لست أدري ان كان بامكان أطبائنا ومسؤولينا ان يخصصوا بعضا من وقتهم لمطالعة هذه الدراسات، والكتب التي تناولت تاريخ الاوبئة بالمغرب؟ نظرا لأهميتها القصوى في التعرف على ردود فعل المغاربة في زمن الاوبئة والعدوى. اولا كي يتعرفوا على انواع الامراض التي كانت تفتك بالمغاربة عبر التاريخ ومنها على سبيل المثال الجدري، الطاعون والسل... وغيرها من الاوبئة التي كانت تصيب المغاربة في مقتل. من ناحية أخرى فهذه الدراسات مفيدة لمطالعا وتمكنه من التعرف على كيفية مواجهة الاوبئة والامراض الفتاكة من طرف الحكام ومنها على سبيل المثال تخصيص حارات للجدامى في المدن والقرى الموبوءة للحد من انتشار الوباء وللحيلولة دون اكتساحه لكل أطراف البلاد والعباد. التاريخ يكتب صفحته كل يوم ولكي نفهم امتداد الظواهر الاجتماعية المختلفة بما فيها ذهنية مواجهة الاوبئة من طرف الشعوب لا مناص من العودة الى الدرس التاريخي الذي يعلمنا مثلا ان مرضى الجدام المغاربة قد عزولوا ذات فترة تاريخية من تاريخ المغرب في حارات خاصة بهم، وكانوا يسعفون بعضهم البعض ويضعون على جروح بعظهم ما تيسر من المستخلصات الموصوفة من قبل أطباء عصرهم. بل كانوا يعنون بعضهم بعضا على الاستحمام وقضاء حوائج أخرى. كما كما كان الحكم يتكلف بتوفير المأكل والمشرب اللزم لهم على امتداد فترة الحجر الصحي. هذه شدرات تاريخية تتبث ان عهد المغاربة بالاوبئة ليس بالأمر المستجد وان مقاومتهم لها كانت مقاومة الند للند؛ فلم يكن المغاربة يتعوذون من الاوبئة التي تحل بهم وتنهش اجسامهم بشراسة بل طورا العديد من الأساليب التي مكنتهم من مقاومتها والتغلب عليها رغم تقل فاتورة الارواح في بعض الاحيان. وفي هذا الاطار توجد العديد من النصوص التاريخية التي وصفت هول الاوبئة التي ضربت المغرب في بعض فتراته التاريخية وإخترت منها هذا النص الموفق جدا الذي كتبه التوفيق حين قال:"أجساد هدَها البلاء فأنحفها نحفا، لا سيما في أطرافها، ووجوه مشوهة ببقع بيضاء او حفر داكنة، ووجنات بشرتها منتفخة متهدلة قبل الأوان، وأنوف خربة يسيل رعاف أغشيتها، وأعين ذهب بريقها وتقشرت حواشيها وقل بصرها، وصدور تشكو من ضيق تنفسها وإختناق هوائها، وأرجل وايد يبدو أنها تقزمت عن أصلها، وأعصاب تبلدت الى ان فقدت الاحاسيس". نص دقيق جدا يصور فداحة ما فعل الجدام في أجساد المغاربة ذات زمن تاريخي مضى. وقاكم مولانا من كل مكروه ومن كل وباء هائج، وحفظ البلد من كل بلاء.