يحير المتتبع وهو ينتقل من سلوك الجزائر إلى تصريحات مسؤوليها، ويكتشف حجم التناقض بينهما، ولايعرف نتيجة لذلك كيف تدار مثل هذه البلاد؟ ولاكيف تتخذ القرارات فيها، إن كانت هي بالفعل من تقرر في سياساتها؟! لكن جزائر نظام تبون، التي لاتنظر إلى نحو تندوف، وترفض أن تستمع لأصوات الملايين من شعبها في الشوارع كل أسبوع، هي نفسها التي استدعت سفيرها من الكوت ديفوار، احتجاجا على إقامة قنصلية لبلاده في الصحراء المغربية، ثم يقول وزير خارجيتها:" نحن في الجزائر حريصون فيما يتعلق بعلاقتنا بالمغرب الشقيق على عدم صب الزيت على النار"!!! تصريح وزير الشؤون الخارجية الجزائري صبري بوقدوم، أمس السبت بالجزائر العاصمة، دفع بكل المتتبعين لضرب كف بكف، وهم يتساءلون عن هوية "المغرب الشقيق" هذا الذي يتحدث عنه الوزير، وهل هو الدولة المجاورة للجزائر من الجهة الغربية، أم دولة أخرى؟! حديث الوزير الجزائري كان واضحا ولايحتاج لتأويل، إذ أنه وخلال ندوة صحفية مشتركة مع الامين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط، قال في رده على سؤال حول التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المغربي اتجاه الجزائر:"نحن في الجزائر و كل السلطات نحرص دوما على ان لا نصب الزيت على النار خاصة فيما تعلق بعلاقاتنا مع المغرب الشقيق"!! وأمام تصريحات كهذه لايملك المرء إلا أن يتساءل عن طبيعة سلوك هذا النظام "الودي" تجاه المغرب، لدرجة عدم استعداده الانخراط في الرد على "التصريحات المستفزة" لبوريطة! هل يذكر الوزير أن رئيسه تبون لم يترك مناسبة إلا وردد العديد من الشعارات المعارضة للمغرب، ورفضه فتح الحدود مع البلد العدو الذي لن يصافحه إلا بعد أن يعلن فروض الطاعة والولاء؟! هل يتذكر الوزير أن رئيسه تبون طالب في مناسبات عديدة من المغرب أن يعتذر قبل طي صفحة الخلاف، وهو الذي لم يجرأ أن طلب ذلك من فرنسا التي احتلت بلاده لأكثر من 130 عاما وتسببت في قتل ملايين الجزائريين؟! وهل يتذكر الوزير أن نظام بلاده بنى عقيدته عالى العداء للمغرب، وأصبح يسبح ويمسي بإعلان هذا العداء، ولايترك نقيصة أو كارثة تحل به، إلا ونسبها للمغرب؟! وهل يتذكز الوزير أن نظام بلاده ظل يعاند حتى شعبه، الذي يرفض هذه السياسة العدائية ضد المغرب، وظل يعلن في مناسبات عديدة أن الشعبين المغربي والجزائري "خوا خوا"، وأنه يرفض الدخول في لعبة العداء المجاني هذه؟! ثم هل يتذكر الوزير أن العديد من الساسيين الجزائريين أنفسهم، صرحوا بمغربية الصحراء، حتى من قبل بعض الشخصيات المحسوبة على النظام، وكشفوا حقيقة أن النظام هناك أبعد مايكون عن إقتناعه بمايسوقه من دفاعه عن "حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير"، وأنها مجرد واجهة لسياسة قائمة على صنع "عدو" خارجي، لإلهاء الشعب عن مطالبه الحقيقية؟! وإذا كان السيد بوقدوم، مقتنع حقيقة بأن بلاده لاناقة لها ولاجمل في ملف الصحراء، وأنها لاتسعى لصب الزيت على النار، فكان أولى به وبها، أن يستجيب للعديد من الرسائل التي وجهها الملك في عديد من خطاباته، والتي مد فيها يد المغرب للمصالحة وطي صفحة الخلاف، والتي ظلت بدون رد، كاشفة عن حقيقة العقدة المستحكمة في ضمير النظام الجزائري. وخلاصة القول، أن الوزير الجزائري، عوض إطلاق تصريحات لن تقنع أحدا، وهو يردد بأن الحملات الإعلامية بالمغرب ضد الجزائر "مفبركة وليقولوا ما أرادوا"، لانطلب منه أن يستمع لنا ولمانقوله له، بل فقط نطلب منه أن يخرج من قصره للشارع المجاور له، ويستمع لشعبه فقط، وبعدها لكل حادث حديث.