عبد الرزاق: "بغيتكم تعاونوني باش نقرا ونخدم على خوتي وامي" فجأة توقف علي عن السرد عندما أبصر عبد الرزاق قادما نحوه بخطى بطيئة. بادره علي بالسؤال عن حالته الصحية، فأجاب الصبي بصوت خافت يكاد يكون همسا: "شويا". أطرق زوج الخالة رأسه ثم مط شفتيه معبرا عن تحسره لما آلت إليه حالة هؤلاء الأولاد. قال: "مساكن.. كلهم مراض ومعندنا باش نشريو ليهوم الدوا". في ذات اللحظة مرت من أمام الدكان الطفلة نادية وأخوها زكرياء وهما عائدان من المدرسة. ملامح المرض بادية للعيان على وجهيهما. نادية لم تستطع إجابة زوج خالتها عندما سألها عن حالتها الصحية، فوضعت يدها على حلقها وأخرجت صوتا مبحوحا: "مريضة بالحلاقم". حينما سألته عن البنت البكر سناء، أجاب: "مسكينة ولدات بنية وسماتها فاطمة الزهراء، ولكن عاشت عشرين يوم وماتت، وهكذا تصدمات وبقا فيها الحال، داكشي علاش رسلناها عند خالتها في طنجة باش تبدل الجو.. وراها دابا خدامة.." واسترسل علي في الحديث قائلا: "حالة عبد الرزاق هي الواعرة بزاف. لأن خوتو الصغار كيقراو.. ولكن هو مازال كيعاني حيث مبلي بالشراب والكارو والحشيش والشقوفا بسبب بّاه.. وبعض المرات كيهرب من الدار وكيديع باش يقلب على ما يكمي وكيخلينا حنا كنقلبو عليه في الزناقي.." وعبر المتحدث عن تخوفه من أن تنعكس السلوكات العدوانية التي عاشها عبد الرزاق عليه سلبا فيحاول وضع حد لحياته أو القيام بأية حماقة، مشيرا إلى أن هذا الصبي يفقد صوابه أحيانا ويبدأ في التهديد بالانتحار أو يتوعد بالانتقام من والده ومن "الحاج" الذي اغتصب طفولته وانتهك عرضه. وتحسر زوج الخالة على الوضع الذي يعيشه عبد الرزاق بسبب قساوة المجتمع الذي يحيط به، حيث قال إنه لو وجد من يأخذ بيده لتجاوز هذه المحنة وقطع أية صلة بذكريات الماضي الأسود الذي فتح عينيه عليه، وأوضح أنه حاول الاتصال بعدد من الجمعيات المهتمة بالطفولة، خارج سيدي قاسم، وطلب منها الأخذ بيد عبد الرزاق لمساعدته على الإدماج لكنها لم تستجب بعد. وبصعوبة بالغة، نطق عبد الرزاق وقال معبرا عن أمله في الجمعيات والمحسنين: "بغيتهوم يعاونوني باش نقرا ونخدم على خوتي وأمي"، قال ذلك ثم أطرق رأسه وواصل سيره في اتجاه بيته بنفس الخطى البطيئة التي جاء بها