اليوم الدراسي حول الإنتاج الدرامي التلفزيوني، الذي أقيم بأحد فنادق الدارالبيضاء بشارع أنفا يوم الجمعة 25 دجنبر، كان يوما ثقيلا وطويلا، وكانت لحظاته تمر بلا طعم ولا نكهة، وهو اليوم الذي كان من المتوقع أن يحضره وزير الاتصال ليستمع إلى المشاكل والاقتراحات من أفواه أصحابها، لكن الوزير تخلف عن موعده. "وزير الاتصال اعتذر لنا عن عدم حضوره في آخر الليل لالتزام له مع الوزير الأول، ونحن ننتظر من يمثله"، كما قال حسن نفالي، مندوب الائتلاف المغربي للثقافة والفنون، ولم يكن ممثل الوزير أو من ناب عنه سوى فؤاد سويبة الذي قال إن وزارته قد فتحت أوراش الإنتاج الوطني، ولها حوارات مع مختلف الفاعلين، كما أن دفاتر التحملات رهن إشارة هؤلاء، والوزارة ملزمة بإنتاجات في المستوى. ووعد الحاضرين بأن أفكارهم ستصل إلى المسؤولين. افتتح "اليوم الدراسي" بشريط مركب من إخراج خولة بن عمر، جمعت فيه بين لقطات أفلام وتصريحات بعض من شرائح المجتمع المغربي حول رأيهم في الإنتاج التلفزي المغربي. الفيلم انتزع ضحكات كثير من الحاضرين. كلمة الائتلاف، التي قرأها محمد الدرهم، أشارت إلى الخلفية التي دفعت بالائتلاف المغربي إلى تنظيم هذا اليوم، والمتمثلة في التراجع الذي عرفته الدراما المغربية في التلفزة، والتنديد بذلك. وهذا الملف له أهميته لما للتلفزة من دور في نشر القيم والتثقيف وإعطاء القيمة المعرفية أولوية، وذلك في ظل اقتراح قوانين وتشريعات تحد من الظواهر السلبية في هذا المجال. ويؤكد الائتلاف أن "هذا الملف كان واحدا من أبرز الملفات التي تؤرق الائتلاف ككل، نظرا لتداخل عدد من الفاعلين في مختلف المجالات الفنية في العملية الإبداعية، وباعتبار أهمية الدراما في نشر الخطابات والقيم والمعتقدات، ودور التلفزة في التنمية والتربية والتثقيف". وكان المتوقع هو أن يكون هذا اليوم يوما دراسيا يعمل بطرق اللجن التي تناقش القضايا الملحة في الميدان ليتم طرحها فيما بعد بشكل منهجي، لكن الملاحظ أن هذا اليوم تحول إلى نقاشات داخل القاعة ليتم عرض مشاكل شخصية لهذا الفنان أو ذاك مع التلفزتين، وقد انتبه إلى هذا أحد المتدخلين الذي قال إنه كان يجب التفرع إلى لجن. وفي غياب ذلك، انحرف النقاش عند الكثيرين عن طرح الاقتراحات والى "التدبار على الراس" في حضرة توفيق بوشعرة، المسؤول عن الدراما بالقناة الثانية، وإدريس أنوار عن القناة الثانية. ولأن الكثيرين لم يفهموا من اليوم سوى طرح مشاكل شخصية والبحث عن فرص للدخول إلى صندوق القناة الأولى أو الثانية، ظهرت كثير من الاحتجاجات في هذا اليوم أبرزها للجم الذي قال: "حنا ما جيناج هنا باش تعطانا دروس وكأننا تلاميذ في المدرسة"، لكن الجم لم تفته الفرصة ليقول إنه لم يدخل إطلاقا إلى تلفزة عين السبع، وأضاف: "كل حاجة في التلفزيون لا تقرأ وأنا أتحمل مسؤوليتي عن هذا الكلام". من جانبه، صرح لنا محمد سكري بأن الكثير ممن حضر ابتعد عن الموضوع ونحا نحو أهداف شخصية، وأضاف: "في ظل غياب شروط الحوار لن يكون إلا ذلك، لأن المغربي لم يخرج بعد من الشخصي إلى العمومي، فهو يستغل مثل هذه اللقاءات لأغراض شخصية، حيث يعلو الصراخ، لكن فيما بعد يبحث كل واحد عن حل مشكله بطرق فردية... يجب أن تكون لنا القدرة على المواجهة. شروط النقاش الحقيقي غير متوفرة... لكي يكون هناك يوم دراسي يجب أن يكون الموضوع مهيكلا ومحددا، وأن يكون المخاطبون معروفين، ولاسيما أن مسألة الإنتاج الدرامي هي مسألة جوهرية". وعن مسألة الإنتاج الوطني يقول: "إننا لا نشاهده لأنه ضعيف وغير منتظم وغير محدد، ففي المغرب ليس هناك النفس الطويل لإبداع مسلسل... والقدرة على إنتاج درامي غير متوفرة.. وهناك مفارقة ما بين المفاهيم والواقع. مستوى الإنتاج الدرامي ضعيف، وشخص مثلي لا يمكنه أن يشاهد ذلك، وإن فعل فمن أجل المتابعة". ممثلا القناتين اختارا الحديث إلى الحاضرين بلغة موليير، وقد انتفض بسبب ذلك الطيب لعلج، حيث قال وهو يوجه كلامه إلى توفيق بوشعرة: "تكلم معانا بالعربية"، وهذا ما جعل بوشعرة في جلسة المساء يترجم الخطوط العريضة لتدخله إلى العربية على