بقلم/ الحسين بشوظ عالج مفهوم الدولة الفاشلة عدد من الباحثين الغربيين، خصوصا المتخصصين في علم السياسة والاقتصاد، المنظرين للسّيرورة المستقبلة لدول العالم، خصوصا الاقطاب الكبرى أو ما يعرف بدول الثمانية، وأُعطِيت في هذا الموضوع تعريفات شتى وتصنيفات مختلفة، وعليها تعتمد هيأة الاممالمتحدة في استصدار تصنيفاتها الدورية للدول الفاشلة. يعتمد سلم التصنيف على مقوم السيادة، وبسط السلطة وإخضاع البلاد، بالاضافة الى قدرة الدولة على إنشاء اقتصاد قابل للتسويق عن طريق توقيع صفقات مع الشركات المختلفة، مع وجود عملة وطنية رسمية، وإدارة قانونية، كما يستلزم تمتع الدولة بالمعطى التعاقدي المتمثل في احدى النظم المتعارف عليها دوليا، ملكية كانت أو جمهورية أو فيدرالية أو إتحادا، مع حضور مقوم البرلمان أو المجالس الشعبية أو غيرها من المؤسسة التي يتفق عليه العرف السياسي للشعب أو لمجموعة من العشائر، المنضوية تحت سلطة مركزية واحدة، مع ضرورة وجود دستور مكتوب أو غير مكتوب يُعتبر المرجع في تبرير تسيير شؤون البلاد، وهو أشبه ما يكون بالعقد الاجتماع المدوّن أو غير المدوّن، المحفوظ والمعمول به بالتراضي مع الإجماع. هذه المقومات الأولى تعتبر هيكل ما يسمى بالدولة، ومن دونها لا يمكن أن نتحدث عن الدولة بمفهومها السياسي والاقتصادي، وبالتالي فالتصنيف غير وارد، بل وغير ممكن أصلا. أما المستوى الثاني من التصنيف فيتعلق بالدول ذات السيادة المنفعلة والمضطربة، ذات الحكم المركزي المنعدم في الأطراف، الغارقة في الصراعات العرقية، غير القادرة على ضبط الحدود، وغير القابلة للحياة، المنقوصة الشرعية أمميا. المتردية الخدمات الأساسية وخاصة الخدمات الصحية، المتخلفة في مجال التعليم، الغارقة في الفقر والجوع، المسيَّرة من لدن عصابات التهريب أو تجار المخدرات، أو المسيرة من طرف عزماء الحرب، أو النظم العسكرية الانقلابية، الشحيحة من حيث البنى التحتية، والمرافق الأساسية، ويمثل هذا النموذج عدد من دول إفريقيا الوسطى كرواندا والسيراليون والصومال والتشاد، وبعض دول جنوب شرق آسيا ككمبوديا وبعض دول خليج المكسيك وجزر الكرايبي كهاييتي. وتعتمد هيأة الأممالمتحدة في تصنيفها السنوي معيار السُلّم الرباعي، وهو: جدول من أربع خانات، لكل خانة معطيات خاصة، ومن خلال هذه المعطيات يتم إدراج الدول ضمن الخانة المناسبة. الخانة الأولى وتمثل " دول فاشلة" وهي ما ذكرانه سابقا وهي الدول المضطربة المنقوصة السيادة والغارقة في الصراعات العرقية والمذهبية، والتي تغيب فيها مظاهر الدولة بمفهومها السياسي والاقتصادي. خانة الدول في" حالة إنذار" وهي الدولة المعترف بها دوليا، وهي في معظمها الدول النامية أو الدول السائرة في طريق النمو، أو ما يسمى بدول العالم الثالث، وتشمل دول شمال إفريقيا، وبعض دول الخليج كاليمن والأردن وسوريا وفلسطين، ودول أمريكا الاثينية ككوبا والبيرو والارغواي، ودول شرق ووسط آسيا. خانة الدول في "حالة معتدلة" وخانة الدول في "حالة مقبولة" هاتين الخانتين تمثلها دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية وسويسرا والممكلة