمتغيرات الثقافية والاجتماعية" و"الشباب آفاق مستقبلية"، فضلا عن تسليط الضوء على تجارب شبابية ناجحة. يشار إلى أن الندوة العالمية للشباب الإسلامي، التي انطلقت منذ خمسة عقود، تعتبر أول هيئة إسلامية عالمية متخصصة في شؤون الشباب، تعرف بمشكلاتهم وطموحاتهم وقضاياهم، وتسهر على إعداد وتنفيذ برامج وأنشطة لفائدتهم في شتى المجالات التعليمية والفكرية والتربوية والاجتماعية حتى يتمكنوا من مواجهة التحديات والصعاب متشبعين بفكر مستنير نابع من مقاصد الشريعة الإسلامية الداعية إلى الاعتدال والتسامح.