على عكس المغرب، يوجد رجالات السياسة في قلب أغلب القضايا القضائية الكبرى التي تفوح منها رائحة الفساد المالي وذات العلاقة بعالم الأعمال في فرنسا. من قضية دوفيلبان المعروفة بقضية كليرستروم إلى قضية المجموعة النفطية إيلف التي أثير فيها اسم وزير الخارجية الفرنسية السابق رولاند دوما، فيما تمت الإشارة إلى اسم الوزير الأول السابق إدوارد بالادور وكذلك اسم الرئيس السابق فرانسوا ميتران في شهادة وزير الدفاع السابق ألان ريتشارد بخصوص قضية فرقاطات تايوان. في المغرب، جرت قضايا الفساد والرشوة المرتبطة بعالم السياسة والمال، وزراء وعمال ومنتخبين محليين أمام المحاكم، غير أن أغلب هذه القضايا شهدت تورط مسؤولي مؤسسات لها علاقة بعالم المال والأعمال وبخاصة مديرين كبار يترأسون مؤسسات مصرفية من حجم كبير. في الواقع تنضاف قضية الرئيس السابق لبنك وفا بنك خالد الودغيري الذي وجه إليه قاضي التحقيق جمال سرحان تهمة المشاركة في جناية المشاركة في الارتشاء إلى جانب المتهم الرئيسي الموثق محمد الحجري إلى مجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الذين تورطوا في قضايا قضائية ذات طابع مالي. ومن البديهي أن هذه القضية كانت ستكون عادية لو لم يكن خالد الودغيري أحد أطرافها، فالقضية تتعلق بشكاية وضعها رجل الأعمال عبد الكريم بوفتاس استغرق التحقيق فيها 18 شهرا شهدت فيها عدة تطورات وعدة تسريبات وأحكام مسبقة، على اعتبار أن الرجل كان من "الطيور النادرة" التي كانت تغرد داخل قفص مجموعة عرفت كيف تستقطبه لتدبير ذراعها المالي التجاري وفا بنك، بعد أن نجح في عملية إدماج البنك التجاري المغربي وبنك الوفاء، إلا أن حرب مواقع داخلية جعلت من الودغيري شخصا غير مرغوب فيه، ليتم عزله في سياق تحولات مجموعة أونا ومحاولات إعادة توجيه استراتيجيها الاقتصادية والمالية داخل الاقتصاد المغربي، ليظهر أن للرجل موقفه الذي يتعارض مع الهيئة المسيرة لمجموعة أونا، فكان عزل الودغيري وتشديد الخناق عليه، قبل أن ينفض الغبار عن شكاية بوفتاس في شهر غشت 2008 وعدم متابعة هذا الأخير باعتبار طبيعة التهمة الموجهة إلى خالد الودغيري إذ اعترف رجل الأعمال عبد الكريم بوفتاس أنه أضطر لتقديم رشاوى إلى الرئيس المدير العام لبنك التجاري وفا بنك خالد الودغيري عبر الموثق محمد الحجري مقابل تسوية شاملة لديونه. سقوط الرؤوس الكبيرة قبل الودغيري، شهدت المحاكم المغربية مثول العديد من مسؤولي المؤسسات المالية ورجال الأعمال المتهمين في قضايا ترتبط بالارتشاء وسوء التدبير متابعين في سراح مؤقت. من فريد دليرو الرئيس السابق للبنك الوطني للتنمية الاقتصادية إلى الغالي السبتي رئيس المجلس الإداري لشركة مختصة في استيراد القمح مرورا بعبد اللطيف العراقي الرئيس السابق للبنك الشعبي والراحل عثمان السليماني المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي وكذلك مولاي الزين الزاهيدي، المدير العام السابق لنفس المؤسسة، الذي يوجد في حالة فرار بالخارج. تنضاف إلى هذه اللائحة مجموعة من رجال الأعمال الذين أطاحت بهم حملة التطهير لسنة 1996 من قبيل رجل الأعمال عبد العزيز الطاهيري الذي استثمر كثيرا في قطاع النسيج والذي أتهم بالتحايل على نظام القبول المؤقت الجمركي. ومحمد بن طالب رجل الإدارة الذي تحول إلى عالم الأعمال والمال والذي كان من المقربين لرئيس حزب التجمع الوطني للأحرار السابق أحمد عصمان ورجل الأعمال نبيل التبر الذي صدر في حقه حكم بالحبس عشرة أشهر في حملة التطهير والإخوان بنشقرون الذين اتهموا بممارسة تهريب الأجهزة الإلكترونية والمنزلية ورجل الأعمال شتريت الذي اتهمته إدارة الجمارك بالتحايل على نظام القبول المؤقت كذلك. ولا يمكن اعتبار حملة التطهير بأنها عملية لتخليق الحياة الاقتصادية، مثلما لا يمكن أن تكون محاكمة خالد الودغيري الرئيس السابق لمجموعة التجاري وفا بنك قضية قضائية عادية، فهي بالتأكيد تحمل في طياتها تأكيدا من أصحاب اتخاذ القرار أن بإمكانهم تعديل قواعد اللعب وفق مشيئتهم، وأن بإمكانهم في أية لحظة الإطاحة بأي رجل أعمال أو مسؤول يعتبر نفسه قويا. ومن البديهي أن كل هذه القضايا لم تؤد للقضاء على الرشوة أو سوء التدبير أو على احتواء السلوكات غير الشرعية، بل إن كل هذه النشاطات ما