المتحدة، وكندا، واليابان وأستراليا …، هذه الدول تعتبر النموذج العصري المحتدى، الذي قطع شوطا هاما في تأسيس الدولة الحديثة على كل المستويات، بما فيها السياسي والاقتصادي والتشريعي، مع الهامش الكبير الممنوح للحريات وحقوق الإنسان. تختلف هذه المعطيات مع تطور الدراسات في هذا المجال، فيتم تجديد المفهوم بإضافة كل ما يجدّ، وإقصاء كل ما تم تجاوزه، أو ما لم يعد معطى معقولا ومؤثرا في التصنيف. من خلال ما سبق يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل الدول العربية دول فاشلة ؟؟ صحيح أننا أدرجنا بعض الدول العربية ضمن خانة دول في حالة إنذار ولعل هذا التصنيف الأممي، مرده الى تردي مستوى الحريات وحقوق الانسان في هذه الدول، بالاضافة الى عدم استقرار المؤشر الاقتصادي، في الدول العربية غير النفطية، أما على مستوى حقوق الانسان فإننا نستثني من هذا التصنيف كلا من قطر والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، بإعتباهم دولا قطعت شوطا في هذا الباب، وأتاحت هامشا مقبولا من الحريات وحقوق الانسان. سنحاول من خلال تحليلينا هذا أن نركز على البعد الاقتصادي للدول العربية باعتباره الركيزة المعيار والعلامة الفارقة في التصنيف العالمي للدول الفاشلة والناجحة، لنخلص في الأخير الى إحدى النتيجتين، إما دول ناجحة، أو دول فاشلة، وليس بين هذين الحدين حد ثالث. على المستوى الاقتصادي يمكن أن نحلل الواقع الاقتصادي العربي على مستويين إثنين. المستوى الأول: وهو الإقتصاد البعلي، وهي الاقتصادات التي تعتمد على المطر، وهو إقتصاد كل الدول العربية غير النفطية بالخصوص، إذ تعتمد هذه الدول وبشكل تام تقريبا، على التساقطات المطرية، وهي في معظمها دول فلاحية تقليدية، تغذي ميزانيتها من الصادرات الفلاحية التي هي في معظمها منتوجات فلاحية مكلفة، لها تأثير كبير في استنزاف الفرشة المائية، أما فيما يخص تربية الماشية وانتاج اللحوم فبالكاد تغطي السوق الداخلية، فرغم ضخامة قطعان المواشي في معظم الدول العربية إلا أن طريقة الانتاج مازالت تقليدية إذا مازالت بلدان عربية تعتمد على الرعي وتعقب الكلأ، خصوصا في موريتانيا والسودان واليمن، بخلاف بعض الدول كالمملكة العربية السعودية التي طورت هذا القطاع وزودته بكل المقومات والتقنيات الحديثة والعصرية في الانتاج الحيواني بشقيه، الالبان واللحوم، وحذت حذوها معظم الدول الخليجية، وبعض الدول المغاربية كتونس والمغرب، أما الدول العربية التي لها سواحل، فإنها تستفيد من الثروة السمكية في إنعاش ميزانيتها عن طريق تصدير ثروتها السمكية، وعقد صفقات الصيد البحري، وبالتالي فهذه الاقتصادات بدائية وتستنزف الثروات القومية للبلاد، وهي في المنظور الحديث، أصبحت متجاوزة، وقد استغنت عنها الدول الكبرى لصالح الدول النامية، بسبب عيوبها الجمى، وعدم مواءمتها للنمو المتسارع الذي يعرفه الاقتصاد العالمي، ، بالإضافة الى أن هذه الفلاحة، تسويقية بالدرجة الأولى، ولا تحقق للبلد المنتج أي اكتفاء ذاتي على مستوى أمنه ألغذائي، فمعظم هذه المنتوجات الفلاحية عبارة عن مواد أولية يعاد إنتاجها في