في الصورة الأم نجاة رفقة ابنتها سناء ومحاميهما إدانة الفقيه المتهم باحتجاز أسرته بسيدي قاسم ب15 سنة سجنا نافذة قضت الغرفة الجنحية الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة، عشية الأربعاء الماضي، على (محمد-ب) الفقيه المتهم باحتجاز أسرته لأزيد من 10 سنوات ببيت مظلم بضواحي سيدي قاسم، ب15 سنة حبسا نافذا، وذلك بعد إدانته بتهم "الاحتجاز والمشاركة في اغتصاب ابنته القاصر باستعمال العنف نتج عنه افتضاض بكارتها، والضرب والجرح ضد الزوجة، وإلحاق الضرر البالغ بأطفاله نتيجة سوء المعاملة، وإعطاء القدوة السيئة لهم في السكر وفي سوء السلوك وفي انعدام الأخلاق، وإعداد منزل للدعارة، والسكر العلني واستهلاك المخدرات". كما حكم على المتهم الثاني في نفس القضية، وهو (بوجمعة-ج) الملقب ب"الحاج"، ب8 سنوات سجنا نافذة من أجل تهم "اغتصاب فتاة قاصر باستعمال العنف الناتج عنه الافتضاض، وهتك عرض طفل قاصر باستعمال العنف، والسكر العلني واستهلاك المخدرات". "لا نعاماس هادشي ما كاينش.. أنا ماكنشرب ماكنكمي.. أنا غير فقيه كنقرا القرآن ومعمري سدّيت على ولادي ومراتي.."، هكذا رد الفقيه المتهم حينما تلا عليه القاضي صك الاتهام الذي يتابع من أجله، نافيا بذلك جميع التهم المنسوبة إليه. الفقيه المُقعد (52 سنة)، الذي مثل أمام المحكمة في حالة اعتقال، حاول جاهدا أن يقنع هيئة الحكم بأنه بريئ من التهم التي أسندت إليه، وكان في كل مرة يردد "أنا غير فقيه كنقرا القرآن على الناس في الروضة.. لو كنت كنشرب ونكمي مغاديش يعطفو عليا الناس..". "هل كنت تمنع زوجتك من زيارة أهلها؟"، أجاب المتهم بالنفي، ثم أضاف أنه لو قام بذلك فإن زوجته أو أهلها لن يتوانوا عن تقديم شكوى ضده لدى السلطات المحلية. وعندما سأله القاضي عن علاقته بالحاج (بوجمعة)، أجاب بأنه صديق وتربطه به علاقة قرابة (إبن العمة)، لذا كان يزوره بين الفينة والأخرى في بيته: "هاد السيد كان كيجي عندي من بعد ما خطب مني بنتي". في الوقت الذي كان فيه القاضي يسأل الأب المُتهم عن تفاصيل الواقعة التي زجت به خلف القضبان منذ شهر أبريل من السنة الماضية، كانت ابنته القاصر سناء (17 سنة) الماثلة أمام هيئة الحكم بجانب أمها تختلس نظرات شزراء إلى أبيها، الذي استباح براءتها وشرفها عندما كان يقدمها كقربان إلى ابن عمته الحاج ليشبع بها نزواته... كانت سناء تمسح بعينيها جسد والدها المطأطأ الرأس وكأنها تحاول التدقيق في ملامح شخص لا تربطها به أية صلة، كيف لا وهو بالنسبة إليها "ميت" منذ أن اغتال براءتها وإخوانها وأمها واحتجزهم في بيت مظلم لمدة تنيف عن عشر سنوات؟ "راه مكانش عندها لاكارط باش نصاوب ليها الكاغط"، قال الفقيه ردا على سؤال وجهه إليه الوكيل العام للملك حول سبب عدم تحريره لعقد النكاح بين ابنته سناء وبين صديقه الحاج. وعندما واجهه محامي الدفاع بمحضر يتضمن تصريح الضحية سناء تقول فيه "إن الحاج اعتاد على زيارة منزلهم لمعاقرة الخمر مع أبيها الذي اتهمته بإرغامها على ارتداء ملابس شفافة والتزين لحضور جلسات الخمر التي تجمعه بصديقه وتلبية رغباته الجنسية"، سارع إلى القول بأنه لم يكن يخال أن صديقه سيقوم بما قام به، حيث عبر عن ذلك قائلا: "راه كان كيجي عندي وكيقول ليا خلي وليداتك يباتو معايا راهوم بحال وليداتي..". شد الحبل بين المتهمين في ما يشبه لعبة شد الحبل بين طرفين، طفق الفقيه والحاج يتبادلان التهم بينهما ولم يكن يقطع جدالهما المتواصل غير