في المداخلة المرتجلة التي ساهم بها محمد أركون في إطار الندوة الفكرية: «قراءات في مشروع محمد أركون الفكري»، المنظمة من طرف شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، آثر استعمال مفهوم «المغرب العربي الكبير» عوض أي مفهوم آخر، وقال إن الحوادث الفكرية التي شهدتها هذه المنطقة كنز ساهم في تكوين الفكر الأوروبي، وزاد على ذلك بأن «السياسة التي فرضت علينا منذ الاستقلال أدلجت خطاباتنا وأبعاد تفكيرنا»، كما دعا إلى إعادة النظر في التربية التي تمارس على الطفل، معتبرا أن «البيداغوجيا التي تمارس في مدارسنا هي جريمة»، ودعا أيضا إلى التعامل مع العلم كعلم والمعرفة كمعرفة وليس كأدلجة، فقد أصبح الجهل يُقدس ويقدم كمعرفة مقدسة وليس فقط كاعتقاد مقدس، أنظروا أين وصلنا؟ وأين نحن؟»، هنا مداخلة أركون التي جاءت في آخر الندوة، والتي كانت بمثابة إجابة عن الإشكالات والأسئلة التي طرحت في هذه الندوة. السياسة المفروضة يجب إعطاء المغرب الكبير الآلات التي يستحقها وينتظرها من أبنائه، وذلك حتى يساهم هذا الفضاء الكبير في التاريخ الديناميكي، والاستفادة من التجارب التاريخية، والمؤهلات الفكرية والثقافية والعلمية، وحتى نكون في مستوى هذا الانتماء التاريخي والجغرافي لما أسميته ب«الفضاء التاريخي للمتوسطي»، حيث لا يمكن بناء الاتحاد المتوسطي، كما ندعو إليه اليوم، إلا إذا اكتسبنا المرجعية التاريخية الخاصة بهذه المنطقة. أذكركم بأن المغاربة والجزائريينوالتونسيين كانوا يجتمعون، في الخمسينات، في مكان بباريس في عنوان 115 بولفار سان مشيل. وفي ذلك المحل التاريخي، الذي كان يجتمع فيه الجميع، ما كان يلفظ أي واحد منا كلمة المغرب. كنا نجتمع باسم «اتحاد طلبة مسلمي شمال إفريقيا». المغرب له معناه، ولكن لم نتمكن من تحليل هذا المفهوم، مما جعلنا ننفصل عن المكتسبات التاريخية والثقافية والفكرية الهامة، وخاصة في هذه المنطقة. فمثلا ما حدث قبل مجيء الإسلام في هذه الأرض جدير بالتأمل، كانت هناك حوادث فكرية عظيمة تنتشر في هذا البلد من ليبيا إلى هنا في المغرب، وهذا كنز تكون به الفكر الأوروبي، إذ هنا فكَر قسيس عنابة الكبير في اللاهوت الكاثوليكي لأول مرة، وأثر ولا يزال يؤثر إلى يومنا هذا على علم اللاهوت، لأنه كان يقف الموقف الأنسني في ما يتعلق بمعالجة الأديان. فهذه الفكرة منبثقة عن تاريخ هذه الأرض، ولذلك يجب ألا نفرط فيها ونتركها جانبا، ونعتني فقط بما نفهمه ونريد أن ندافع عنه ونؤدلج به باسم المغرب. هذه النقطة كنت أريد أن ألح عليها لإعادة النظر في تاريخ هذا الفضاء المغاربي الذي ينتمي إلى الفضاء المتوسطي، فهذه المرجعية والرؤية الشاملة ضرورية لإعادة النظر في تاريخ هذه المنطقة حتى ندخل في ما أسميه بالتاريخ العولمي، كي لا ننكمش على ما فرض علينا بعد الاستقلال، مع التذكير بأن هناك من التونسيينوالجزائريين والمغاربة من كانوا يجمعون على هذه الرؤية قبل الاستقلال. فالسياسة فرضت علينا أدلجة خطاباتنا وأبعاد تفكيرنا واهتمامنا، فما سمعناه هذا اليوم من منكم جعلني أبكي لأني تأثرت جدا بكل ما جاء على