وحدات صناعية أخرى متخصصة، وغالبا ما تكون هذه الوحدات الصناعية في البلدان المستوردة، ومن أمثلة هذه المنتوجات الفلاحية نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الشمندر السكري، والقطن وقصب السكر وبعض المزروعات التي تستخدم في انتاج الأعلاف، بل حتى في مجال الصيد البحري، ينقل السمك مادة خام، الى وحدات صناعية في البلد المستورد. هذه السياسة الفلاحية لا تحقق لا أمنا غذائيا، ولا اقتصادا قويا، فهي تحت رحمة السنة، ومع التقلبات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري، تأزمت الفلاحة العربية بشكل كبير، وخصوصا في الدول التي تشحّ فيها التساقطات، أو التي تعاني من التصحر، وبالتالي فالميزانية التي تصرفها الحكومات العربية، خصوصا في توريد المواد الغذائية الأساسية أكبر بكثير من مداخيلها الفلاحية. وعموما ما تزال هذه الدول العربية غير النفطية، دولا تقليدية، وبدائية في تفكيرها الإقتصادي، بل وحتى في سياساتها الاقتصادية، ولا أدل على ذلك، المبالغ الضخمة المدينة بها لصندوق النقد الدولي، وهذه الدول مجرد سوق استهلاكية للمنتوجات العالمية، ولا ترقى الى مستوى المنافسة. ولا تتبنى سياسة تنموية حقيقية. المعطى الثاني في اقتصاديات الدول العربية غير النفطية، وهو السياحة، إذ تعتبر السياحة المقوم الاساسي في اقتصاديات هذه الدول، والمورد الأساس للعملة الصعبة، ولكن السياحة ليست ركيزة أساسية في الاقتصاد العصري الحديث، وإنما هي ركن ثانوي ولكنه مهم كذلك، نظرا لكون هذا المورد الاقتصادي سريع التأثر بأي عامل مهما كان بسيطا، خصوصا في موضوع الأمن. لقد تكبد اقتصاد الدول العربية غير النفطية، والتي في معظمها تعتمد الى جانب الفلاحة ، تعتمد على مداخيل السياحة، تكبدت خسائر فادحة بسبب الازمة الاقتصادية ، ثم جاء ما يسمى بالربيع العربي ليقسم ظهر البعير، ويتسبب في هروب السياح من معظم هذه الدول، بدأ بتونس التي تعتبر السياحة شريانها الاقتصادي الأول، وفي مصر وسوريا رغم أنهما دولتان نفطيتان إلا أننا ادرجناهما هنا لاعتبارات خاصة، وفي المغرب كذلك تعتبر السياحة عصب الاقتصاد. إن سياحة المآثر التاريخية، على أهميتها إلا أنها أضحت ثانوية إن لم نقل متجاوزة، واستبدلتها عجلت السرعة التي يعيشها العالم في كل شيء، بسياحة جديدة هي سياحة "التنمية"، وهي سياحة أنتجها الاقتصاد القوي لبعض الدول، وساهم فيها الاعلام بشكل كبير، وتنتشر في كل من الصين واليابان والدول الصناعية الصاعدة كماليزيا وهونكنغ وكوريا الجنوبية، بالاضافة الى الامارات العربية المتحدة وقطر، إذ يقف السائح بذهول أمام حجم التطور والتنمية التي وصلت إليه هذه البلدان، خصوصا في مجال البنية التحتية والهندسة المعمارية العصرية كالأبراج وناطحات السحاب و..