صراخ القاضي في وجهيهما. فبينما كان الأب يردد بأن حمل ابنته سناء جاء نتيجة تزويجها لصديقه الحاج، ظل الأخير يتبرأ من مسألة الزواج نافيا أحيانا وقوع أية عملية جنسية بينه وبين الفتاة التي يعتبرها مثل ابنته، وأحيانا أخرى يقول إنه أوقعها بسبب إغوائها له بسبب ارتدائها لملابس شفافة خلال جلسات "القصاير" التي كان يعقدها في بيت الفقيه. وهنا يتدخل الفقيه ليكذب صديقه وينفي كونهما كانا يعقدان جلسات خمرية في البيت، لكن القاضي يقاطعه ليسأله عن السبب الذي جعله يترك صديقه الحاج يواصل اغتصاب سناء بالرغم من معرفته بذلك، فيرد بالقول: "راه زوجناهم ولي عطا الله عطاه"، غير أن الطرف الآخر ينتفض ليقول شيئا آخر لولا أن القاضي يأمره بلزوم الصمت إلى أن يأذن له بالكلام. هذا الجدال بين الطرفين بدأ عندما صرخ الحاج أمام المحكمة محملا مسؤولية كل ما وقع للفقيه وحده، حيث اتهمه بأنه هو الذي استرخص شرف أهله فأخذ يتاجر في عرضهم مقابل بضع دريهمات، موضحا أنه كان يقدم ابنته كهدية لكل من يدفع له المال، وهو ما وقع معه أيضا حيث قال: "كنت كنعس مع البنت وكندور معها بعشرا دراهم". تهمة اغتصاب القاصرين سناء وعبد الرزاق لقيت رفضا من طرف كلا المتهمين، فالأب قال إنه زوّج البنت لصديقه وبالتالي –حسبه- كان يعاشرها معاشرة زوج لزوجته، لكنه أنكر أن يقوم الحاج باغتصاب ابنه البالغ من العمر 15 سنة، حيث قال ردا على سؤال في الموضوع: "هداك راه ولدي.. وكن وقعات ليه شي حاجة أنا لي غادي ندافع عليه". أما المتهم الثاني، الحاج، فصرح بأنه عندما دخل بالبنت لأول مرة وجدها لم تكن عذراء، ويقصد بذلك أن ينفي تسببه في افتضاض بكارتها وحتى حملها، حيث أوضح أنها كانت حاملا عندما وطئها لكنه رغم ذلك فضل أن يستر عيبها، على حد قوله. ولم يتردد الحاج، من أجل تأكيد أقواله، في مطالبة المحكمة بإجراء خبرة طبية للتأكد من أنه ليس والد الجنين (مات منذ أشهر). المرافعات تركزت مرافعة دفاع الضحايا، رشيد أيت بلعربي، حول إثبات الأفعال المنسوبة للمتهمين (محمد-ب) و(بوجمعة-ج) وفق اعترافاتهما في محاضر الشرطة وأمام قاضي التحقيق. وسعى أيت بلعربي خلال مرافعته إلى التأكيد على وقوع الاحتجاز وتضرر الضحايا نفسيا ومعنويا. لكنه التمس من هيئة الحكم معالجة هذا الملف بشكل شمولي ينفذ إلى عمق الآثار التي يمكن أن تخلفها الأفعال الجرمية التي تعرض لها الضحايا، حيث نبه إلى أن التركيز على الجانب الزجري لن يفيد الضحايا في شيء. وأكد المحامي الذي نصبته جمعية "ماتقيش ولدي" للدفاع عن هؤلاء الأطفال ضحايا التحرش والاغتصاب، على ضرورة تجاوز العقبات النفسية للضحايا من أجل إدماجهم في المجتمع الذي يعيشون فيه. وطالب بتعويض مدني لفائدة الضحيتين سناء وعبد الرزاق، قيمته مائة ألف درهم لكل واحد منهما. بدوره شدد الوكيل العام للملك على المطالبة بإدانة المتهمين بأقصى ما يمكن من عقوبة، بعدما خلص إلى "أن جميع القرائن ثابثة في حقهما". لكن الطيب حيضر، دفاع المتهم الرئيسي (محمد-ب)، فند جميع ما وجه لموكله من اتهمات، حيث قال "ليس هناك ما يثبت أن موكلي ارتكب ما نسب إليه، فهو لم يعترف أبدا بذلك". ثم أضاف: "كل ما في الأمر أن وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية قامت بتضخيم هذا الموضوع فأعطته أكثر من حجمه..". ثم تساءل قائلا: "هل يمكن لشخص مقعد يتنقل بواسطة عربة مجرورة أن يقدر على سجن زوجته وأولاده 10 سنوات؟!" ورأى أن جميع التهم الموجهة إلى موكله