لا يمكن لملفه أن يمر مرور عاديا، دون أن تعلق تفاصيله بالأذهان.. أذهان من وصلتهم أصداؤه أما من عايشوا تفاصيله ومجريات وقائعه، فإن أحداثه ظلت راسخة في أذهانهم.. في هذا الركن استرجاع لجرائم شتى تستعيدها ذاكرة أمني من البيضاء عن مغتصب للمتزوجات بصيغة التعدد والمعاودة.. لم تمنعه العقوبة السجنية التي أدين بها عن الإقلاع عما كان يقترفه من جرائم في حق ضحاياه. أدين بخمسة عشر سنة. وكانت تهمته القتل العمد. لم يقض عقوبته كاملة، بعد أن غادر أسوار السجن بعد انقضاء ثمان سنوات فقط من العقوبة، لم تكن كافية لتعيد إليه توازنه الأخلاقي، وتهذب سلوكه الانحرافي. خرج من السجن ليعيد نشر الرعب في بعض أحياء مدينة الدارالبيضاء. كانت الجرائم لمغتصب النساء المتزوجات في غرف نومهن، تتم في صمت بعد أن يلج خلسة إلى مستقراتهن الحميمية، كما كانت أبحاث الشرطة القضائية تجري في سرية. ضحية أولى وقعت بين براثن الجاني في يوم رمضاني، جريمة قد تكون بدافع تصفية الحسابات أو للثأر، أو أن مرتكبها يعاني خللا نفسيا أو عقليا حتى.. لكن توالي جرائم الاغتصاب في حيز جغرافي لا يبتعده عنه كثيرا، دفع إلى تركيز الأبحاث والتحريات، لفك لغز هذه الجرائم التي لم تكن لتمر دون أن تثير حولها الكثير من القيل والقال، وتنسج حولها إشاعات تمتح من الخيال البشري، ولا تستند في الغالب للواقع. لكن حقيقتها التي كانت تكاد وحيدة أن هناك مجرما يقترف “غزواته” مازال حرا طليقا، كان يختار ضحاياه من بين المتزوجات والفتيات، ليوقع بهن في عقر بيوتهن، يشبع غرائز دفينة حملها معه من اعتداءات سابقة. اغتصاب أول قد يكون الاغتصاب الأول، وقد لا يكون كذلك، فالأمر يتعلق بجريمة تثير تحفظات مرتبطة بالتقاليد والأعراف، ودرجة تقبل أنها تقع تحت الإكراه والشجاعة في التبليغ عنها، إنما التبليغ عنها يتطلب شجاعة وخرقا للطابوهات السلبية الخفية، حتى يتم الاقتصاص من الفاعل. كان تاريخ ثامن رمضان، موعد أول جريمة يبلغ عنها لدى الشرطة القضائية، إذ سادت حالة من الذعر والهلع بعد توصل زوج الضحية الأولى بمكالمة هاتفية تطلب منه الانتقال على عجل إلى مسكنه، وهو عبارة عن فيلا بحي سيدي معروف، ليصل بعد دقائق، ويتبين له أن منزله كان عرضة لسرقة زهيدة، لكن الجريمة الأكبر أن زوجته تعرضت للاغتصاب. لم يتردد في الاتصال بالشرطة، مبلغا عن الجريمة. حضرت عناصر الشرطة، وباشرت أبحاثا انتهت إلى أن الجاني تسلق الحائط وتسلل إلى الفيلا ليلج إلى الداخل ويصل إلى المطبخ. كانت الخادمة أول ضحية يلقاها في طريقه أمرها بلزوم الصمت تحت تهديدات بطعنها بواسطة سكينه، ثم شرع أولا في تقبيلها وتلمسها قبل أن يطلب منها أن ترشده إلى المكان الذي توجد فيه النقود أو الحلي الذهبية، وبعد أن أكمل حديثه معها أدخلها المرحاض وأغلق عليها بابه، وتوجه إلى الطابق الأول حيث وجد زوجة صاحب الفيلا، هددها بسكينه وأمرها بالاستسلام ليغتصبها، حاولت المقاومة، لكنها لم تفلح، ليستولي على هاتفها المحمول ومبلغ مالي. حاولت الخادمة أن تستغيث وتطلب النجدة لعل عمال الورش المجاور يسمعونها، لكن محاولتها باءت بالفشل. انتهت تحريات الشرطة القضائية بعد استجماع الأوصاف الخاصة بالجاني، بعد أن نقلت الضحية إلى مصحة قصد العلاج، فيما رصدت عناصر الشرطة العلمية كل الآثار التي قد تساعد في تحديد هوية الجاني. جريمة ثانية أشعر رجال الأمن بجريمة ثانية، لم يكن مكان وقوعها بعيدا عن مسرح الجريمة الأول. كان المشتكي هذه المرة هو الزوج كذلك. وعند المعاينة تبين أن المسكن تعرض للاقتحام من قبل شخص، دخل أولا إلى المطبخ وهو يحمل سكينين كبيرين، وهدد الزوجة بهما ليسلبها هاتفا محمولا وسلسلة عنق ذهبية، كما هدد امرأتين كانتا معها في المنزل. ولم يتوقف عند ذلك بل عمد إلى السطو على حقيبة بها وثائق شخصية لزوجها وفر إلى وجهة غير معلومة. جريمة ثالثة ظلت الأبحاث متواصلة لإيقاف المتهم الذي بدا أنه يتردد على عدة نقط، إلى أن توصلت مصلحة الشرطة بمكالمة جديدة تخبر بوقوع جريمة مماثلة في حي النسيم إيسلان، فانتقلت عناصر الضابطة القضائية على وجه السرعة إلى العنوان حيث توجد الفيلا، وانتهت التحريات والأبحاث إلى أن الجاني اغتصب صاحبة الفيلا تحت التهديد والإكراه، وأنه كان يحمل سيفا أثناء مداهمته مسكنها، كما استولى على هاتفها المحمول وسلبها مبلغا ماليا. قام بتكبيل الخادمة واغتصبها هي الأخرى. توحدت الأبحاث وتبين أن الجاني الذي يرتكب أعماله المتسلسلة في حق المتزوجات وخادماتهن، شخص واحد. الوصول إلى الجاني كانت الأبحاث تشير إلى أن المعني بالأمر محترف في الجريمة، يتخذ الاحتياطات ويباغت في النهار، كما يدرس المكان جيدا حتى يعرف منافذه لكي لا يقع في الشرك. أما أبحاث الشرطة العلمية فقد استمرت ليتم تحديد هوية المعني بالأمر، وبعد ذلك تم وضع خطة محكمة ودراستها من جميع الجوانب. تحديد الرقعة الجغرافية التي يتحرك فيها المجرم كان بدوره عملا ساهم في إنجاح الخطة، إذ ضربت حراسة مشددة على الأماكن التي يتردد عليها، كما نصب كمين قرب محطة القطار ، ليسقط في يد الشرطة القضائية، ويلعن حظه التعيس الذي قاده إلى الاعتقال بسرعة لاسيما أنه لم يبرح سجن عكاشة إلا قبل أربعة أشهر.