عائشة العلوي، أستاذة باحثة في الاقتصاد، رئيسة فريق البحث "الاقتصاد التضامني والعدالة الاجتماعية"، وفاعلة مدنية، عضوة الهيئة التأسيسية لحركة قادمون وقادرون -مغرب المستقبل، تكشف في هذا الحوار وضعية المرأة في المغرب. ماذا يمثل لك اليوم العالمي للمرأة 8 مارس؟ ** للإجابة على هذا السؤال لابد من استحضار ماهية يوم 8 مارس، وماذا يجب أن يمثل للمرأة. يوم 8 مارس هو يوم يؤرخ لصرخة النساء ضد الاضطهاد والاستبعاد. إنه يوم يعبر عن المرأة المناضلة التي طالبت بتحسين ظروف عملها وحقها في التصويت. ومن المهم التذكير بمن كان له السبق في طرحه هذا يوم لتخليده؛ حيث تم اقتراحه لأول مرة في عام 1910، في المؤتمر الدولي للنساء الاشتراكيات، من قبل كلارا زيتكين (Clara Zetkin). ومع إضراب العمال في سانت بطرسبرغ، أصبح تخليد 8 مارس تقليد ورمز لنضال من أجل قيم العدالة والكرامة الانسانية، وذلك منذ علم 1917. وانطلاقا من عام 1945، أصبح اليوم العالمي للمرأة تقليدًا حول العالم. لذا فيوم 8 مارس هو يوم جد متميز لأن علينا استحضار الحصيلة المنجزة في مجال المساواة والانصاف. بالنسبة لي، إنه يوم لتقييم وضعية حقوق النساء في المغرب حتى يتمكن كل المدافعين والمدافعات عن حقوق النساء من تصحيح الخطوات أو وضع أخرى من أجل تحقيق المساواة كاملة وملائمة لكل النساء والفتيات بدون تمييز أو حيف أو إقصاء. في ظل التغيرات التي يشهدها مجتمعنا اليوم، كيف ترين وضعية المرأة؟ **سؤالك هذا يتطلب استحضار الواقع العام الخارجي للمغرب، فلا يمكن الحديث عن وضعية المرأة دون نظرة شمولية عامة عن التقدم أو التعثر الذي يشهده المحيط العام الذي تعيش فيه المرأة، سواء الوطني أو الدولي. فالمتغيرات التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا المتسمة بالتوترات الاجتماعية والحروب متعددة الأوجه خاصة المغلفة بالصبغة الدينية، يجعل المرأة في أوضاع أكثر هشاشة ومتخلفة عن ما يمكن الوصول إليه في ظل ثورة صناعية حديثة. بل إن قضية المرأة في هذه البلدان (مع بعض الاستثناءات) تصبح ضمن أجندات ومزايدات سياسية، ويتم استغلال النساء والفتيات بطرق لاإنسانية ويعمق من واقعها المتسم بالهشاشة الاجتماعية والاقتصادية. لذا، فبدل التقدم في معالجة التعثرات التي تعرفها قضايا النساء، نلاحظ أن هناك تراجع خطير في تحقيق المساواة الكاملة والشاملة. كما أن ابتلاء خاصة دول شمال إفريقيا بالتطرف الديني وتزايد القنوات الناقلة لهذا الفكر العدائي لكل القيم الانسانية النبيلة والمحترمة لمبادئ حقوق الانسان، يجعل وضعية المرأة منكمشة ومهددة بمزيد من التمييز والعنف. أمام هذه الوضعية العامة المحيطة بالمغرب، ومع الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لبلدنا المتسمة بالتأزم المستمر التي ترجع بالأساس للسياسات الحكومية للسنوات العشر الأخيرة، فإن الوضعية العامة للمرأة المغربية تعرف تعثرات خطيرة، بل تراجعات في عدة مجالات وذلك رغم المكتسبات التاريخية المهمة والقفزة النوعية التي حققتها بفضل نضالات الحركات النسائية والأحزاب الديموقراطية. هناك قليل من التحسن في وضعيتها حسب بعض المؤشرات الإيجابية، لكنها تبقى جزئية ودون المستوى المطلوب. ولا يجب أن ننسى أن هذه التغيرات التي يشهدها المجتمع المغربي يختلف مدى تأثيرها حسب وضعية المرأة الاجتماعية والاقتصادية وأيضا المجالية. فوضعية المرأة في المدينة، أو العاملة، أو الموظفة، أو المزارعة، أو القروية أو الصحراوية أو الجبلية (من ساكنة الجبل)، أو غيرها، أوضاعها غير متشابهة. فما ذكرته سابقا هو المشترك بينهن، لكن يزيد استعبادها وظلمها وقهرها حسب