الرباط /27 ماي 2019 /ومع/ منذ بضع سنوات، أصبح القسم بالنسبة لعدد متزايد من الأطفال مرتبطا بالأب و/أو الأم. فالتعليم المنزلي أصبح يحظى باهتمام عدد متنام من الآباء، الذين أصبح التعليم بالنسبة لهم شأنا أسريا. وإذا كان "التعليم المنزلي" قد ظهر في أمريكا، حيث يعتمده حاليا أزيد من مليوني تلميذ، منذ سنوات الثمانينات، فقد أصبح الخيار المفضل لعدد من الأسر المغربية. يعد التعليم المنزلي أحد الأساليب الجديدة "البديلة" التي يتم اقتراحها ك"حلول" لمواجهة مختلف مشاكل النظام التعليمي التقليدي العمومي أو الخاص. ففكرة التعليم المنزلي بسيطة، وتتمثل في تمكين الطفل من دراسة برنامج تعليمي رسمي ، حسب وتيرته وبالمنزل، بتأطير من والديه و/أو أشخاص آخرين. غيثة، أم لطفل يبلغ من العمر تسع سنوات ، قررت الإشراف على تعليم ابنها. توضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، "لقد قمت بهذا الاختيار لمنح ابني تعليما يحترم إيقاعه كطفل، خاصة قدرته على التعلم ، وكذا أوقات نومه، وحرصا على تخصيص الوقت الكافي له للعب والاستكشاف". وأضافت "في البداية، لم أفكر أبدا في هذا الحل البديل. لقد كنت متخوفة من الأمر ولم أكن أعتقد أنني قادرة على القيام بذلك، لكنني لم أتحمل الضغط الممارس على طفلي كل صباح، منذ سن مبكر ، من أجل الذهاب إلى المدرسة". من جانبه، يؤكد سعيد، رئيس مقاولة بالدار البيضاء، أن التعليم المنزلي كان هو الحل لضمان تعليم ذي جودة عالية لابنته البالغة من العمر عشر سنوات، بسبب رحلاته المهنية المتكررة بالمغرب والخارج، مشيرا إلى أن الإكراه الجغرافي كان السبب وراء قراره الذي يبدو صائبا بالنسبة له. التعليم المنزلي : المهارات أكثر من المعرفة تقول زوجة سعيد "لقد تبين لنا أن الطفل يتعلم أكثر مما يقوم به، مما يلعب به، من التجارب، بشكل أكبر مما يسمع ويقرأ"، مسجلة أنه إضافة إلى الإكراه المرتبط بعمل زوجها، فقد كانت تسعى أيضا إلى تلقين صغيرتها المهارات أكثر من المعرفة. وبالنسبة لهشام شلبي ، المدير المؤسس ل(كوتشينغ سكولير المغرب)، فإن "التعليم المنزلي هو مشروع شجاع وطموح يمكن أن يمثل أسلوبا تعليميا غنيا ومهما بالنسبة للطفل إذا تمت عملية التدريس بإتقان مع الأخذ بعين الاعتبار عددا من الاحتياطات قبل اعتماده". ويرى أن العديد من الأسر بدأت تهتم بهذه المنهجية الجديدة في التعليم التي تتيح إمكانية الولوج لتعليم ذي جودة. فمثلا، لمتابعة برنامج "البعثة الفرنسية" بتكاليف أقل، تستطيع الأسر اختيار التكوين عن بعد مع المركز الوطني للتعليم عن بعد المعترف به من طرف دولة فرنسا، مع تأمين تعليم بالبيت لأبنائهم بالموازاة مع ذلك. فمن أجل تلقي تعليم بالمستوى الإعدادي، على سبيل المثال، يؤدى مبلغ يقل عن 500 أورو، مقابل حوالي 50 ألف درهم كواجبات للتسجيل في البعثة الفرنسية بالمغرب. تعليم ملائم لكل طفل على حدة يوضح المسؤول البيداغوجي، هشام شلبي، أن هذا الإقبال يمكن تفسيره بعدة عوامل ذات طابع تربوي. ففي الواقع، يمكن "التعليم المنزلي" من تشخيص التعلم، حيث تتم ملاءمة المحتوى البيداغوجي مع إيقاع الطفل، وقدراته وخاصة رغباته وما يفضله، فبإمكان الطفل اختيار دراسة التاريخ أو الرسم قبل المرور إلى تمارين الحساب الذهني، الأمر الذي لا تسمح به بالطبع المدرسة، التي تعتمد استعمال زمان محددا مسبقا يتم احترامه من طرف الجميع. كما تتسع أماكن التعلم لتتجاوز أسوار المدرسة، ف"المدرسون