لقد صار لزاما على توفيق بوعشرين أن يتوجه إلى أقرب جامعة ويفعل المستحيل ليتسجل بإحدى شعب القانون لعله بعد بضع سنين يعرف الجهة الخفية التي تملك الإختصاص في القضايا الإستعجالية المتعلقة بالمنع و الحجز...هذا لأن أهل القانون في قلب المحكمة الإدارية الاإستعجالية تطلب منهم الأمر 12 يوما كاملة ليكتشفوا أنهم ليسوا من أهل الإختصاص في قضية الحجز المغرق في قانونيته الذي مورس في حقنا... كم نحن مضحكون وساذجون ومثيرون لكل أصناف الفقصة و أشكالها، وكم نحن فقراء إلى الإبداع وحسن التلفيق و الكذب، وكم هي مسكينة هذه الدولة وهي تبحث عن موطأ خروج من هذه الورطة التي أوقعت نفسها فيها على مرمى"كَيَاسَة" من عيون العالم الحر وصحافته المستقلة و منظماته الحقوقية التي لا نتوقف عن التبجح أمامها بما أنجزناه في مجال الحريات طوال السنين الماضية فيما أفعالنا أمامها قاصرة عن كل إنجاز أو فعل رصين يثبت حقا أن أقدامنا" المتلعثمة" سائرة بجد على مضمار" إثبات حسن النوايا الحقوقية"... لا أدري كم نسبة الخجل في دمائنا و نحن نحتل الميكروفون أمام "الغرب و منظماته" وندعي بصلادة يقل نظيرها أننا دولة ديمقراطية تحترم حرية التعبير( ولها علاقة قرابة بأشياء شبيهة بالحق و القانون) ولا تتصرف إزاء مواطنيها و فاعليها إلا بمنطق "القوانين الجاري بها العمل (إلى وجهة غير معلومة)... وفي نفس الوقت الذي ندعي فيه هذا على الملأ تكون كبريات الصحف العالمية ووكالات الأنباء و المنظمات الحقوقية الدولية تشهد كلاما آخر تماما على أرض الواقع ،مصادرات للحق في التعبير، متابعات قضائية مضحكة و ملفقة، غرامات،و حجز متعسف على الجريدة و64 عاملا "بلا موجب شرع"... فكيف بالله علينا أن نستغرب من "التقارير" النارية الواردة في حقنا؟ و كيف نثور ضد كل المتشككين في مدى ديمقراطيتنا واحترامنا الصارخ للحريات؟... كيف يمكننا أن نتخيل أن أمريكا و فرنسا و إسبانيا ستعطينا "الكارت فير" بشأن مقترحاتنا حوا صحرائنا المغربية، وهي ترى أننا لا زلنا قاصرين على تطبيق قوانين نضعها بأيدينا؟ بالله على الجميع و أقول الجميع، ألا تحضر" صورة هذا الوطن" أمامنا و نحن ندفع الأمم الأخرى إلى الضحك على جهلنا و تخلفنا و قمعنا للصحافة وحرية التعبير و جلدنا لبعضنا البعض و الإستمرار في عادة إخراج كل الخناجر بمجرد سقوط بقرة غير ضاحكة بالمرة" كانت ضحية اغتيال صوتي" على "قارعة الديمقراطية"... حقا كم نحن مدعاة للرثاء، وكم رغبة هروب عن الأوطان تعتري الواحد منا في خضم كل الظلام المحيط بنا، رغم كل مصابيح الإغاثة، المبثوثة في شقوق الحريات الآيلة لسقوطنا... فيا ليت الوطن كان أحسن مما هو كائن... و ياليت أشكال الإعدام لا تأتي قطرة قطرة، كسلسلة عذاب لا تنتهي... في أدبيات "الموت الرهيب"، هناك و سيلتان لتنفيد أحكام الإعدام... هناك الوسيلة الأولى و هي الأقل إبداعا و الأكثر إنسانية و الأقل نشوة و تقتضي " إطلاق رشاش الرحمة" على رأس "الضحية" مباشرة... أما الثانية فهي الأكثر إمتاعا و الأعظم إبداعا، و الأبلغ منالا من جسم الضحية