، وهي سياحة مربحة جدا ومدرة للدخل، بخلاف السياحة التقليدية البطيئة. هذا وبإيجاز شديد الحالة الاقتصادية العامة السائدة في الدول العربية غير النفطية، وهي حالة يمكن تصنيفها ضمن خانة الدول غير المواكبة، النمطية التفكير، والتقليدية النمو، إن لم نقل الفاشلة صراحة. فيما يخص الدول النفطية فهي كذلك على ثلاثة ضروب: النموذج الاول قطع شوطا هاما على درب التقدم والتطور، والبعض مازال يراوح مكانه، والصنف الثالث أسوء حالا من الدول العربية غير النفطية. ونعرج وبعجالة على النموذج الثالث، ونُنمذج له بدولة اليمن، حيث تصنّف اليمن في كل المنظّمات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية، على أنها تحتل المراتب الأولى في كل الطامات والمآسي، بدأ بالفساد بكل أنواعه والذي انعكس تأثيره على مجمل مناحي الحياة في اليمن وخاصة الواقع الصحي المزري وقفا للمنظمات الدولية، رغم إمكانيات اليمن الاقتصادية الكبيرة جدا، وموقعها الجغرافي الإستراتيجي، وخليجها الذي تمخُر عبابه ناقلات النفط جيئة وذهابا. ويُتوقع لليمن بعد نجاح ثورتها، أن تلملم جراحها، وتعيد ترتيب أولوياتها وتباشر تحقيق تطلعات الشعب اليمني وطموحاته التي أجلت لأكثر من 30 سنة. أما النوع الأول فنُنمذج له بدولة قطر، وهي دولة خليجية صغيرة، حصلت على استقلالها عام 1971م، يبلغ تعداد سكانها نحو مليون وستمائة ألف نسمة، أغلبهم من الوافدين، وتضم أربع بلدايات، قال عنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إنها مجرد "خيمة ونخلتين"، وقال عنها السادات إنها " كشك في الخليج"، وهي الآن من أكبر الاقتصادات العربية، وأكثرها نموا، حيث بلغ معدل النمو خلال عام 2011م نحو 19.9% وقطر من أكبر المقرضين لعدد من الدول العربية حتى النفطية منها، خصوصا مصر التي يعتبر اقتصادها ثالث أكبر اقتصاد عربي بعد كل من المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة، ترجع أسباب قوة قطر الاقتصادية الى ثرواتها الطبيعية المتمثلة في النفط والغاز الطبيعي، حيث تنتج دولة قطر نحو مليون برميل من النفط يوميا، كما انها اكبر منتج للغاز الطبيعي المُسال في العالم، كما تتوفر قطر على ثروة معدنية تتمثل في الحديد، كما تمتلك قطر أكبر احتياطي مؤكد من الغاز على مستوى العالم والذي يمثل 14% من إجمالي الغاز العالمي، باالاضافة الى احتياطي نفط يبلغ 25.4 مليار برميل. تفطنت قطر الى انه من غير المجدي الاعتماد على الثروة النفطية والغازية، خصوصا بعد الهزات التي عرفها سوق النفط العالمي في العقود الماضية، وبسبب تحول العالم ولو بشكل بطيء نحو الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية والهوائية والمائية، والطاقة الاقتصادية المتمثلة في المفاعلات النووية. وتتمثل سياسة قطر الاقتصادية في عدم وضع كل البيض في سلة واحدة، وأنه يتوجب عليها تنويع مصادر الدخل، عن طريق الاستثمار في شتى المجالات، وفي هذا الاطار سعت دولة قطر الى توظيف مواردها المالية الضخمة في استصلاح الصحراء وتهيئتها للفلاحة، وكذا في الاستثمارات الفلاحية خارج البلاد، خصوصا في السودان ومصر، وقد لاقى هذا المشروع نجاحا كبيرا جدا، إذا استطاعت قطر تحقيق أمنها الغذائي خارج نطاقها الجغرافي، وإن كان هذا الأمن منقوصا بالمنظور ألاقتصادي بسبب التقلبات التي تعرفها العلاقات الدولية بشكل عام. مما دفع بها الى انشاء جهاز استثماري مكلف بالبحث واكتشاف الفرص الاستثمارية حول العالم، وتمتلك قطر صندوق