من طرف زوجته وأبنائه، هي مجرد تهم "تحاملية لا أساس لها من الصحة"، مؤكدا أنه "لا يشرب ولا يدخن لأنه ما قادش على داكشي حيث هو غير فقيه كيدورو معاه المحسنين". واعتبر غياب الابن عبد الرزاق عن الجلسة "دليلا على أنه لا يستطيع مواجهة والده بما سبق أن صرح به أثناء الاستماع إليه من طرف الضابطة القضائية بسيدي قاسم". وختم حيضر، الذي عينته المحكمة لينوب عن الفقيه المتهم في إطار ما يسمى بالمساعدة القضائية، مداخلته بالتماس مراعاة الحالة الصحية لموكله وتمتيعه بأقصى ظروف التخفيف. أما المحامية فتيحة الميش، التي نابت عن المتهم بوجمعة، فركزت على أن موكلها لم يقم بالمنسوب إليه بإرادته، بل تحت تأثير ما وصفته بأعمال الشعوذة، حيث قالت إنه لم يكن يشعر بنفسه عندما كان يتوجه إلى بيت الفقيه ويقوم بصرف أمواله عليه. وأضافت أن الفقيه أثر على موكلها الحاج عن طريق الشعوذة لكي يتمكن من استغلال أمواله، حيث قالت: "موكلي كان ضحية شعوذة، خلا مرتو وولادو ومشا كيصرف على الفقيه". ونفت الميش أن يكون موكلها يعاقر الخمر مع قريبه، مؤكدة أن موكلها يعاني من قرحة المعدة وسبق للأطباء أن منعوه من الشرب. كما نفت عنه تهمة اغتصاب القاصر سناء، وقالت إنه "لا وجود لاغتصاب ما دام الأمر قد تم بعلم الأبوين"، وأشارت في هذا الصدد إلى أن موكلها "لم يكن يجامع سناء بإرادته وإنما لاشعوريا لأن الفتاة كانت تلبس ملابس شفافة ومغرية". ولم تتردد المحامية في القول إن الدافع من وراء تحريك هذا الملف بهذا الشكل لم يكن سوى لأغراض مادية من طرف الزوجة وأهلها الذين كان هدفهم "هو الحصول على دعم المحسنين فقط". نهاية قصة حزينة بعد أزيد من ساعة ونصف من المناقشة، دخلت هذه قضية التي شغلت الرأي العام المحلي والوطني منذ تفجرها أبريل الماضي، إلى المداولة. وفي وقت متأخر من عشية الأربعاء، أصدرت المحكمة حكمها على المتهمين بعد إدانتهما بالمنسوب إليهما، حيث قضت في حق الفقيه ب15 سنة حبسا نافذا، فيما حكمت على الحاج ب8 سنوات سجنا نافذة. كما حكمت نفس المحكمة لفائدة الضحيتين سناء وعبد الرزاق بتعويض مدني قدره 50 ألف درهم للأولى و30 ألف درهم للضحية الثاني. ضحايا "قبر الحياة" لم يشف غليلهم الحكم على والدهم بعد فك الحصار الذي ضربه حولهم الأب، ما زال الضحايا الأربعة يعيشون عزلة وحصارا من نوع آخر هو عدم الاندماج في المجتمع. فبينما تمكن الضحية عبد الرزاق (16 سنة) من الالتحاق بأحد المراكز المهتمة بالطفولة بالعاصمة الرباط، لمساعدته عن الاندماج والتداوي من الإدمان الذي كان يهدد حياته بالانتحار، فإن أخته البكر سناء (17 سنة) ستحزم حقائبها من جديد وترحل إلى مدينة طنجة هربا من الواقع المر الذي يذكرها بمأساتها بسيدي قاسم. أما الطفلة نادية (12 سنة) فإنها تتابع دراستها مع أخيها الأصغر زكريا (8 سنوات) ويعيشان مع أمهما في البيت الذي اشتراه لهما أحد المحسنين غذاة تفجر قضيتهم. ورغم مضي عدة أشهر على خروج الأطفال من الواقع المظلم الذي أرغمهم والدهم على العيش فيه، فإن نادية وزكريا مازالا يتذكران تفاصيل مؤلمة مما كانا يتعرضان له من طرف أبيهما وصديقه الحاج. وما تزال نادية تتذكر أسامي الخمور التي كان الفقيه والحاج يرسلانها لاقتنائه من عند "البجعة" (تاجر خمور مبحوث عنه)، كما لا يزال زكريا يتذكر تفاصيل مؤلمة لم ينجح الزمن في محوها من ذاكرته. أما الأم نجاة-ش (46 سنة) فإنها ما تزال هي الآخرى منطوية على نفسها وتعيش ظروفا نفسية عصيبة إلى