يقف الحراك الجزائري الذي انطلق قبل سنة ضد نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مواجهة أسئلة حول استمراريته، بعد أن فشل في منع انتخاب رئيس محسوب على النظام في ديسمبر، وفي وقت يبدو أن هذا النظام استعاد زمام الأمور. ويدخل الحراك المتمحور حول عبارتين أساسيتين: "سلمية و"يتنحاو قع" (ليرحلوا جميعا) تختبئ وراءهما مجموعة آراء متباينة وشرخ حقيقي بين الإيديولوجيات، عامه الثاني مع تساؤلات عديدة سوف يضطر إلى الإجابة عنها وبسرعة. وترى المؤرخة المتخصصة في منطقة المغرب كريمة ديريش أن الحركة التي يقودها شباب "كل شيء يتم فيها بعفوية وبالاكتشاف والتجربة، وكذلك في ظل الاختلافات"، مضيفة: "لا بدّ من تعلم الإصغاء إلى الآخر، والتفاوض من أجل التوافق. لم نصل بعد إلى ذلك". وإن كان الحراك الشعبي نجح في دفع بوتفليقة الى الاستقالة العام الماضي، إلا أن الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها عبد المجيد تبون، رئيس الوزراء السابق في عهد بوتفليقة والذي يعد نتاجا خالصا ل"النظام"، دفن المطلب الرئيسي للحراك وهو نهاية النظام الحاكم منذ الاستقلال في عام 1962 والدخول في "مرحلة انتقالية" بمؤسسات جديدة. وتقول ديريش، مديرة الأبحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية بفرنسا "لم نصل بعد الى الانتقال السياسي، ما زلنا في مرحلة التفكير فيه". وتتابع: "نحن نشهد شيئا غريبا للغاية.. فبينما لا تزال التعبئة موجودة، يمكننا أن نرى أن هناك صعوبة حقيقية في الانتقال إلى شيء آخر" غير التظاهرات الأسبوعية. هل يجب على الحراك التفاوض مع رئيس قال إنه "يمد يده له؟". هل يجب أن ينتظم ويقوم بتعيين ممثلين عنه؟ هل يجب عليه التفكير في طرق العمل الأخرى؟. تردّ الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط داليا غانم بالتأكيد أن "هناك قرارات مهمة على الحراك أن يتخذها". وتضيف أن نشطاء الحراك متفقون فقط على الشعارين الأساسيين، ولكن "ليس على أساليب العمل، ولا على تحويل الحراك إلى مؤسسة. ليسوا متفقين أيضا على القيادة والقضايا التي يتعين معالجتها". وتوضح أن عدم وجود قيادة خدم الحراك كثيرا حتى الآن، بحسب قولها. "فنظرا لعدم وجود قادة لا يمكن سجنهم أو مضايقتهم أو استيعابهم" كما فعل النظام في السابق لإسكات المعارضة. في الوقت نفسه، فإن غياب شخصيات بارزة يعوق قدرة الحركة على التفاوض مع السلطة. وبسبب عدم وجود أحزاب معارضة حقيقية ونقابات وصحافة مستقلة في الجزائر، فإن "قوى المعارضة التي كان من الممكن أن تتولى القيادة" ليست موجودة أيضا، كما تشير كريمة ديريش. ويرى أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة باريس 1 بيار فيرمران المتخصص في شؤون المغرب العربي، أن "الخيار السلمي الوحيد" للحركة الاحتجاجية "هو إعادة بناء الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية من أجل التحضير للانتخابات المحلية والوطنية". بذلك، يكون هناك مسؤولون منتخبون قادرون على "نقل صوت الحراك في المؤسسات". لكنه يضيف أن "المشكلة تكمن في أنه، على الرغم من حبهم للسياسة، لدى الجزائريين ثقة محدودة للغاية في المؤسسات القائمة". مع ذلك، بدأت الحركة في تنظيم نفسها على المستوى المحلي. وتقول داليا غانم: "كل حركة اجتماعية هي بحكم طبيعتها ضحية لعامل الزمن ولا يمكن أن تستمر إلى الأبد". وتتساءل: "كيف تقنع الناس بالاستمرار في النزول إلى الشوارع كل يوم جمعة؟ علينا أن نفكر في ماذا بعد؟". لكن الجزائريين الذين عانوا لسنوات من العنف الدموي، يترددون في اتخاذ أشكال أخرى من العمل السياسي، مثل الإضراب العام أو العصيان المدني. وتقول ديريش إن الجزائريين "يفكرون مرتين قبل قرار المواجهة". ولا توافق المؤرخة على فرضية تقلص الحراك وتراجع المسيرات الأسبوعية، معتبرة أن "هذه الطريقة تسمح في اقتصاد الجهد". والمسيرات وسيلة "لتعلم السياسة، الشيء الذي كان محظورا حتى الآن وغائبا عن الفضاءات التقليدية، كالمدرسة أو الجامعة أو في الأحزاب". وتقول إن هناك "أشياء يتم تعلمها وتجربتها. ومن الواضح أن كل هذا سوف ينتج شيئا ما. لكن ماذا؟ كيف؟ متى؟ من الصعب القول". بالنسبة الى الصحافي والكاتب الجزائري أكرم بلقايد "من الضروري التفكير على المدى الطويل". "هناك مطالب، مطالب من الشعب يحملها الحراك ويذكرنا باستمرار أن لا شيء يسير على ما يرام. عاجلاً أم آجلاً، سيتعين على النظام أن يأخذ ذلك في الاعتبار". (أ ف ب)