وعقلها و نفسها و روحها الخائرة على عروشها ووهنها و فقرها إلى وسائل دفع المظلمة عنها... وهي سادية سيادية سائدة لدى جلادين كثر، أما ما تقتضيه هذه" الميتة الثانية"، فهو مزيج من التعذيب والتأييس و بث الأمل و الانتكاس و الغضب و الحزن، و الرغبة في البكاء، و الإحساس بالقهر و الذل و المهانة، و الرغبة في الصمود و الإنتظار، ثم القنوط و الكرب و الإندحار وفقدان نفس الآنسة الشهيرة باسم" أمل"... مع أخبار اليوم تم اللجوء إلى الوسيلة الثانية، وتم و (يتم) تقطير الموت لنا جرعة جرعة حتى نرتشف نصيبنا من"نكتار سمها الزعاف"... إنها سياسة طالع هابط للحجز الرحيم"... سياسة جعلت توفيق بوعشرين طالع هابط بين المحاكم والإدارات لاستصدار ورقة الدفن الخاصة بالجريدة في الوقت الذي كان بإمكان الحاجزين تسليمه إياها منذ 28 من شتنبر المجيد... بيد أن المقصود شيء آخر تماما، فالراحة شيء رائع لا يجب أن لا ينعم به أحد من المنتسبين للجريدة إلى أجل غير مسمى (ولا عقيقة نصبت لميلاده لأنه 'أجل' لقيط)... و هكذا عوض أن ينعم طاقم الجريدة بقرار منع صريح(سواء كان قانونيا أم لا، لا يهم) منذ البداية لعلهم ينظرون في أمور مصائرهم ما يصلح لبليغ محنهم، ارتأت الدولة أن تجعلهم كل صباح يسحبون الآنسة أمل من شعرها لعل "شرطة الخدود" تكون قد انقشعت عن بوابة العمارة... قبل أن تنفلت المادموزيل أمل من بين أقلامهم عائدة إلى مقبرة الديمقراطية"، و يكتشفوا أن الخدود والأفواه و الألسن و الأقلام لا زالت تحت وطأة الحرس و النياشين... فينحسروا إلى أعقاب سوء عاقبتهم بمداد حنين( أو بالأحرى جنين - من الجنون-) ... حتما لن نكون أسوأ في مخيالكم المجحف من "التامك" و زبانيته الذين ظلوا يوزعون سم الإنفصال في كل حدب وصوب، وهم يأكلون من بطوننا دون أن تطالهم أيادي عساكركم الطويلة، قبل أن تكتشفوا خيانتهم لنا جميعا بأموالنا و أوراقكم الرسمية على سرير الوطنية مع عشاق ينوون لنا الحزاب كل يوم... حتما لسنا أسوء من هؤلاء حتى في عقول أعتى الظالمين (لنا) خيالا... فلما الكيل ب65 ألف مكيالا، و ما هو جرمنا بالضبط؟ لما لا تريدون أن تفهموا أننا بأخطائنا و مثالبنا و مكامن الإبداع و الصواب و الحق منا، مجرد مواطنين آخرين في وطن نفتخر به، و نحبه، و لهذا نغير عليه، و ننتقده حتى نُنْقذَه، بل و نجلده أحيانا...؟ من أعطاكم الحق بتجريدنا من كل نية صادقة في حب الوطن الذي لا نتملق إلى أحد في سبيله؟ شخصيا لقد اغرورقت مشاعري بالدماء، و أن أندحر تحت المقصلة يوما عن يوم، فيما كل 'خلية كتابة' من خلايايا الرمادية تئن تحت 'شح المداد' و ما استغلق من ألسن الكلام و الرأي " و كل يوم أحن للكتابة ألف مرة و أحن لزاويتي الصغيرة في تلك الجريدة الكبيرة، ولكنني أجدني ممنوعا كل مرة ، و كل صباح، يرن هاتف الجريدة فلا تجيبني" السكرتيرة" و لا أسمع تلك الجملة التي اشتقت إليها كثيرا:"أخبار اليوم، بونجور..."..و كل ما أتمناه أن لا يستبدلوها للأبد بأخرى تقول "أخبار اليوم... أديوس..."، و حسبنا الله و هو بكل تأكيد نعم الوكيل...