ثروة سيادي يقدر بنحو 200 مليار دولار، وتستثمر قطر في كل أصقاع العالم، وتهيمن استثماراتها على العالم العربي خصوصا في دول الربيع العربي، في مجال التعمير والبناء والمواصلات والاتصال والإعلام والبنوك والفندقة، وتعتبر قطر من أكبر الدول الاستثمارية في الاتحاد الاوروبي خصوصا في فرنسا، التي تستحوذ على حوالي 10% من استثمارات قطر بالخارج، وتستحوذ قطر على معظم الفنادق الكبرى في فرنسا، وتستحوذ كذلك على نسب مهمة من الاسهم الفرنسية في الصناعات النفطية والشركات التحويلية والأبراج والمباني الضخمة والملاحة الجوية والخدمات الفندقية وصولا الى قطاع الرياضة حيث استحوذت قطر على أحد أكبر النوادي في فرنسا. تمثل قطر إذن نموذجا معقولا للعقلية الاقتصادية العربية الحديثة، إنها دولة لها مشروع وخطة عمل، وعلى نفس الدرب تسير كل من الامارات العربية المتحدة والكويت والعربية السعودية. أما فيما يخص النماذج العربية التي مازالت تراوح مكانها رغم كونها دولا نفطية، فنجد كلا من الجزائر وليبيا من مصر والسودان والأردن وسوريا و والعراق نستثني العراق كونه دولة عاشت تحت الحصار لعقدين من الزمن، والعراق الآن دولة تحت ألاحتلال محكومة من طرف عصابات ومهربين، وبالتالي فالأرقام الرسمية التي تقدم للإعلام، ليست محل ثقة، وليست معيارا في ألتصنيف، باستثناء ما تقدمه المنظمات العالمية، وكلها وبلا استثناء تصنّف العراق الحالي بأنه خارج مفهوم الدولة . في النماذج الباقية، نعتمد نموذج الجزائر لتحليل الواقع الاقتصادي لهذه الدول النفطية، التي كان من المفروض ألا تكون استثناء عن سابقاتها من الدول العربية النفطية، التي حققت طفرة اقتصادية مهمة. فالجزائر رغم كونها من أكبر دول افريقيا مساحة بحوالي 2 مليون و380 ألف كلم مربع، وتعداد سكان يبلغ حوالي 37 مليون نسمة، تبلغ نسبة الشباب فيهم حوالي 70%، كما تملك الجزائر ثروات معدنية وطاقية كثيرة أبرزها، الغاز الطبيعي باحتياطيّ يناهز 4.5 ترليون متر مكعب، واحتياطي نفط يبلغ حوالي 12.3 مليار برميل، بالإضافة الى كون الجزائر تحتل الرتبة الأولى عربيا وال11 عالميا من حيث احتياطي العملة الصعبة بقيمة تقدر ب 200 مليار دولار، ورغم كونها كذلك من أقل الدول مديونية في المنطقة، إذ لا يتعدى حجم ديونها الخارجية 2.4 % من حجم اقتصادها. رغم كل هذه الامكانيات الضخمة التي تتمتع بها الجزائر، وبعد أكثر من 50 سنة من الاستقلال، تعتبر الجزائر دولة غنية بشعب فقير، وحسب صندوق النقد الدولي، فإن حوالي 20% من الجزائرين يعانون من البطالة، وأكثر من 30 % من الشعب يعانون من الفقر، كما أن اقتصاد الجزائر لا يزال رهين قطاع الطاقة بحوالي 98%، وتكاد الجزائر لا تُصنّع أي شيء، وتعتمد الجزائر في مواردها المالية على البترول والغاز بنسبة 99%، وتستورد 80% من الغذاء، و90% من الدواء، وتستورد حوالي 95% من المواد المصنعة المختلفة، كما تعتبر الجزائر ثالث اكبر مستورد للقمح في العالم، كل هذا، كان نتيجة طبيعية لحجم الفساد الذي تعيشه الجزائر، فحسب منظمة النزاهة الدولية، خسرت الجزائر ما يعادل 30 مليار دولار خلال عشر سنوات