نظمت جمعية صوت المرأة الأمازيغية -إمسلي- مساء يوم الجمعة الماضي، ندوة علمية تحت عنوان "تزويج الطفلات بين القانون والواقع " بحضور خبراء وحقوقيين، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان وتخليدا للأيام الأممية لمحاربة العنف ضد النساء، بمدينة الرباط. وبهذه المناسبة قالت عضو المكتب التنفيذي لجمعية صوت المرأة الأمازيغية، حياة مشنان: " إن الجمعية تتابع باهتمام وقلق كل ما يمكن أن يمس بحقوق النساء، وتسعى إلى الدفع بالقطاع العمومي للوعي بالمشاكل والخروقات التي تطال حقوق هذه الفئة ". وتابعت الفاعلة الجمعوية خلال كلمتها الافتتاحية لأشغال الندوة: " إن مجتمعنا لا يزال مجتمعا أبويا ذكوريا يكرس الظلم في حق المرأة باستغلال الدين والتقاليد والعادات للإبقاء على الوضعية الدونية للمرأة داخل المجتمع وهضم حقوقها ". ومن جانبها أكدت، المتخصصة في علم الاجتماع، خديجة زويتيني، أن ظاهرة زواج القاصرات تعتبر انتهاكا لحقوق المرأة، يترتب عنها تداعيات صحية تتمثل في العنف الجسدي والجنسي وارتفاع الوفيات أثناء الولادة، بجانب تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية. وفي السياق ذاته، أوضح المحامي بهيئة الرباط، وأحد مؤسسي الجمعية، محمد ألمو، أن أطراف ظاهرة تزويج القاصرات يتجاذبه تياران، تيار حداثي عقلاني حقوقي رافض، وتيار مساند ليس له مبرر، وصف محمد ألمو هذا الأخير ب " تيار بيدوفيلي " يدافع عن وضع غير طبيعي ونزعة بيدوفيلية. وأضاف المتحدث ذاته، ضمن مداخلته بعنوان، " تزويج الطفلات: إشكال تشريعي أم إشكال قضائي"، قائل: " إن إشكال تزويج القاصرات يرجع إلى خلل مرجعي يرتبط باعتماد المرجعية الدينية واستغلال الدين في إصدار نصوص قانونية تصطدم بالواقع في حالات كثيرة "، رافضا تحميل المسؤولية للقضاء لكونهم مقيدين بالنص القانوني. وأبرز ألمو أن دور النيابة العامة داخل قضاء الأسرة لا يزال دورا سلبيا لحد الآن، فهي تساهم في تعطيل البث في القضايا ومعاكسة رغبة الأطراف في الكثير من الحالات لكون المشرع أغلق عليها الباب للقيام بدورها في حماية حقوق القاصرات بمنع الطعن في الأحكام، واقترح المحامي بهيئة الرباط، العمل على التوعية والتحسيس بأضرار وتداعيات تزويج القاصرات مع سن قوانين أكثر حداثة وتقدمية، كحل لتجاوز هذه المعضلة. وضمن أشغال الندوة ذاتها، قالت المحامية والعضوة في اتحاد العمل النسائي، عائشة ألحيان: " إن مدونة الأسرة تحتوي على مقتضيات تمييزية تنتهك حقوق النساء، ومن بينها المادة 20 الخاصة بزواج القاصرات ". مشيرة إلى أن مكتسبات مدونة الأسرة أتت بعد جهود ومعانات الحركة النسائية بالمغرب، إلا أنها لم تحقق التوازن داخل الأسرة والمجتمع، وأكدت ألحيان أن طلبات تزويج القاصرات في ارتفاع متزايد و99 في المائة منها تقدم من طرف أولياء الإناث في مقابل 1 في المائة فقط للذكور. وأبرزت عائشة ألحيان في مداخلتها حول " مدونة الأسرة وانتهاك حقوق المرأة "، أن تزويج القاصرات يعيد إنتاج الفقر ويساعد في تفاقم ظاهرة الهدر المدرسي وارتفاع عدد وفيات الرضع والأمهات أثناء عملية الولاة، ووجهت الحيان دعوتها للحكومة من أجل منع تزويج القاصرات، وقالت" الحكومة فوتت فرصة منع تزويج القاصرات في قانون مناهضة العنف ضد النساء، ونفس الأمر بالنسبة للخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي لم تناقش موضوع زواج القاصرات على اعتبار أنه قضية إشكالية، من العيب أن يكون لدينا قانون يؤسس للتمييز". ومن جهته أكد قاضي الأسرة، أنس سعدون، أن المندوبية السامية للتخطيط سجلت ارتفاعا