فتئت ترتفع وتيرتها حسب العديد من التقارير الوطنية والدولية. وكان مؤشر الفساد والرشوة في الدول المصدرة لسنة 2008 والذي يستند على استطلاع للرأي استهدف رجال الأعمال ومسؤولي التدبير المالي والمصرفي، قد كشف أن 46 في المائة من رجال الأعمال في المغرب اعترفوا بلجوئهم لتقديم رشاوى من أجل تسريع وتسهيل الإجراءات المتعلقة بملفاتهم. مسؤولون لا يطالهم الحساب في انتظار محاكمة البعض منهم، تم تمتيع فريد دليرو الرئيس السابق للبنك الوطني للإنماء الاقتصادي السابق بالسراح المؤقت، بعد أن سبق له أن قضى بضعة أشهر في السجن، إذ وجهت إليه تهمة تبذير أموال عمومية بعد أن كشف تقرير المفتشية العامة لوزارة المالية باختلالات مالية بقيمة مليار درهم، وكذلك الأمر بالنسبة للغالي السبتي الذي سبق أن صدر ضده حكم بخمس عشرة سنة غيابيا، بعد أن اتهمته إدارة الجمارك ومكتب الصرف بتزوير الوثائق المحاسباتية من أجل التخفيض من الرسوم الواجبة على شركته أن تؤديها لإدارة الجمارك وخرق المقتضيات المنظمة لتحويل العملة، غير أن القضية في طياتها تتضمن شبهة "صراع مصالح بين شخصيات من عيار ثقيل". في سياق الفضيحة التي انفجرت في سنة 2000 والتي جعلت محكمة العدل الخاصة السابقة تصدر في سنة 2001 أحكاما على المتهمين في هذه الفضيحة من بينهم الغالي السبتي الذي صدر ضده حكما بالسجن مدته 15 سنة، غير أن الغالي السبتي كان لحظة صدور الحكم، يعيش بكل حرية في إسبانيا، إلا أنه سرعان ما قرر العودة إلى المغرب في سنة 2003 ليمنحه قاضي محكمة العدل الخاصة السراح المؤقت وتنطلق أول جلسة لإعادة محاكمته في سنة 2004، لتدخل سيناريو التأجيلات قبل أن يتم استئنافها في سنة 2009. يشار إلى أن خالد الودغيري، مثله مثل مولاي الزين الزاهيدي، يوجدان في حالة فرار، خارج المغرب وأن محاكمتهما يمكن أن تتم غيابيا وأن من شأن ذلك أن يترك الكثير من الظلال على بعض القضايا التي كشفت عنها التحقيقات، لاسيما وان التغطية الإعلامية والتسريبات الصحفية التي واكبت قضية الودغيري تجعل من المشروع التساؤل عمن يحرك خيوط هذه المتابعات، لاسيما مع اختيار المتهمين للصمت. كذلك، فبعد ثماني سنوات من الإجراءات القضائية، مازالت قضية القرض العقاري والسياحي لم تراوح مكانها، مما يعني أن هذا المسلسل القضائي لا يحمل اسمه، لأن المتهمين الحقيقيين يمكن أن لا يكونوا هم الذين تتضمنهم صفات محاضر التحقيق. سابقة السبعينيات كان وراء محاكمة الوزراء الشهيرة في بداية السبعينيات رجل أعمال شغل في السابق عدة مناصب إدارية سامية قبل أن يصبح رجل أعمال يملك شركة للتسيير والتمثيل الدولي والوساطة لاستقطاب استثمارات أجنبية للمغرب، بهذه الصفة تمكن عمر بنسمعود من الحصول على عمولات من شركات أجنبية من أجل الفوز بصفقات عمومية مقابل رشاوى كان يقدمها لوزراء ومسؤولين سامين. يتعلق الأمر بأول قضية لمحاكمة الوزراء في المغرب أثارت جدلا سياسيا، لاسيما وأنها تزامنت مع فترة توتر سياسي واجتماعي داخلي أفرز محاولتين انقلابيتين كادتا أن تطيحا بالنظام الملكي. والأمر يتعلق بحوالي 27 صفقة تم إبرامها مقابل الحصول على عمولات ورشاوى تورط فيها رجل الأعمال عمر بنمسعود ووزراء المالية مامون الطاهري و التجارة والصناعة والمعادن والملاحة التجارية محمد الجعيدي ويحيى الشفشاوني، وزير الأشغال العمومية، وعبد الحميد كريم، وزير السياحة. أكدت المحاكمة، حتى وإن تعلقت أسبابها بخلفيات غير قضائية، أن لا شيء يمنع من محاكمة مسؤولين حكوميين مثلما هو الحال بالنسبة لوزراء وجهت لهم تهم الارتشاء واستغلال النفوذ والحصول على عمولات وارتكاب جرائم ذات علاقة بالمال العام، وهي القضية التي تولى فيها التحقيق إدريس البصري بتوجيه من الكولونيل الدليمي. وكانت تحقيقات سرية قد أجريت مع محمد العماني، وزير الأشغال العمومية ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى في السبعينيات، بخصوص صفقة معمل السكر في بني ملال، غير أن الملف سرعان ما أغلق لاعتبارات مجهولة، لكن تقديم وزراء للمحاكمة في السبعينيات كانت محصلة توترات سياسية وصراعات داخل المحيط الملكي نتج عنها حسب بعض المتتبعين نوع من تصفية الحسابات بالنظر لأنهم كانوا يشكلون نخبة المغرب آنذاك ولأنهم كانوا خارج نفوذ المحيط الملكي آنذاك.