تونس, 10-5-2020 - يرى محللون أن السلطة في الجزائر تستغل وباء كوفيد-19 لدفن الحراك مر ة واحدة وإلى الأبد، بعدما استمر أكثر عام، ومنع أي حراك ثان، بعد توقف الأو ل بسبب الفيروس. منذ بداية الأزمة الصحية ونهاية التظاهرات الأسبوعية، يتواصل القمع بحق معارضين وصحافيين ووسائل إعلام مستقلة ومدو نين شباب. توازيا، أثارت المصادقة المتسر عة لقانون ي جر م نشر الأخبار الكاذبة وقانون مكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت مخاوف من محاولة "تكميم" حرية التعبير. وانتقد الصحافي أكرم بلقايد في عموده بصحيفة "لو كوتيديان دوران" العودة إلى "نظام الحكم بقبضة حديدية، وهو نفس ما جرى خلال سنوات 1970 عندما فرض على كل الجزائريين أن يصمتوا وأن يسيروا في الطريق المستقيم". وأضاف "فاز الحراك في مباراة الذهاب، والسلطة بصدد الفوز في مباراة الإياب وهدفها +الحقيقي + هو منع مباراة الفصل، وبعبارة أخرى عودة المظاهرات عندما سيتم السيطرة على الوباء". وذهبت كريمة ديريش، المؤرخة المختصة في المنطقة المغاربية، في الاتجاه نفسه بالقول إن "هذا الوباء مبارك للنظام الحاكم الذي يستفيد من فرصة وقحة. كما أن فترة الحجر الصحي تفسح المجال لمضايقات الشرطة والقضاء". ولاحظت أن "هذا يفسر عشرات الاعتقالات لأشخاص معروفين وغير معروفين في جميع المدن الجزائرية". كما أن "الاعتقالات والأحكام تثبت مر ة أخرى أن القضاء يخضع كليا للسلطة التنفيذية". وتظاهر الأحد 100 شخص على الأقل في منطقة تيزي غنيف قرب تيزي وزو بشرق الجزائر، تنديدا باستدعاء الشرطة ناشطين من الحراك الذي أوقف تظاهراته بسبب انتشار كورونا. وهذه المسيرة تعد الأولى منذ فرض حجر صحي ومنع كل أشكال التظاهرات والتجمعات في البلاد منتصف مارس بهدف مواجهة الأزمة الصحية. وخلال 56 أسبوعا، هتف الحراك ضد الفساد والمحسوبية و"الدولة العسكرية"، مطالبا بتغيير "النظام" الحاكم منذ الاستقلال عام 1962، ولكن بدون نتيجة، وذلك على الرغم من تمكنه في البداية من إسقاط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد 20 سنة من الحكم. أما الشعار الأكثر انتشارا للحراك السلمي التعددي والذي لا يملك قيادة، فكان "ارحلوا جميعا !". لكن بالنسبة إلى الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون "لا يمكن بناء الديموقراطية الحقيقية إلا في إطار دولة قوية بقضائها وتناسقها الوطني". وبرر تبون إجراءات الرقابة على المواقع الإلكترونية المتهمة بخدمة "منظمات أجنبية"، بالدفاع عن "السيادة الوطنية". وفي مواجهة الرئيس والجيش "الذي لا يزال حاضرا أكثر من أي وقت مضى"، بحسب ديريش، فإن المعارضة السياسية ضعيفة ومنقسمة. وكتب مؤخ را الكاتب الجزائري كمال داود في صحيفة "لو تون" السويسرية "نجد أنفسنا في وضع يكتسب فيه النظام زخما، مدعوما بتوقف التظاهرات بسبب الجائحة، في غياب رؤية بديلة، مطمئنة وواضحة". وأشار إلى أنه "لا يوجد نظام واحد، ولكن هناك العديد من الأنظمة، من الواضح أن ها في منافسة داخلية، البعض يريد إصلاحات حقيقية، والبعض الآخر يريد صرامة أكثر في الرقابة". ومع ذلك، فإن السلطة أضعفت ليس بسبب الحراك والأزمة الصحية فحسب، لكن أيضا بسبب انخفاض أسعار المحروقات الذي يهدد بأزمة اقتصادية خطرة في الجزائر المعتمدة بشكل كبير على النفط. وقال منصور قديدر، الباحث في مركز البحوث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية في وهران، إن "الحكومة منشغلة بإعادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي وعودة المدارس، أكثر من انشغالها باستئناف الحراك". وأضاف "يعتزم الرئيس الجديد تنفيذ الإصلاحات الموعودة، من دستور جديد إلى فتح ورشات من أجل مؤسسية جديدة. وهو يطمح لبث روح جديدة في الاقتصاد وتثبيت مكانته في المجتمع. وهذه مهمة صعبة". وفي نظر مراقبين، فإن رغبة تبون الذي انتخب في ديسمبر بنسبة امتناع عن التصويت بلغت 60 بالمئة، في ترسيخ الحراك في ديباجة الدستور، تعني أنه على وشك توقيع شهادة وفاته. وبالنسبة إلى أسماء مشاكرة الباحثة في مجال الطب ، فإن السلطة "تستفيد من الطارئ الصحي والحجر، وهناك بالفعل رغبة في تفتيت الحراك. لكن النظام لا يفهم أن الحراك هو أولا وفوق كل شيء أفكار والأفكار لا تموت". وقالت هذه المناضلة من أجل الإفراج عن كريم طابو، أحد رموز الحراك، "ربما لن يرى جيلي التغيير، لكننا سنترك الأرض خصبة لازدهار جزائر جديدة".