تستمر فعاليات المعرض الدولي الخامس عشر للكتاب بالدار البيضاء حيث يعرف إقبالا لا بأس به من طرف العديد من المهووسين بالكتاب وحروفه. وبعيدا عن التنظيم الجيد للمعرض وحسن توزيع أروقته وطريقة عرض الكتب وترتيبها، وما يقام على هامش المعرض من جلسات يؤطرها كتاب يحكون عن تجربتهم مع الكتابة، وما إلى ذلك مما يدخل في الجانب الشكلي... فإن هناك أمورا جوهرية يجب على معرض الكتاب أن يطرحها بفعالية وعمق خاصة وأن من ضمن أهداف معرض الكتاب بل من أهمها العمل على ترويج الكتب وحث الناس على القراءة وتحبيبها إليهم. ولا مجال للتأكيد على أن هناك عزوفا خطيرا عن القراءة في المغرب، فقد استبدل الناس الكتاب بوسائل معرفة تكنولوجية أخرى كالتلفزيون والأنترنت وغيرهما على اعتبار أن ذلك أسهل عليهم من قضاء الساعات الطوال في تصفح كتاب. وقد بذلت محاولات محمودة لمواجهة هذا العزوف لكنها توقفت بمجرد ما بدأت، ونذكر على سبيل المثال فكرة «كتاب في جريدة» وما أقدمت عليه وزارتا الشباب والثقافة سابقا من محاولات أخرى تمثلت في صيغ «القراءة للجميع» و«المكتبات المتنقلة» وتشجيع القراءة وتداول الكتاب، لكن تأثير ذلك ظل محدودا قبل أن يتوقف بالمرة... وكانت النتيجة أن أصبحنا شعبا لا يقرأ. ثاني المشاكل المطروحة على معرض الكتاب هو غلاء الكتاب في المغرب... وهو ما يساهم في عدم قدرة المغاربة على اقتناء الكتب والإقبال على القراءة. وكان من نتائج ذلك أيضا أن أقفلت العديد من المكتبات أبوابها لتتحول إلى مقاهي ومطاعم وغيرها... لأن أصحابها ربما اقتنعوا بأن لا مستقبل للكتاب في المغرب، وأنهم إن استمروا في وضعهم هذا فلا شك أنهم سيعلنون إفلاسهم، وخير لهم أن يستبدلوا مكتباتهم بمحلات أخرى مما ذكرنا. نقتصر على هاتين المشكلتين ونعتقد أن من واجب معرض الكتاب أن يُخصص لهما قدرا من الاهتمام بتنظيم ندوات وموائد مستديرة لمناقشتهما وإيجاد الحلول الممكنة لهما. ومن دون شك فإن ذلك يدخل في صميم مهام معارض الكتاب. ولكن نلح في المطالبة بأن يكون تنظيم معرض دولي للكتاب مدخلا مهما لإعادة الاعتبار للكتاب المغربي، وللكتاب المغاربة، لا أن يبقى مجرد فرصة فريدة بما يشبه «الموسم» في حياة المغاربة وينقضي الحديث عن الكتاب والكتاب مع انتهاء مدة المعرض، ومن الطبيعي التأكيد على أن الأمر في هذه الحالة يتوقف على استراتيجية وطنية للنهوض بالكتاب المغربي. إن الكاتب المغربي يواجه صعوبات كبيرة وكثيرة جدا تحاصره وتحد من إمكانات إبداعه الهائلة، ولا يعقل أن يترك وحيدا يواجه هذا الإعصار من الإكراهات. والواقع أن حجم طباعة الكتب في المغرب يمثل بحق سبة في حق بلدنا الذي يحفل بالمبدعين والمثقفين، وتشجيع الكتاب هو الحل الوحيد لمواجهة هذا الكابوس، طبعا ليس التشجيع بالجمل الرنانة والتعابير المؤثرة، ولكن التشجيع المالي واللوجستيكي الحقيقي. إننا نؤكد على أهمية جائزة الكتاب السنوية والتي تمثل نقطة ضوء مشعة في هذا المجال، لكن نتطلع إلى أن يقع تكثيف المبادرات في هذا الصدد لنحقق تراكما مهما يمكننا من الحديث عن إقلاع حقيقي نحو إعادة الاعتبار للكتاب المغربي وللكتاب المغاربة. هكذا ننظر إلى المعرض الدولي للكتاب في إطار شمولي متكامل دون أن ننقص من حجم الجهود المبذولة.