لسان المتدخلين في هذا البحث، الذي يعبر عن أشياء دافعت عنها ولا تزال عميقة في دواخلي. لا يتسع لي الوقت لأحكي لكم عن الكفاح الذي قمت به من أجل توجيه بوصلة المغرب الكبير نحو المنحى الذي أتحدث عنه، دون أن نخلط بين السياسة والأدلجلة والبحث العلمي. لقد سمعنا تقديما جميلا أبكاني لأنه يعبر عن انشغال لاأزال أكافح من أجله، يتمثل في الانعتاق من الضلال الإيديولوجي الذي نعيش فيه من الاستقلال. لأول مرة سمعت أساتذة قرؤوا وأمعنوا في قراءة ما كتبته ونشرته وما قلته في المحاضرات، قرؤوا بإمعان وتأمل ثم فهموا، وبعدما فهموا وأدركوا، التزموا التزاما فكريا، وهذا ما أحسست به، فهذا «يوم كبير» كما تقولون. فهو كبير ليس فقط بالنسبة إلي، لأنني وجدت من بينكم باحثين ومفكرين ملتزمين بفكر لا يلتقطونه من هنا وهناك، ولكن أصبح فكرهم الذي يكونهم ويوجه خياراتهم الخاصة للمساهمة في هذا المشروع الذي هو مشروع سياسي، ولكن بالمعنى الفلسفي الأنسني وليس للوصول إلى الهيمنة السياسية. هذا يوم كبير للمغرب الكبير، فهذا المفهوم الذي سيصدر في كتاب في القريب موجه كذلك إلى إخواننا في الشرق الأوسط، لأن هناك فرقا في الاهتمامات الفكرية والثقافية بين المغرب والمشرق، حيث المشارقة يعترفون بأن هناك مميزات تميز المغرب العربي فكريا وثقافيا. فمن الجانب السياسي، هناك الذين احتكروا الدولة منذ الاستقلال، والكفاح ضد هذه الظاهرة مستمرة منذ ستين عاما أو أكثر، وليس هناك إجماع في الحلول. في التدخلات التي استمعت إليها، هناك اقتراحات أتت من كل واحد منكم تبنت الأشياء الأساسية التي اقترحتها، وحاولت أن أدافع عنها لتغيير الإطار الفكري والثقافي في المنطقة المغاربية. لقد دخلنا التاريخ من باب الأدلجة وليس من باب الثقافة والتثقيف، لذا يجب التفكير والنقد الفكري لجميع ما وقع في تاريخنا، واستشراف ما سيحدث في مستقبلنا القريب والبعيد. لننظر إلى ما يجري في أوروبا منذ نهاية الحرب الثانية، لقد فتحت جميع الدول أوروبا تاريخا جديدا مختلفا عما كان في القرن التاسع عشر، هناك مرحلة جديدة لبناء الدولة الديمقراطية مع ثقافتها ومع نظامها التربوي.. الآن نرى أن أوروبا قبلت أن تتخلى عن سيادة دولة الأمة طبعا بعد صراع، ولكنها سعت وأنجزت منذ 1953 خطوات بعيدة، ولا يمكن أن نقول إن أوروبا يمكن أن ترجع إلى الوراء إلى الدولة الأمة. هذه ثورة سياسية أخرى كالثورة الأولى التي أعطتنا الحداثة والقواعد الفكرية والحقوقية والأخلاقية التي فيها نظر، وفي ذلك عندي كتاب سيصدر إن شاء الله في هذا الشهر انطلاقا من تهذيب الأخلاق لمسكويه. لقد فقدنا التفكير في الأخلاق على الطريقة التي نجدها عند مسكويه والطريقة التي نجدها عند مقالات الإسلاميين كما يقول الأشعري، لأن هناك أخلاقا تنتمي إلى التيار الديني في القرآن. وما قدمه مسكويه هو تفكير فلسفي، فمنذ صدور هذا الكتاب ما سمعنا بكتاب ينتمي إلى هذا التيار أو ذاك. الأخلاق يجب أن نفرض عليها أيضا نفس النقد الذي نفرضه على الثقافة وغيرها. أقول لكم بصراحة إني ما كنت أنتظر أن ينجح هذا اللقاء الذي أصفه بحدث تاريخي من