عرفت مكاتب ما يسمى ب«اللجان الشعبية» لمؤتمر جبهة البوليساريو، المزمع عقده الشهر القادم، عزوفا سواء من حيث التسجيل أو من حيث الترشح. صدود الصحراويين عن هذه العملية يمكن تفسيره بمعطيين هما: أولا بلوغ قيادة الجبهة الباب السدود، وثانيا: الوضعية المزرية التي يعيشها سكان مخيمات تيندوف. قيادة جبهة البوليساريو لم يعد لها ما تقدمه من وعود بعدما تبين للصحراويين بأن هذه الأخيرة لا تملك ما تقدمه وأنها مجرد أداة في يد المخابرات والجيش الجزائريين. سكان مخيمات تيندوف، الذين يوجدون في وضعية احتجاز، لم يعد هناك أي خطاب يمكن أن يخفف عنهم ما يعيشونه يوميا من فقر وتهميش وقهر واستعباد تحت مسميات عدة منها الوعد بجنة الفردوس في دولة مستقلة في المنطقة. لقد تبين للجميع أن شعار الاستقلال هو وهم لا يمكن أن يتحقق وأن ما سوقته لهم الجبهة ومن يوجد خلفها ليس سوى سراب لا غير. الأنكى من هذا اكتشاف الصحراويين لحقيقة مرة تتمثل في كون الذين يقولون إنهم سيقودونهم نحو استقلال ينعمون فيه بالرفاه، ليسوا سوى أدوات تشارك في المتاجرة ببؤسهم وتغتني على حسابهم. الصحراويون في مخيمات تيندوف لم يكتفوا بالعيش في ضنك وبؤس، بل ينضاف إلى ذلك التضييق الذي يمارس عليهم يوميا في كل تحركاتهم، وكل من تبرم يجد تهمة التخابر مع العدو والخيانة جاهزة يتم حبسه بها وتعذيبه أو تصفيته جسديا. هذا وصف موجز ومختزل للوضعية المزرية التي يعيش تحت وطأتها سكان مخيمات تيندوف. أما الباب المسدود الذي بلغته قيادة جبهة البوليساريو فيفضحه بيان الجبهة عقب صدور القرار الأممي الأخير، حيث جاء في هذا البيان ما يلي: «إن عملية الأممالمتحدة في الصحراء وصلت إلى منعطف خطير ولم يعد أمام جبهة البوليساريو أي خيار سوى إعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام برمتها». من خلال هذه الفقرة يتبين المأزق، الذي تجد فيه جبهة البوليساريو نفسها بعدما اكتشف المنتظم الدولي كذبة الجمهورية الصحراوية، وفطن المنتظم الدولي إلى أن أطروحة الانفصال هي ضرب من الخيال لا يمكن القبول بها في منطقة لا تقبل اللعب بالنار في مصيرها. لقد أكد المقرر الأخير لمجلس الأمن أن حل قضية الصحراء يقتضي حلا عادلا واقعيا يرضي كافة الأطراف. معنى هذا الكلام استبعاد للاستفتاء في الصحراء واستبعاد لأطروحة الاستقلال. ويبقى مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب هو الصائب. هذا المقترح الذي وصفه المنتظم الدولي بالجدي والواقعي وذي المصداقية. ونلاحظ هنا تطابق المفردات بين وصف مقترح الحكم الذاتي وما يحث عليه مجلس الأمن من حل. طبعا قد يقول قائل إن بيان جبهة البوليساريو موجه لسكان تيندوف ولا معنى له في الخارج شأنه شأن بيان الجبهة عقب أزمة الكركرات. غير أن الشروط هنا تغيرت بالنظر إلى ما تعرفه الجزائر من أحداث، وأيضا بالنظر إلى التطورات التي تعرفها المنطقة برمتها. جبهة البوليساريو، التي تحاول أن تمكن لقياداتها القديمة، سوف تحاول أن تلتف على كل ما يواجهها من عراقيل. لكن سكان تيندوف هذه المرة عاقدون العزم على توقيف المهزلة وإن كان الأمر بدون استراتيجية واضحة. ونلمس ذلك من خلال النقاشات التي تدور في مجموعات الواتساب للصحراويين الذين يجمعون على فساد القيادة، لكن بعضهم لم يفهم أن الأمر يتعلق بفساد الأطروحة من الأصل. لكن الذين يعيشون في الأقاليم الجنوبية، وهم الأغلبية، يلمسون الفرق وشساعته.