المنزليون" بإمكانهم استغلال العديد من الأماكن للتعلم من خلال الاستفادة من الخرجات إلى المتاحف والمسارح والحدائق والمهرجانات والمعارض والرحلات السياحية، حيث يشكل كل مكان فرصة لاكتشاف، بشكل ملموس، الأشياء والمفاهيم والثقافات المختلفة. ويعاني الطفل "غير المتمدرس" من درجة أقل من الضغط والإجهاد. بالتأكيد سيكون ملزما باجتياز الامتحانات إن أراد الحصول على دبلومه، غير أنه سيتعرض لضغوطات أقل بسبب غياب المنافسة مع أقرانه، الشيء الذي سيسمح له بالتعلم جيدا وبتطوير رغبته في التعلم وحماسه. غياب البيداغوجيا والتنشئة الاجتماعية، عاملا خطورة بالنسبة للطفل بطبيعة الحال، ليس كل ما يلمع ذهبا! فمنتقدو هذا النموذج التعليمي البديل، يرون فيه عيوبا كثيرة، من بينها غياب الكفاءة البيداغوجية لدى الآباء والافتقار إلى وسائل التنشئة الاجتماعية. فالطفل الذي لا يتلقى تعليمه في المدرسة، لا يمكنه أن يتمتع بحياة اجتماعية "طبيعية"، مما يفرض مضاعفة وتنويع اللقاءات والأنشطة لتطوير قدرة الطفل على نسج علاقات اجتماعية. ويحذر السيد شلبي من كون التعليم المنزلي يحرم الطفل أيضا من اكتساب خبرة في كيفية التعامل مع الآخر، "من المؤكد أن المنافسة بين التلاميذ تزيد من الضغط على الأطفال إلا أنها تسهم في نضجهم وتهييئهم لمرحلة البلوغ". وللتغلب على أوجه القصور هذه، "يجب على الأسر التي تقرر أن تأخذ على عاتقها تعليم أطفالها في المنزل، أن تكون منتبهة كفاية ومنظمة في تأطير الأطفال والإشراف عليهم". ويخلص السيد شلبي إلى أنه يجب على الأسر توضيح ومشاركة رؤيتهم الشاملة بشأن هذا المشروع التعليمي، ووضع برنامج واضح ومنظم جيدا لوقت الدراسة، وأن يظلوا دوما مرنين ومراعين لاحتياجات طفلهم. كما يتعين على أولياء أمور هؤلاء الأطفال تطوير كفاءاتهم التربوية من خلال اتباع دورات تدريبية محددة، وإحاطة أنفسهم بأسر أخرى تعتمد نفس الطريقة، من أجل مناقشة الأساليب والأدوات وكذلك الصعوبات التي يمكن مواجهتها، وأن لا يترددوا في طلب المساعدة من المهنيين إذا لزم الأمر. "التعليم المنزلي" لا يعني انقطاعا عن الدراسة قد يعتبر البعض المدرسة "انتقائية بشكل كبير" و "مملة" أو "متساهلة جدا". وعندما تصبح انتظارات الآباء متفردة ومميزة، لا يمكن للمؤسسة، العمومية بطبعها، أن تستجيب لكل هاته الانتظارات. الأمر الذي يدفع بعض الأولياء إلى اختيار التعليم المنزلي الذي لا يخضع للمخطط التعليمي الموحد". لكن، هل فعلا لا يوجد في المنزل مخطط؟ بالنسبة لأوليفيي موليني، الباحث في مجال "تحليل مهنة التدريس"، هناك نموذجان من التعليم المنزلي: "النموذج المحافظ"، حيث تهتم ربة المنزل بتعليم أطفالها بالاعتماد على الكتب وتشرف على تلقينهم. و"النموذج التقدمي" حيث يتناوب الأب والأم على مواكبة تعليم أبنائهم من خلال الألعاب والمحادثات والنزهات والأنشطة الثقافية الأخرى التي توفر التعليم الرسمي. وتميز اللغة الإنجليزية بوضوح بين هذين النموذجين، وذلك من خلال كلمة "homeschooling" التي تعني "التعليم المنزلي" و "unschooling" التي تعني "عدم التمدرس". وهما معا نموذجان تعليميان تقدميان جديدان، بدءا يخرجان إلى أرض الواقع لتقديم تعليم أفضل للأطفال، الأمر الذي يدعو إلى التفكير في مكانة المدرسة، التي أصبحت في السنوات الأخيرة، وفي جميع أنحاء العالم، محط انتقاد، خصوصا ما يتعلق بطقوسها وإيقاعها التربوي الكلاسيكي الذي لم يعد يتماشى مع تطلعات فئة حديثة من الآباء.