متزايدا في نسبة زواج القاصرات، مع ارتفاع متوسط العمر في الزواج مما يخلق تساؤلات . وقال المتحدث ضمن عرض له حول تزويج الطفلات من خلال العمل القضائي : " إن تزويج القاصرات ظاهرة أنثوية بامتياز، وأغلبية القاصرات اللواتي يتم تزويجهن يكن قد غادرن أسوار الدراسة ولا يزاولن أي عمل، ويكون عمرهن إما 17 او 16 او 15 سنة، وفي بعض الأحيان يصل إلى 14 سنة". وأضاف سعدون، المسؤول عن دراسة ميدانية حول الظاهرة بمنطقة أزيلال: " إن الدراسة كشفت عن كون هذه الظاهرة عنوانا للفقر والهشاشة والتهميش، فغالبية القاصرات المراد تزويجهن لا يزاولن أي عمل وانقطعن عن الدراسة ويعانين من مشاكل اجتماعية كالفقر وطلاق أو وفات الوالدين "، وتابع القاضي، " إن الأرقام المسجلة من خلال الدراسة لا تعكس الواقع لكون الكثير من الزيجات لا تصل إلى المحاكم ولا توثق. وتظهر الدراسة أن تزويج القاصرات ظاهرة مركبة ومعقدة تجمع بين ما هو اقتصادي ثقافي واجتماعي ". وأبرز أنس سعدون، أن القاضي يكون مضطرا لقبول طلب تزويج القاصر، رغبة منه لحماية حقوقها، كون أولياء القاصرات يلجئون إلى تزويجهن دون توثيق للعقد مما يهدد حقوقهن، وأضاف أن غالبية عقود الزواج المرتبطة يهذه الحالات تكون بمثابة عقود عمل، الهدف منها استغلال الطفلة في القيام بالأعمال المنزلية أو رعاية أحد الآباء، مؤكدا على أن غالبية زيجات القاصرات تنتهي بالطلاق. ومن جهة أخرى، قالت الرئيسة السابقة لجمعية الدفاع عن حقوق النساء، نجاة الرازي: " عرفت ظاهرة زواج القاصرات بين فترة 2007 إلى 2013 انخفاضا بالنسبة للفتيان في مقابل ارتفاع بنسبة للفتيات حيث انتقل العدد من 38 ألف و331 إلى أويد من 43 ألف". واعتبرت الرازي تزويج القاصرات بمقام " الإكراه على الزواج " أو الزواج القصري، رافضة اعتبار القبول المصرح به من طرف الفتاة أقل من 18 سنة بمثابة رضا بل هو حرمان من الاختيار، خصوصا وأن أبرز أسباب طلب التزويج تكون مرتبطة بوقوع إغتصاب أو علاقة جسدية غبر شرعية أو بغرض الاستغلال في العمب المنزلي. وأكدت الفاعلة الجمعوية أن إجازة هذا النوع من الزواج خرق لحقوق الإنسان وحقوق الطفل أساسا وللاتفاقيات والمواثيق الدولية وحتى مقتضيات الدستور المغربي، معتبرة إياه عنف لما يسببه من أضرار جسدية ونفسية واجتماعية واقتصادية. وجاء في بلاغ للجمعية، " عديدة هي الأسباب والدوافع التي تقف وراء استمرار ظاهرة تزويج الطفلات بالمغرب، إلا أنه في غالب الأحوال ما يتم تفسيرها بالجهل و بغرض حماية الطفلات القاصرات من التحرش و الظروف المعيشية الصعبة. ناهيك عن تجذر هذه الظاهرة بشكل راسخ في الضمير الجماعي لدى العديد من المناطق باعتبارها سلوكا اجتماعيا لا ضرر فيه (أنفكو و إميلشيل) كمثال ". وأضافت الجمعية في بلاغها،" كما أنه صحيح أن تزويج الطفلات هو ظاهرة معقدة يتداخل فيها ما هو ثقافي واقتصادي واجتماعي إلا أن الوضع التشريعي الحالي يوفر بشكل كبير الأجواء المناسبة لشرعنة وجود الظاهرة واستمرارها خاصة أمام قصور مقتضيات مدونة الأسرة التي لم تستطع الإبقاء على الوضع الاستثنائي لهذه الظاهرة وفقا للغاية التي كان يتوخّاها واضعي مدونة الأسرة". وتندرج هذه الندوة العلمية حول موضوع " تزويج الطفلات بين القانون والواقع "، والتي شهدت مشاركة محامون وقضاة ونشطاء حقوقيون، كحلقة أخيرة من مشروع "المساهمة في محاربة تزويج الطفلات بأزيلال"، بمناسبة مرور سنتين عن تجربتها الميدانية في محاربة الظاهرة في إطار اشتغال جمعية صوت المرأة الأمازيغية، على محاربة هذه الظاهرة بشكل عام و بإقليم أزيلال بشكل خاص.