درجة أنها لا تقوى على الكلام ولا تكاد تبرح بيتها قط إلا برفقة إحدى شقيقاتها. وتلقت الأم نجاة وأبناؤها وعائلتها منطوق الحكم بنوع من عدم الارتياح، حيث عبر مصدر منهم عن ذلك بقوله إنهم كان يتوقعون حكما أقسى في حق المتهمين يوازي الآلام التي تسببا فيها للضحايا. لكن رشيد أيت بلعربي، محامي الضحايا، اعتبر أن الجانب الزجري وحده لن يفيد الضحايا في شيء مهما بلغت قسوته. وأكد في المقابل على ضرورة الالتفات إلى الجانبين النفسي والاجتماعي لما لهما من أهمية كبيرة في التقليل من الآثار السلبية على مستقبل حياة هؤلاء الضحايا، ولم يفته أن يشير إلى "أن السياسة الجنائية بالمغرب تكاد تكون منعدمة لأنها لا تراعي اندماج الضحايا في المجتمع وتجاوز العقبات"، وذلك بالرغم من أن المغرب كان سباقا إلى المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل سنة 1993. ودعا أيت بلعربي المشرع المغربي "إلى ملاءمة تشريعه مع جميع المواثيق الدولية خصوصا المتعلقة بالطفولة". مقتطفات مما دار داخل الجلسة رغم فظاعة الأفعال التي يحاكم عليها المتهمان الفقيه والحاج، لم تخل جلسة محاكمتهما من طرافة جعلت هيئة الحكم والحضور غير ما مرة ينفجرون ضحكا، ليس استهزاء بالموضوع ولكن بسبب بعض الأجوبة العفوية التي كان يدلي بها المتهمان أمام القاضي. القاضي: شنو كدير في حياتك؟ محمد-ب: أنا فقيه نعاماس. القاضي: حافظ القرآن؟ الفقيه: غير شي بركة نعاماس. القاضي: فقيه وكتشرب الشراب وتضرب الشقوفا؟ الفقيه: لا نعاماس هادشي ماكاينش. القاضي: شنو علاقتك ببوجمعة؟ الفقيه: هاد السيد نعاماس كان كيجي عندي للدار منبعد ما خطب مني بنتي. القاضي: ياك هو أكبر منك ومزوج وعندو ولادو؟ الفقيه: راه بغا يزيدها وخا مزوج. القاضي: وكيفاش كنتي كتخليه يتكرفص ليك على ولادك. الفقيه: كان كيجي عندي وتيقول ليا خلي وليداتك يباتو معايا راه بحال وليداتي. القاضي: وزعما ما سمعتي والو نهار تعرضات بنتك للاغتصاب؟ الفقيه: لا نعاماس، حيث كان كيخدم الموسيقى. ماعرفت الخبار حتى للصباح. القاضي: وشنو درتي من بعد ما عرفتي بلي اغتاصب بنتك؟ الفقيه: زوجتها ليه وصافي. القاضي: وعلاش كنتي ساد على ولادك ومرتك؟ الفقيه: أنا بالله وبالشرع، معمري سديت عليهم، ياك هما كانو كيقراو. القاضي: المحاضر ديال الشرطة كتقول بلي لقاو ثلاثة ديال البيبان مسدودة بالقفال. الفقيه: لا نعاماس مكاين لا قفولا ولا والو. القاضي: إيوا والدار لي كانت حالتها حالة؟ الفقيه: هاديك هي حالة الضعيف. القاضي: شحال ديال الوقت وبوجمعة كيجي عندك للدار؟ الفقيه: ملي رجع من الحج عام 2004. القاضي لبوجمعة: أنت كنتي كتجي عند هذا وكتشربو الشراب وتضربو الشقوفا؟ الحاج: لا أسيدي أنا ماكنشرب ولكن كنكمي. القاضي: وعلاش زدتي للبنت والدري حتى هو؟ الحاج: لا اسيدي ماغتاصبت حتى واحد. أنا راه مزوج وعندي ولادي. وولاد هاد السيد كنحبهم بحال ولادي، راه حنا مسلمين ماشي يهود. القاضي: وشكون حمل الدرية؟ الحاج: نعست مع البنت ولكن كنت كندور معاها بعشرة دراهم. ولكن ما شي أنا لي حملتها. ملي دخلت عليها راه كانت حاملة. القاضي: وعلاش مبلغتيش بيه؟ كنتي خايف منو؟ الحاج: لا مخايفش، غير بغيت نسترها وصافي. سولو هو أسي القاضي شكون حملها راه ماشي غير بوحدي لي كندخل عندو للدار. القاضي للفقيه: شكون كان كيجي عندك من غير هذا؟ الفقيه: نعاماس راني فقيه وكنصاوب حجابات للناس، وكانوا كيجيو عندي للدار. *" أخبار اليوم المغربية "