"عندي كل ما بغيتي من الأخلاق ف حانوتي...الدنيئة منها والحسنة...جرب تشوف" بهذه العبارة تسترسل شخصية "بائع الأخلاق" في الحديث عن منتوجاته من الأخلاق المعبأة في قواورير، فتتناول الشخصية المُخاطبة "صالح" حبة من المنتوج مع جرعة ماء، وعندما يشهق يكون مفعول المنتوج قد بدأ يُؤتي أكله. فتدخل الشخصية إذ ذاك في مجموعة من المواقف التي تختلف باختلاف "المنتوج الأخلاقي" ليجترح بدهاء الضمير الأخلاقي للمجتمع. برؤية إخراجية تمتح من ثنائية ضدية تزاوج بين "الواقعي" و"الغرائبي"، "السرعة" و"البطء"، "الهدوء" وا"لتوتر" يقدم المخرج عبد العزيز البوزاوي توليفته الفنية لإماطة اللثام عن مختلف التناقضات القيمية والأخلاقية من خلال تقلبات مواقف الشخصية الرئيسية، المستفزة أحيانا لذكاء المتلقي والمضمرة في الآن ذاته لمواقف كوميدية تخفف من صرامة الخطاب تارة أخرى، ثم إشراك (المتلقي) في أحداث المسرحية من خلال تقنية "الجدار الرابع". تتمحور فصول المسرحية حول شخصية صالح الذي يعيش حياة هادئة بين بيته وعمله كقيم على الخزانة البلدية لمدينته، يقاوم بهدوء مشروع تحويل الخزانة إلى قاعة أفراح، غير أن محاولاته تنهار أمام سلطة وجشع المسؤولين عن الخزانة، في غمرة شعوره بالحزن والأسف على ما ستؤول ليه الخزانة التي قضى فيها زمنا من حياته يخرج عليه رجل من "كتاب الأخلاق". فتتداخل في ذهن "صالح" الحقيقة بالخيال والهلوسة بالواقع، وينتهي بقبول التجربة ويشتري من بائع الأخلاق الشجاعة، ظنا منه أنها ستساعده في مواجهة من يخططون لتحويل مكان عمله إلى قاعة أفراح، فتوقعه الشجاعة في مشاكل لا حصر لها ثم يعود بعد أن تأكد من حقيقة وجود البائع ليطلب منه حلا، فيقترح عليه بائع الأخلاق بعضا من المروءة لتسقطه هي الأخرى في مواقف حرجة، يتأكد من أن الحل هو جرعة من النفاق لمحو ما آل إليه وليعود إلى طبعه الأصلي، فيكتشف أن النفاق نفذ من عند البائع وأن السلطات قامت بإفراغه في منابع المياه ليتقاسمه كل الناس. تتواصل أحداث المسرحية فينتهي بإقناع البائع بتذويب ما تبقى عنده من المروءة والشهامة والصراحة وكل الأخلاق الحميدة التي لا يرغب أحد في شرائها لما تجره من ويلات، يقنعه بتذويبها في منابع المياه ليأخذ كل نصيبه منها، فينتج عن التجربة ارتباك واختلال في حياة الناس وعلاقاتهم... مسرحية "جرب تشوف" التي تم إعادة عرضها مساء يوم السبت 27 دجنبر 2019 بقاعة مؤسسة العراقي 2 مراكش بدعم من وزارة الثقافة والشباب والرياضة وبتعاون مع مؤسسة العراقي وناديها التضامني، هي مسرحية مقتبسة من العمل الروائي "أرض النفاق" للكاتب يوسف السباعي، قام بإعادة مسرحتها لفرقة إبداع دراما الأستاذ بوبكر فهمي، تشخيص عبد العزيز البوزاوي، سالم دا بلا، نادية فردوس، عبد الرحيم ريضا، سينوغرافيا وملابس الحسين الهوفي، ألحان وغناء عبد العزيز باعلي، والإنارة لعبد الكريم والعياض. تأسست ورشة إبداع دراما سنة 1990، وساهمت منذ هذا التاريخ في إغناء الساحة الفنية بمجموعة من الأعمال المسرحية الجادة التي تنهل من راهنية الواقع المعيشي والتراث الانساني، وفي هذا السياق أبدعت رزنامة من الأعمال المسرحية: "اللعب فيه ؤفيه"، "تحفة الكوارث، لحماق بعقلو، التبوريدة، السويرتي، تخريفة هرما، البسايطية، سلطان الطلبة، شكون؟، المحطة 21، ضريبة العقل، كودوجا، لفراجة فلبساط، عبيدات الرمى، قراقوش، المتشائل..وأعمال مسرحية أخرى بصمت على التناول الجاد، مستأثرة باهتمام وتتبع واسع لدى الجمهور المغربي والباحثين والمهتمين بالشأن المسرحي.