هل يجب أن نكتفي بالانتشاء من الموافقة على تصفية صندوق معاشات البرلمانيين؟ أم نغتنم الفرصة لمزيد من الضغط في أفق القضاء على كل مظاهر الريع السياسي؟ كان المواطنون في أزمنة الرصاص يتهيبون من ممارسة السياسة، لأنهم يعتبرونها "صداع الراس" الذي قد يقود للسجون، فيما انقلبت الآية اليوم، وأصبحوا ينظرون للسياسيين باعتبارهم منتهزي فرص تتيحها المجالس والدواوين والمقاعد والحكومة من أجل التسلق الطبقي ومراكمة التعويضات والمكاسب. وللأسف فإن تهرب العديد من المنتخبين والمعينين كذلك من أسئلة التقاعد بعد فترة انتداب أو استوزار صغيرة، ومن أسئلة تعدد التعويضات في بلد بموارد ضعيفة، ومن أسئلة ظهور معالم ثراء مفاجئة لا تتناسب وما يتم تقاضيه مقابل تلك المهام بطريقة قانونية. إن التهرب من هذا النقاش يجعل المواطنين يضعون للأسف كافة المنتخبين والمستوزرين والمعينين في سلة واحدة، ولذلك يجب أن يكون المرء واضحا مع ذاته ومع المواطنين، وأن يعرب عن موقفه من الريع السياسي، ومن بعض الاختلالات القانونية التي تسمح بتعدد التعويضات او التهرب من المحاسبة، بكل الوضوح الذي يقتضيه النبل، بدل "تخراج العينين" ،ووصم المواطنين الذين أوصلوك لتلك المناصب ب "الشعبوية". لا معنى اليوم أن يستمر المواطنون في أداء تقاعد الوزراء، هؤلاء الوزراء الذين لا يؤدون سنتيما لأي صندوق تقاعد خاص بهم، وإذا كانت هناك حالات قليلة لوزراء سابقين وجدوا أنفسهم في وضعية صعبة، فيمكن التعامل معها كحالات فردية تستجوب حلولا فردية، لا اعتبارها معبرا لتعميم تقاعد مجز على سنوات استوزار قليلة، تقاعد لا معنى له، ويشكل استفزازا للمواطنين الذين يؤدى من ضرائبهم. لا معنى أن يتم الاستمرار في أداء تعويضات متعددة لشخص واحد، لأن حزبه قرر أن يعينه أو يرشحه لمناصب ومهام متعددة، وفي أغلب تلك الحالات تكون الانتدابات بسبب القرب من القيادة، فتعدد التعويضات لا يعتبر فقط ريعا سياسيا، بل كذلك يقتل إمكانيات تجديد وتشبيب النخب، لأن المناصب تظل تدور بين أفراد محدودين، تجدهم في البرلمان وفي رئاسة مجالس العمالات والمقاطعات والجهات، والمجالس الاستشارية وهيئات الرقابة، وهلم تعيينات،، بزاااااااف.. إنها اللهطة وكفى،، فليست أرحام نساء الوطن عاقرة على ألا تلد الكثير من هؤلاء السوبرمانات،، فالوطنية الصادقة والتدين غير المسيس يقتضيان البذل وليس الاستفادة من تعدد التعويضات. والأمر الأخير الذي يجب التعامل معه بصرامة وجدية، هو التفعيل الأمثل لقانون التصريح بالممتلكات، وجعله أكثر إجرائية بقانون يعاقب الإثراء غير المشروع، ولا يجب الاكتفاء بالتصريح بالممتلكات عند الأمانة العامة للحكومة، بل يجب نشر هذه التصاريح للعموم في إطار الشفافية والحق في المعلومة وحق المواطنين في محاسبة مدبري الشأن العام، وبعد الانتهاء من المهام تكون هناك محاسبة قانونية من طرف المجلس الأعلى للحسابات، ومحاسبة شعبية من طرف المواطنين عبر المقارنة بالممتلكات قبل المنصب وبعده. يجب الشروع في حملة وطنية من أجل تخليق المرفق العام، ويجب أن يكون السياسيون والمنتخبون في طليعتها، حتى يتبين من يمارسون السياسة بنبل، ومن يختبئون خلف الشعارات دينية كانت أم وطنية،، وسيكون المال العام والتقاعد غير المستحق والتعويضات المتعددة والمبالغ فيها والإثراء غير المشروع بمثابة الامتحان الحقيقي للجميع.. هو تحد نرفعه اليوم، فهل من مستجيب ممن نشترك معهم في الحكومة والمؤسسات والمجالس؟ فلنعط القدوة من ذواتنا، وكفى من الاختفاء خلف تبريرات واهية لشرعنة ريع تحت مبرر أنه قانوني،، فلنغير هذه القوانين ما دامت تسمح بهذا "المنكر".