يطرح تنظيم المعرض الدولي للكتاب بمدينة الدارالبيضاء العديد من الأسئلة المتعلقة بالفعل الثقافي والكتاب في بلدنا، ولأن العصر هو عصر التلفزة والتقنيات الحديثة، فإن الشاشة الصغيرة من المفروض أن تلعب دورا هاما في هذا الميدان، هذا الدور الذي يصبح من باب الضروريات عندما يتعلق الأمر بالإعلام العمومي، الذي يأخذ على عاتقه في كل بلدان العالم مهمة التثقيف وتهذيب الذوق وتشجيع العامة على التعامل الإيجابي مع الثقافة والكتاب. وقد انتبه المشرفون على القطاع السمعي البصري في المغرب إلى هذه الأهمية ولو نظريا، وهو ما يظهر من خلال البنود الموضوعة في دفتر تحملات القنوات الوطنية. ففي ما يخص القناة الثانية، فإن دفتر التحملات يستوجب كل أسبوع ما بين الساعة الثامنة والواحدة صباحا تقديم ما لا يقل على عشرة برامج لها علاقة بالثقافة على شكل برامج أو أشرطة وثائقية أو حوارات، تشمل مواضيع الأدب والسينما والموسيقى والمسرح والفنون الحية والفنون التشكيلية. أما في ما يخص القناة الأولى، فينص دفتر التحملات على تعهد القناة بتخصيص حيز مهم للأعمال الثقافية والفنية بمختلف اللهجات، كما تتعهد القناة، بحكم انتمائها للقطاع العمومي، بالرفع من ذوق المشاهدين والمساهمة في عميلة تثقيفهم. وإذا كانت القناة الرابعة، باعتبارها القناة التربوية، قد استفادت من الاعتمادات المخصصة لدعم البرنامج الاستعجالي لإصلاح قطاع التربية والتعليم، وهو ما انعكس في مجموعة من البرامج التي لا يمكن أن تساهم الإرادة الحسنة لوحدها في منحها شكلا جيدا يرفع من نسبة متابعتها، فإن القناتين الأولى والثانية، وعوض أن تلتزما بدفتر التحملات، فالملاحظ أنها تسجلان تراجعا كبيرا في هذا الميدان. ولمعرفة خطورة هذا التراجع، يكفي القيام بمحاولة حصر أسماء المثقفين المغاربة الذين أطلوا على الجمهور من نافذة القنوات المغربية، والأكيد أن النتيجة ستكون مخيبة للآمال، حيث إن هناك شبه قطيعة بين المثقفين المغاربة والتلفزة التي اختارت، تحت ذريعة نسب المتابعة والبحث عن الإشهار، التخلي عن كل واجباتها في التثقيف التي يستوجبها دفتر التحملات، وقبل ذلك الواجب والحس الوطني. فبخصوص القناة الثانية، فشبكتها لا تتوفر على أي برنامج ثقافي صرف بعد توقف برنامج "نماذج" وبرنامج "ديوان"، حيث إن الثقافة لا تبرز إلا في برامج عامة مثل "تيارات"، في حين لا يعرف مصير برامج لها علاقة بالثقافة مثل "رحاب التاريخ" و"مقامات صوفية"، في حين يقتصر برنامج "صورة" على المتابعات السينمائية، وتبقى نقطة الضوء الوحيدة وسط هذه المعمعة هي برنامج "شذى الألحان" الذي يحاول، بشكل أكاديمي، تسليط الضوء على الموروث الغنائي المغربي والعالمي، أما بخصوص المسرح، فإن الأعمال الجادة غائبة منذ سنوات عن القناة، حيث يقدم المسرح في فترات متباعدة في شكل أعمال لا تحمل في الغالب أي قيمة فنية حقيقية. وتجدر الإشارة إلى أنه على القناة الثانية أوقفت كذلك برامج ثقافية كانت تقدم باللغة الفرنسية مثل "بين السطور". وبالموازاة مع الغياب الواضح للمواد الثقافية، سواء على شكل برامج عامة أو خاصة، فإن القناة الثانية تقدم يوميا مسلسلا من المسخ المتمثل في أكثر من عشرة مسلسلات يومية، الجامع الواحد بينها هو الدبلجة وضعف القيمة الفنية، في حين تركز القناة كل المجهودات السنوية في برنامج "أستوديو دوزيم"، ولا يتم مثلا إعطاء المسابقة الأدبية الاهتمام اللازم. أما في ما يخص القناة الأولى، فإنها تقدم البرنامج الثقافي "مشارف" أسبوعيا لكن في وقت متأخر يعكس نظرة المسؤولين إلى الثقافة، ويناسب أكثر سكان الولاياتالمتحدة، وبالإضافة إلى هذا البرنامج فإن القناة الأولى تقدم برنامج "تيفاوين" والذي تمكن من خلق التواصل مع نسبة مهمة من المشاهدين، أما برنامج "كاميرا الأولى" فيختص فقط بالمتابعات السينمائية. والملاحظ أنه على القناتين معا تغيب برامج المسابقات ذات البعد التثقيفي، وهو أمر يدعو بالفعل إلى الاستغراب، حيث إن مجموع القنوات التابعة للقطب العمومي تقف عاجزة عن إنتاج ولو برنامج مسابقات واحد في المستوى. الوضع الذي توجد عليه الثقافة في القنوات الوطنية يستوجب تدخل جهات المراقبة والوزارة الوصية، وهو أمر يبقى أملا بعيدا على اعتبار أن الجهات الوصية أظهرت منذ مدة تساهلا كبيرا في التعامل مع الانزلاقات الكثيرة لقنوات القطب العمومي، والتي زاغت عن مهمتها كوسيلة إعلام عمومية، لتترسخ كقنوات منوعات وترفيه "بالمعني السلبي"، وكمثال على ذلك أن القناتين ستكتفيان بالعامل الروتيني مع معرض الكتاب من خلال يوميات باردة تدخل بكل تأكيد في باب: ذر الرماد في العيون.