انتمائها الاقتصادي والاجتماعي ومنطقة عيشها. إن التفاوت المجالي يزيد من معاناة المرأة ويحرمها من مجموعة من الحقوق، حتى إن لم تكن هناك معيقات قانونية أو إدارية، فإن المعيق الحقيقي أمامها يكون هو افتقار المجال للبنيات الأساسية لتوفير العيش الكريم (الماء، الصحة، التعليم، السكن اللائق،...). هذه الصورة المتغيرة لوضعية المرأة حسب انتمائها المجالي ومكناتها الاجتماعية، يوضح بالملموس أن الصورة الدونية والنمطية للمرأة ترتبط بتمكينها الاقتصادي والاجتماعي والرفع من مستواها التعليمي والثقافي. في نظركم، ما التحديات والإكراهات التي تعوق تحسين أداء المرأة داخل المجتمع؟ **حتى لا أكرر ما قلته سابقا عن الأوضاع العامة للمغرب التي تعيق تحسين أداء المرأة داخل المجتمع، فإن من بين التحديات التي تواجها هي نظرتها لنفسها، أي كفى ترى المرأة نفسها؟ وهذا غير معزول عن الإكراهات الكبرى المتعلقة بالموروث الثقافي والنظرة المجتمعية والتشريعات والقوانين. فالتحدي الأكبر هو تمكين المرأة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا كخطوات مبدئية حتى تتمكن من أن تطالب بحقوقها وتعي حجم دورها في المجتمع. إلى جانب هذا، فالرجل له دور مكمل وأساسي لتحسين أداءها. فليس هناك أي صراع أو حرب مواقع بينهما، التحدي الحقيقي إذن لمواجهة هذه الاكراهات هو المضي قدما على أسس المساواة والعدالة والإنصاف. ما رأيك في المستجدات القانونية بخصوص موضوع المرأة؟ وما مدى فاعليتها في الواقع؟ **ومع أن المغرب كان جريئا في مصادقته على العديد من التوصيات والاتفاقيات العالمية، إلا أنه لم يتم تفعيل كل البنود على أرض الواقع. فالمستجدات على مستوى القوانين والإصلاحات التشريعية التي من المفروض والمنتظر أن تدعم الحماية القانونية للنساء والمتعلقة مثلا بقانون 103- 13 لمحاربة العنف ضد النساء، لا تشمل مقتضياته الحماية الكاملة لهن ، نظرا لعدم احترامه للمعايير الدولية لقوانين محاربة العنف. كما أن هناك عدة عراقيل وصعوبات تواجها مأسسة المساواة في السياسات العمومية على مستوى التتبع والتقييم، وكذا ليس هناك تفعيل تنظيمي ل"هيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز" رغم صدور القانون (رقم 79.14). بالإضافة إلى محدودية بعض مقتضيات مدونة الأسرة في ما يخص بالأساس الحد من زواج القاصرات والمساواة في تربية الأبناء وموضوع الكد والسعاية. يجعلني أطرح بأن هناك عراقيل قانونية وتشريعية لازالت تحد من استفادة النساء من حقوقهن المدنية وأيضا من بلوغهن للمناصفة السياسية. بشكل عام، هناك تعثر واضح لتوفير شروط نجاح المساواة الكاملة في المغرب. في نظركم، هل اليوم العالمي للمرأة يشكل التفاتة كافية لوضعية المرأة داخل المجتمع المغربي؟ ** أكيد أن يوم 8 مارس كيوم واحد في السنة ليس كافيا للتعريف بمختلف قضايا النساء والاحتجاج على أوضاعهن، بل إنه يوم للنقاش العمومي من أجل الوعي وتكثيف الجهود والتعبية لضرورة الاستمرار لتحقيق كافة الحقوق، والحد من كل مظاهر التهميش الاجتماعي والسياسي، والبؤس والاضطهاد الاقتصادي. في نظري، يجب أن نعي بخطورة تحويل هذا اليوم إلى يوم لتقديم الهدايا والتبريكات التي أصبحت منتشرة خاصة خلال السنوات الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه سيبعدنا عن الروح الحقيقية لتخليد 8 مارس. أظنه أنه يوم كافٍ للالتفاف نحو مختلف قضايا النساء المغربيات إذا جعلنا منه وقفة زمنية لاستحضار وتجسيد لتاريخ المرأة المكافحة حتى بعد مرور أكثر من 100 سنة عن أول صرخة احتجاج أطلقتها في الشوارع، لأن أوضاعها لازالت نفسها قائمة ولو بصور ومظاهر مختلفة.