قال محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، إن تأسيس المحكمة الجنائية الدولية كان "تتويجاً لجهودٍ متعاقبة للمجتمع الدولي، من أجل وضع نظامٍ قضائي فعال لمحاكمة أكثر الجرائم بشاعة بالنسبة للإنسانية". الوكيل العام لمحكمة النقض الذي كان يتحدث خلال الندوة التحسيسية حول المحكمة الجنائية قال إن "الدعوة إلى تحقيق هذا الحلم انطلقت منذ سنة 1872، حين نادى جوستاف مويني Gustave Moynier، أحد مؤسسي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بإنشاء محكمة دائمة لردع جرائم الحرب الفرنسية-البروسية". مشيرا الى أن "الدعوة تجددت في بداية القرن العشرين حينما فكَّر محررو معاهدة فيرساي سنة 1919، في إنشاء محكمة لمحاكمة القيصر ومجرمي الحرب العالمية الأولى من الألمان وحلفائهم المنهزمين في الحرب". وأشار محمد عبد النباوي إلى أن "الحروب المستمرة التي عاشتها أروبا خلال القرن التاسع عشر، كانت مبعثاً للتفكير في إسهام العدالة الدولية في نزع فتيل إشعال الحروب، أو على الأقل في التقليص من وحشية معاملة المدنيين وأسرى الحرب خلالها". كما اعتبر رئيس النيابة العامة أن "الحربين العالميتين اللتين كانت أروبا، كذلك، هي منطلقهما خلال القرن العشرين"، أظهرتا "مدى الحاجة إلى قضاء دولي قادر على كبح جماح المستهترين بالمبادئ السامية لحماية حقوق الإنسان، نظراً لكون فاتورة هاتين الحربين كانت مكلفة للإنسانية. حيث أودت الحرب الكونية الأولى ب16 مليون قتيل و20 مليون مصاب. وأما الحرب العالمية الثانية فقد عصفت بأرواح أكثر من 60 مليون قتيل. وهو ما كان يمثل 2.5% من سكان العالم آنذاك". وقد أكد الوكيل العام لدى محكمة النقض خلال الندوة ذاتها أن "هذه الحرب أفضت إلى إنشاء محكمة نورنبورغ ومحكمة طوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب من دول المحور". وهما "محكمتان مؤقتتان كانت مهمتهما محددة في الزمان والمكان، انتهت بانتهاء محاكمات المتورطين في جرائم الحرب المرتكبة خلال الحرب العالمية الثانية بين 1939 و1945". مشيرا إلى أن "جهود المجتمع الدولي في اتجاه تجسيد نظام دائم للعدالة الجنائية الدولية"، أثمرت "اعتماد اتفاقية وقاية ومنع جرائم الإبادة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 واتفاقيات جنيف الأربع سنة 1949". وأضاف عبد النباوي خلال اللقاء ذاته أن "الجهود المبذولة بين 1949 و1954 لإعداد مشروع محكمة جنائية دولية باءت بالفشل بسبب الحرب الباردة واختلاف الدول العظمى في تحديد مفهوم جريمة العدوان"، معتبرا أن "انتهاء الحرب الباردة سنة 1989، وتدخلات الأممالمتحدة للحفاظ عن السلم في عدة مناطق بالعالم واضطرارها إلى إنشاء محكمتين جنائيتين مؤقتتين لمحاكمة مجرمي الحرب والنزاعات المسلحة في "يوغوسلافيا" السابقة ورواندا سنتي 1993 و1994، كان لها الفضلٌ في إحياء الفكرة، التي أفضَت إلى تأسيس المحكمة الجنائية الدولية الدائمة".