الضحية عبد الرزاق: "بغيت المحسنين يعاونوني باش نقرا ونخدم على خوتي وأمي" مضت 8 أشهر على فك الحصار عن أسرة الفقيه المقعد الذي احتجز زوجته وأولاده في غرفة مظلمة لمدة تنيف عن 14 سنة بسيدي قاسم، لكن الجراح النفسية للضحايا لم تندمل بعد رغم مرور هذه المدة. فما زال الأطفال والأم يحاولون بشق الأنفس التأقلم والاندماج في المجتمع ونسيان الآلام التي عايشوها طيلة فترة احتجازهم. بخطوات متثاقلة وأجساد هزيلة أثقل كاهلها المرض، يجوب كل من عبد الرزاق (16 سنة)، نادية (12 سنة) وزكرياء (8 سنوات) أزقة حي "الكوش"، المليئة بالحفر والأوحال، مقاومين نظرات الناس التي تتعقبهم أينما حلوا وهم يتنقلون بين مسكني خالتيهم (المحجوبة وإلهام) وبين المنزل الذي أنعم به عليهم أحد المحسنين عقب تفجر قصتهم- المأساة. أما الأم نجاة (46 سنة) فإنها لا تزال تعيش ظروفا نفسية عصيبة إلى درجة أنها لا تقوى على الكلام ولا تكاد تبرح بيتها قط، فصارت تقضي جل أوقاتها وحيدة فوق سطح بيتها، بعدما غادرته ابنتها البكر سناء (17 سنة) لتقيم مع إحدى خالاتها بمدينة طنجة. "حالتهم النفسية مأزمة بزاف.. مازال ماتجاوزو الصدمة لأنهم ماتلقاوش العلاج النفسي.."، الكلام لزوج خالة الأطفال، علي زويتين، الذي تكلف، إلى جانب الخالات، برعاية هؤلاء الضحايا ماديا ومعنويا سعيا منه إلى مساعدتهم على تجاوز محنتهم. أمام دكانه الصغير، جلس علي يسرد محنة أخت زوجته وأولادها الأربعة الذين لم يألفوا بعد العيش كما جميع الناس، بسبب والدهم الذي أجبرهم على العيش في ظروف لا إنسانية: ويحكي أن الأب م-لمريس (51 سنة) كان يعقد جلسات سكر في بيته رفقة أحد أصدقائه، وهو رجل متقاعد عمره 61 سنة معروف بلقب "الحاج"، وكانا كلما دخلا في الليل شرع الأب في إيقاظ أبنائه بعنف ليخدموهما ويؤثثوا أجواء جلسته الخاصة على طاولة الخمر.. أكثر من ذلك، يضيف علي كان يطلب من سناء وعبد الرزاق أن يشربا معهما، وعندما يبلغان مرحلة الانتشاء الكامل لا يتوانى في تقديمهما قربانين إلى صديقه "الحاج" بعد أن ينصرف هو إلى النوم ويترك فلذتي كبده بين يدي "الحاج". للإشارة، فإن هذه القضية لا تزال معروضة على أنظار محكمة الاستئناف بالقنيطرة، بعدما أحالتها عليها المحكمة الابتدائية بسيدي قاسم. ويتابع الظنينان من أجل أفعال جنائية حددت التهم فيها كالتالي: هتك عرض قاصر دون الثامنة عشرة من العمر نتج عنه افتضاض وحمل، وهتك عرض قاصر دون الثامنة عشرة من العمر بالعنف والضرب والجرح العمديان في حق الزوجة نتج عنه كسر، وإلحاق ضرر بليغ بالأطفال نتيجة سوء المعاملة وإعطاء القدوة السيئة وعدم الإشراف الضروري، وتحريض قاصر دون الثامنة عشرة من العمر على البغاء من طرف أحد الأصول ثم الاحتجاز. فجأة توقف علي عن السرد بعدما أبصر عبد الرزاق قادما نحوه بخطى بطيئة. بادره علي بالسؤال عن حالته الصحية، فأجاب الصبي بصوت خافت يكاد يكون همسا: "شويا". واسترسل علي في الحديث قائلا: "حالة عبد الرزاق هي الواعرة بزاف، لأن خوتو الصغار كيقراو وختو الكبيرة خدامة فطنجة. ولكن هو أصبح مبلي بالشراب والكارو والحشيش والشقوفا بسبب باه.. وبعض المرات كيخرج من الدار وكيديع باش يقلب على ما يكمي وكيخلينا حنا كنقلبو عليه.." وتحسر علي على الوضع الذي يعيشه عبد الرزاق بسبب قساوة المجتمع الذي يحيط به، حيث قال إنه لو وجد من يأخذ بيده لتجاوز هذه المحنة وقطع أية صلة بذكريات الماضي الأسود الذي فتح عينيه عليه، وأوضح أنه حاول الاتصال بعدد من الجمعيات المهتمة بالطفولة، خارج سيدي قاسم، وطلب منها الأخذ بيد عبد الرزاق لمساعدته على الاندماج لكنها لم تستجب بعد. وبصعوبة بالغة، نطق عبد الرزاق وقال معبرا عن أمله في الجمعيات والمحسنين: "بغيتهوم يعاونوني باش نقرا ونخدم على خوتي وأمي"، قال ذلك ثم أطرق رأسه وواصل سيره في اتجاه بيته.