حيث تطور التفكير في الساحة المغاربية والعربية طبعا، حيث ما سمعناه جرى باللغة العربية، وعندما أشير إلى الأنسنة العربية أشير إلى اللغة ولا أشير إلى الجنس، وهذا مهم جدا. الجهل المقدس وجريمة التربية يجب علي أن أواجه جميع الأسئلة الراهنة بخصوص المغرب الكبير، بشرط أن تكون هناك مناقشة –كما حدث هذا اليوم- ومبادلة في إطار علمي يحترمه كل مشارك، فهذه قاعدة أساسية. أنا مسرور جدا بأن أستمع إلى تحديات جديدة، أو أشياء لم أنتبه إليها في ما قبل، لأننا بشر ولا يمكننا أن نحيط بكل علم في مرة واحدة وفي عمر قصير. بالنسبة إلى الإعمال التي لا تزال أمامنا، فكل تدخل استمعنا إليه اقترح علينا حقولا أخرى من البحوث لنلتزم بها، وهذا مهم جدا، فكل تدخل هو تدخل شخصي والتزام شخصي نظرا لتجربة كل واحد في حياته كمواطن ينتمي إلى المغرب أو الجزائر أو تونس أو ليبيا وإلى الساحة العربية الشاملة التي تشملها اللغة العربية. واللغة العربية لا تزال في حاجة ماسة إلى المثابرة في صياغة المفاهيم التي لاتزال تتجدد، لأن التاريخ لايزال يفرض على التفكير أن يواجه أسئلة جديدة لم تطرح بعد في التاريخ. مثلا ما حدث في 11 سبتمبر، كتب عنه الكثير من المفكرين والمثقفين العرب، وكنت انتظرت أن تكون هناك أجوبة كثيرة، لأنها تحد للنقد الذاتي، إذ هذا الحدث حدث من داخل الإطار الدوغمائي الإسلامي الذي لانزال نتخبط في سجنه ولا نريد أن نقر بأنه انبثق من الداخل، نقول: بعض المسلمين فقط وحوش... لا إن ذلك مرتبط بالإطار الدوغمائي الذي ورثناه عن التاريخ، والذي لانزال تحت هيمنته الفكرية، ولا أقول الإيديولوجية. لأننا في الحقيقة عندما نحلل الخطابات التي تصاحب وتؤيد وتعطي مشروعية لما نعيشه من الإرهاب حتى في بلداننا وفي مجتمعاتنا، كل هذا لا يتعدى حدود الأدلجة وهي ما أسميته الجهل المؤسس، فقد أصبح الجهل يُقدس ويقدم كمعرفة مقدسة وليس فقط كاعتقاد مقدس، انظر أين وصلنا؟ أين نحن؟ إننا لا ننتبه إلى ذلك التقديس الكاذب، حيث أصبحنا نكذب كلنا على أنفسنا. الجهل المؤسس من جهة له معناه لأنه مؤسس بإرادة الدول التي تفرض نظاما تربويا من الابتدائي إلى الجامعة، تفرض عليه الأدلجة ولا تعطيه ما يستحقه لتقديم المعرفة التي تؤدي إلى بروز العلماء في شتى العلوم الإنسانية. أرجو أن تنتشر هذه الأفكار والجو الذي قدمت فيه، لأني أعتبر طرق الإلقاء وطرق التحليل في جميع ما قيل خطوة كبيرة لندخل في ما أتمناه في المساهمة في الكفاحات الجارية المتواصلة التي يختص بها، إلى يومنا هذا، الأوروبيون كما اختصوا بإنتاج الحداثة ونحن نقتبس أشياء منها، وعندما نقتبس منها نترجمها في لغة تخدعنا، لأن الفكر يخدع اللغة وليست اللغة هي المسؤولة، المسؤول هو الممارس للغة، الذي لا يفرض على اللغة أن تعطيه المعجم الملائم عما يشاهده في المجتمع. رأينا عندما تطور وانتشر الفكر الأصولوي، الذي يجب أن يميز عن الفكر الأصولي، كتب الأشعري كتابا «مقالة في الإسلاميين». وأنا أميز بين الإسلاميين كما قصدهم الأشعري في إطار تفكيري، والأصوليون الذين فرضوا أدلجتهم الخاصة المبنية على الفراغ الفكري وعلى إنكار اكتساب المعرفة العلمية المحققة عن طرقها الخاصة وانتشارها عن طريق التدريس. التدريس من الابتدائي إلى مستوى الجامعة. الوجوه الرمزية والعودة المستحيلة ومن الأسئلة التي سمعناها من صديقنا عبد المجيد، بخصوص اللغة، سأل: لماذا أستعمل الفرنسية ولا أكتب مباشرة بالعربية؟ وأنا قادر طبعا على ذلك. هناك مفاهيم أساسية لابد من استعمالها أذكر منها أمثلة فقط كل لغة لها حدودها ومزاياها وثروتها، ولا ينبغي إغفال دور القصص في تركيب الخطاب الديني في المرحلة الأولى التي تم فيها النطق به، لأن المرحلة الأولى هي مرحلة الخطاب الشفاهي الذي ينقل الظروف والإطار السيميائي في الإلقاء الشفاهي. عندما يصبح الشفاهي نصا يصبح مجموعة رسمية مغلقة، والنص لا يتكلم، النص يصبح يتيما عندما يفصل عمن كتبه في المرة الأولى أو نطق به في المرة الأولى. وهذا تثار مشاكل عديدة في ما يتعلق بقراءتنا لجميع الخطابات الشفاهية النبوية، وينسحب إلى الوضع اللساني الخاص الذي نسميه المجموعة. في اللسانيات هناك ميدان للبحث العلمي اللساني لأن كل جمع لنصوص في مجلد واحد يثير إشكاليات عديدة، فليس هناك حقل واحد للبحث، هناك حقول عديدة تفتحها وتسبرها. في ما يتعلق بالآية القرآنية، لا يمكنك إذا كانت لديك نزاهة فكرية محترمة أن تفسر آية. أنا أستشهد بآية لأعلم شيئا وأقول القرآن يقول لي هذا وكذا بسبب أني أعرف أن القرآن اليوم نقرأه فقط في صيغته وفي تقديمه وفي شكله كمجموعة من النصوص في كتاب واحد، وهذه المجموعة أنجزت تحت رعاية رسمية تأخذ شهادة هذا وترفض شهادة ذاك؟ ومن جهة أخرى إني أقرأ كلام الله، عندما أقرأ القرآن، وكلام الله مر بجميع التصرفات البشرية لتقديم هذا الكلام الذي لانزال نسميه كلام الله. والمغلق، ما معناه؟ أي أنه لا سبيل لنا إلى الرجوع إلى ما لفظه النبي لأول مرة. الشيء الذي نحتاج إليه اليوم، إذا كنا نريد أن نتكلم عن كلام الله بكل احترام لوضع هذا المفهوم، هو إعادة ما وقع أول مرة لكن نجد أنه لا يمكننا ذلك، لأن الذين كانوا يشاهدون ويستمعون ويساهمون في المرة الأولى عندما استمعوا إلى النص بكل آية وبكل كلمة رحلوا. ولذلك قلت ما قلته عن أسباب النزول وعن جميع ما كتب عن السيرة النبوية مثلا وعن سيرة علي. التعريف الحقيقي اللساني والتاريخي والنفساني لتلك الكتب التي كتبت عما نسميه سيرة النبي أو سيرة علي بن أبي طالب وآخرين أو سيرة عيسى بن مريم أو سيرة موسى أو سيرة... أنها وجوه رمزية مثالية يتغذى بها المؤمن على مستوى مخياله وليس على مستوى عقله المنتبه إلى طرح الأسئلة التي لابد من طرحها عن الفرق بين التلقي بالمخيال والعمل بالمخيال والعمل على المخيال والتلقي بالعقل النقدي الذي وصفتموه، حيث يصبح المجتمع يعيش على الجهل المقدس، ولا يعرف كيف يخرج من هذا الإطار، لأنه يبقى يكرر ما سمعه في الجامع أو قرأه في كتاب من الكتب. ما سمعناه اليوم وقيل من تقديم نقدي للذات يساعد الجمهور على أن يفهم بسهولة ما كتبه المؤلف أكثر مما يتلقاه القارئ من ترجمة الكتاب. وهذه فكرة مهمة جدا، ولذلك فالتوسطات عن طرق التعليم