فقط، منها 13 مليار دولار تم تهريبها خارج البلاد. وعودا على بدء، يرى الخبراء أن الجزائر لا ينقصها سوى الرؤية والإدارة السليمة، إن ما تحقق في الجزائر حتى الآن، أقل بكثير من الامكانيات الضخمة التي تتمتع بها البلاد، لقد أصبحت إقتصاديات الدول المتقدمة، تنبني على برنامج وأرقام مسبقة تعطي تكهنات مبدئية حول حجم المكاسب والأرباح وكذا الخسائر المحتملة عبر خطط اقتصادية محكمة، لقد استطاعت اليابان مثلا أن تطور مختبراتها العلمية عن طريق إصلاح المنظومة التعليمية وإعطاء الأولوية للبحث العلمي فتوصلت بذلك الى حلول غير متوقعة فيما يخص التموين الغذائي على اعتبار أن جغرافية اليابان غير صالحة في معظمها للزراعة وبالتالي تم تطوير أساليب مختبرية تتيح الزراعة بدون تربة مستفيدة من الثورة العلمية والمعلوماتية، كما أن الدول الصناعية الجديدة وكذا بعض دول الخليج أصبحت تخصص جزء مهما من ميزانيتها للبحث العلمي. إن المنظومة التعليمية هي النواة التي تنطلق منها كل محاولات التنمية الحقيقية، إذ تعتبر الجامعة اللبنة الاساس في أي خطة تنموية مستقبلية. إن تفشي الفساد في الدول العربية، خصوصا دول شمال إفريقيا، وبعض دول الخليج كاليمن، تسبب في شلل هذه الدول ودخولها في حالة موت سريري، ومهما يكن فإن بقاء هذه الدول العربية خارج دائرة التطور أمر معيب وغير مقبول، في ظل ما يشهده العالم من طفرة في كل الميادين والمجالات، خصوصا في مجال البحث العلمي، وهنا مربض الفرس، حيث تهتم الدول التي تحترم نفسها بمجال البحث العلمي، وترصد له أموالا طائلة، في حين تتنافس بعض الدول العربية في الفن والسينما، وتتسابق على تنظيم حفلات الرقص والغناء، وترصد لهذا العبث ميزانيات ضخمة ، بالإضافة الى إنشاء محطات تلفزية وفضائيات هابطة ترصد لها مبالغ كبيرة جدا. وأضحت الجامعات في الدول العربية، مجرد مؤسسة لتخريج الموظفين، في حين كان من المفروض أن تكون الجامعة مركز إشعاع علمي وأدبي وثقافي، يُنظّر ويخطط، ويرسم رؤيا، ويضع خطة مستقبلية لمفهوم الدولة الناجحة، وكيف يتم تجسيدها حقيقة لا تنظيرا فقط، ووفقا لإحصائيات اليونسكو أن مصر تخصص 0.4% من الإنفاق للبحث العلمي، والأردن تخصص حوالي 0.33%، في حين يخصص المغرب 0.2% فقط من الانفاق من إجمالي الناتج القومي، وفي إحصائية أخرى لنفس المنظمة تشير إلى أن الدول العربية مجتمعة خصصت ما يعادل 0.3% من الناتج القومي الاجمالي للبحث العلمي، في حين تخصص إسرائيل ما يعادل 4.7% من ناتجها القومي الإجمالي للبحث العلمي . أي ما يعادل 15 مرة من الانفاق العربي ككل، وبالتالي استطاعت اسرائيل أن تتفوق ليس فقط على الدول العربية مجتمعة، وإنما استطاعت كذلك أن تنافس وتسبق كثيرا من الدول الغنية وحتى المتقدمة منها، حيث تحتل الرتبة الثالثة في صناعة التكنولوجيا المتقدمة، وتحتل الرتبة الخامسة عشر في الأبحاث وبراءة الاختراع، وهي الأولى عالميا من حيث إنتاج البحوث العلمية، يحتاج عالمنا العربي الى خطوتين بسيطتين فقط، لتصبح دوله دولا ناجحة بكل المقاييس العالمية وهي: قطع يد الفساد، إصلاح المنظومة التعليمية، ورد الإعتبار للجامعة.