الشاشة الموجودة في قلب القاعة. وقد تحدث هذا الأخير عن إنتاج الدراما في القناة الأولى، وقدم أرقاما في هذا الإطار، مستنتجا من خلالها أن هناك تنوعا في إنتاج 2009 وتنوعا في شركات الإنتاج الخاصة، لكنه استطرد قائلا: "في الحقيقة المشاهدة لا تعطينا نتائج مرضية، ولذلك وجب الوقوف على مكامن الخلل وتصحيح الأخطاء واستغلال جميع الطاقات والتراكمات المحصلة للنهوض بالإنتاج الدرامي". وفي الإطار ذاته، قدم إدريس أنوار، نائب المدير العام للقناة الثانية، أرقاما عما قامت به في مجال الإنتاج الدرامي، مشيرا إلى المنافسة الشرسة التي تشكلها الفضائيات. وفي جوابه عن سؤال ل"أخبار اليوم" حول ما قدم خلال شهر رمضان وما أثير من ردود غير راضية عما قدم في القناة الثانية مع وجود لجنة قراءة وتحديد الخلل قال إدريس أنوار: "لا يمكنني أن أقول أين يكمن الخلل. هناك تشجيع للإنتاج الوطني لكن لم نصل إلى الجودة التي تضمن النجاح. لا يمكن تحقيق نجاح العمل مائة في المائة. نحن نحاول قدر الإمكان لكي نعطيهم الإمكانات اللازمة... هناك لجنة قراءة ولا يمكن الحكم عليها من خلال عمل أو عملين... أنتم تنظرون فقط إلى ما لم ينجح وماذا عن الأعمال الأخرى الناجحة". وعن الفشل في تسويق الإنتاج المغربي إلى الخارج قال: "الإنتاج المغربي أصبح من الضروري أن تفرضه القنوات المغربية في الساحة، ليس هناك حل سوى الإنتاج الوطني، فالمغرب موجود في منطقة تبث فيها جميع الأقمار الاصطناعية، وهناك منافسة شرسة ولن يكون الحضور إلا بالإنتاج الوطني كما وكيفا". وعن توجه القناة نحو الإنتاج الأجنبي ودبلجتها لأفلام دون المستوى أضاف إدريس أنور: "لا يمكنك أن تبث الإنتاج الوطني أربعا وعشرين ساعة في اليوم، لأنه ليس هناك إنتاج وطني بالكم الكافي... فمن الأفضل دبلجة الإنتاجات بالدراجة المغربية أو السورية والمصرية، وهذه البرامج تحقق نسبة مشاهدة عالية جدا... اليوم ليس عندنا خيار... ما هو موجود هو الإنتاج الوطني ولكنه يحتاج إلى إمكانات ضخمة جدا، لابد من دعم من الدولة... ولابد من عمل مشترك مع جميع الفاعلين لكي نصل إلى الحلول المناسبة لمنتوج فيه الجودة". الممثل محمد بسطاوي قال عن رأيه في هذا اليوم ل"أخبار اليوم": "إنه تكرير لباقي الأيام الدراسية التي سبق أن حضرتها في السابق، لأننا نراوغ كثيرا ولا نضع الأصبع على الداء. هناك مشاكل السيناريو والتطفل". وأضاف: "هناك مؤاخذة على بعض الأشخاص لأن ما يهمهم هو أنفسهم... وأنا ليس عندي مشكل في العمل، ولكنني أريد أن أشاهد أعمالا تشرف المغرب وتظهر صورته الحقيقية... عندنا تراثنا ومبدعون فلماذا نلتجئ إلى الغرب؟ لماذا لا نكون فخورين بهويتنا". وقد اختتم هذا "اليوم" بإصدار ثلاث عشرة توصية وهي: 1- ضرورة فتح حوار مع كل الفاعلين من شأنه الإسهام في إنتاج دراما تلفزية معقلنة وأيضا لاستعادة الثقة ما بين كل الفاعلين. 2- مراجعة القوانين المنظمة للإنتاج الدرامي التلفزي بغية تنظيم العلاقة المهنية بين المبدعين والقنوات التلفزية. 3- التدبير الشفاف للعلاقات المهنية في مجال الإنتاج الدرامي التلفزي. 4- السعي إلى إنجاز اتفاقيات جماعية ما بين القنوات والمبدعين والمنتجين المنفذين. 5- إنجاز عقود نموذجية لكل المتدخلين في العملية الإنتاجية تحدد الحقوق والواجبات. 6- تطوير سلالم الأجور لكل المتدخلين في العملية الإنتاجية. 7- تفعيل قانون الفنان وأيضا بطاقة الفنان بإعطائهما قيمتهما الرمزية من أجل رد الاعتبار للمبدع. 8- تحديد عمل لجنة قراءة السيناريوهات ومهامها ووظائفها. 9- العمل على تطوير الكتابة الدرامية والرقي بها إلى مستوى الاحترافية من خلال تنظيم ورشات لكتابة السيناريو. 10- تشجيع التكوين في الإنتاج الدرامي مع ضرورة خلق علاقة عضوية ما بين التكوين والمجال المهني. 11- إنشاء قنوات خاصة من شأنها خلق منافسة بين القنوات في الإنتاج الدرامي. 12- الرفع من الميزانية المرصودة للإنتاج الدرامي التلفزي لإنتاج منتجات متنوعة الأجناس. 13- العمل على متابعة هذا النقاش أولا ما بين المهنيين، وثانيا بينهم وبين المسؤولين عن الإنتاج.