لتقديم المؤلفات التي تأتي بأشياء جديدة، تحتاج إلى نقد، وأرى أننا اليوم نجحنا النجاح التام في هذا الموضوع، وأنا مسرور بذلك ومتضامن معكم، لأن القضايا التي كنت أكافح من أجلها وحدي أصبح هناك من يشاركني نفس الالتزام بالاستمرار في طرحها، وفي تقديم هذه البحوث بطريقة تربوية وبيداغوجية تجعل هذا النوع من التثقيف متوفرا لدى الشباب. فوزراء التربية منذ الاستقلال لم يفكروا في هذا التخطيط وما فكروا في التواصل مع هذا النوع من الاجتهادات في التعليم الجامعي والثانوي والابتدائي. فالابتدائي له أهمية كبرى، حيث إننا نتعامل مع الطفل الذي نعرف كيف نتلاعب بمخياله ومخيلته. انظروا إلى البيداغوجيا التي تمارس في مدارسنا.. إنها جريمة. أريد أن تسجل هذه الملاحظات التي جئتم بها حتى يقرأها القراء في العالم العربي، وأكبر عدد من المعلمين الذين هم مسؤولون عن تبليغ ما يقترحه الباحثون من النتائج العلمية. الثورة الناعمة التبريز في فرنسا ابتداع جميل ومهم جدا، وأود أن نتبنى هذا النوع من الممارسة في تكوين الأساتذة، وكما تبناه التونسيون منذ زمن طويل، فهذه الفكرة أرجو أن تدافعوا عنها لأهمية التبليغ عما وصل إليه البحث العلمي والجامعي. وهذا برنامج يجب أن يتبناه كل وزير للتربية والبحث العلمي في هذا الفضاء المغاربي الذي نريد أن نكونه. نشر الكتاب سيكون بمثابة الحدث في تقديم هذه المقاربات والاهتمامات بشؤون السياسة وبالمصير السياسي لبلداننا ولبلدنا المشترك المغاربي، وهو في نفس الوقت مرتبط بجميع القواعد العلمية النقدية لتقديم العلم كعلم وإنتاج المعرفة كمعرفة، ومناقشة الإنتاجات على الطريقة التي استمعنا إليها اليوم، ولهذا فإني أشكر الجامعة وعبد الإله بلقزيز وكل الزملاء الذين سينشرون ما قيل على مستوى العالم العربي، حتى يصبح لدى جميع من ينطق بلغة الضاد ومن ينطق بالأمازيغية، لأن الأمازيغية هي الأخرى يجب أن تجتهد حتى تصل إلى ذلك المستوى الذي نطالب اللغة العربية أن تصل إليه. أشير أيضا إلى أنه يجب الجمع بين اللوكوس والميتوس لأنهما موجودان منذ العهد اليوناني ومنذ ظهور الكتاب الأول. منذ العهد القديم هناك صراع جدلي وتوترات جدلية مفيدة بين ما يسمى اللوكوس وما يسمى الميتوس، ويجب أن نكون واعين بأن الفكر الإسلامي رفض وجود شيء يسمى «ميت» لكننا مازلنا نستعمل أسطورة وهذا خطأ كبير، فالأسطورة إنما هي «أساطير الأولين»، وهو رد على الوثنيين الذين لم يريدوا أن يستمعوا إلى النبي الذي كان يخاطب الناس بالآيات القرآنية. أما «الميتوس» –يشير أركون هنا إلى صعوبة الترجمة إلى العربية وذهاب المعنى إلى جهات قد لا نقصدها- الميتوس معناه ووظائفه عالية جدا ونحتاج إليها وإلى فهمها، وتفهيمها ليس كأسطورة وخرافة، انظر إلى التورط الفكري الذي تفرضه علينا اللغة، لأن العرب لم ينتبهوا إلى أن الخطاب القرآني ميز بين الأسطورة والقصص «إنا نقص عليك أحسن القصص» وهو أحسن بالمعنى الأدبي الرفيع. ففي كتابي «الفكر العربي» بالفرنسية، كل شيء واضح، لكن باللغة العربية الأمور تختلط، وهذه هي الأسباب التي دفعتني إلى الكتابة بالفرنسية.