مهولة هي الأرقام التي خلد العالم على ضوئها اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال (12 يونيو)، عمل يتفق الجميع مبدئيا على ضرورة القضاء عليه أو على الأقل الحد منه ومن تجلياته منذ دخول الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل حيز التنفيذ سنة 1990 وحتى قبل ذلك، من خلال عمل المنظمة الدولية للشغل التي تأسست سنة 1919. الأكيد أن هذا الهدف يبقى إلى اليوم بعيد المنال، خاصة أن الهيئات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأممالمتحدة، تقدم حقائق وأرقام مفزعة في هذا المجال، إذ أن ما يقارب 218 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين خمس وسبعة عشرة سنة يعملون في جميع أنحاء العالم، 152 مليون منهم، كما تقول المنظمة، من ضحايا عمالة الأطفال وأكثر من نصفهم، أي 73 مليون طفل، يعملون في أعمال تشكل خطرا عليهم. ليس من البديهي للأسف القول إن تشغيل الأطفال انتهاك صارخ لحقوقهم، ذلك أنه غالبا ما يتم خطأ ربط الانتهاك بوجود عنف من عدمه؛ فإن كان العنف انتهاكا صريحا لحقوق الطفل (وحقوق المرأة أيضا) فهو ليس بالضرورة عنصرا حتميا من عناصر كل انتهاك لحقوق الطفل، فتشغيل الأطفال، شأنه في ذلك شأن تزويج القاصرات، وهذا موضوع آخر، انتهاك صريح لحقوق الطفل لأنه يمنعهم من الحق في التعليم والذهاب إلى المدرسة، أو يفرض عليهم تحمل عبء مزدوج (الدراسة والعمل)، دون الحديث عن حرمانهم من حقهم في اللعب والرعاية ومن التمتع بطفولتهم، فضلا عن تعرض أكثر من نصف الأطفال العاملين، كما تقول منظمة الأممالمتحدة، لأسوأ أشكال عمل الأطفال، مثل العمل في البيئات الخطرة أو الاستعباد أو غيره من أشكال العمل القسري، والأنشطة غير المشروعة بما في ذلك الاتجار بالمخدرات والبغاء والمشاركة في النزاعات المسلحة، في أكثر من منطقة في العالم. تشغيل الأطفال بالمغرب قد تتضارب الأرقام أحيانا بالمغرب بين القطاعات المعنية، إلا أن آخر المعطيات التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط بشأن الأعمال الخطيرة لدى الأطفال ببلادنا تؤكد أن هذه الأعمال همت 193.000 طفل من بين الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 7 و17 سنة خلال سنة 2015، أي ما يمثل 59% من الأطفال العاملين، وهو ما مفاده أن عدد الأطفال العاملين يصل بصفة عامة حسب المندوبية، إلى أكثر من 327 ألف طفل، 39.000 منهم يزاولون أعمالا خطيرة بالوسط الحضري و154.000 يزاولون مثل هذه الأعمال بالوسط القروي (71,7% من المزاولين لهذه الأعمال انقطعوا عن الدراسة و19,3% يترددون على المدرسة و9% لم يسبق لهم أن التحقوا بالمدرسة قط). تجدر الإشارة إلى أن المغرب يبدل جهودا حثيثة للحد من هذه الظاهرة، سواء على المستوى التشريعي أو على مستوى السياسات العمومية، خاصة في إطار السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفل (2015 إلى 2025) ومخطط العمل الوطني للطفولة والبرامج المعتمدة للتحسيس بضرورة مناهضة تشغيل الأطفال. ولعل من أبرز الخطوات التى شهده المغرب في السنوات الأخيرة في هذا المجال اعتماد القانون رقم 19.12، المتعلق بتشغيل العمال والعاملات المنزليين، الذي نشر بالجريدة الرسمية في غشت 2016، الذي شكل اعتماده أمرا إيجابيا بحد ذاته وإن تعرض لانتقادات كثيرة من لدن المدافعين عن حقوق الطفل، خاصّة في النقطة المتعلقة بالسماح بتشغيل القاصرين البالغين من العمر ما بين 16 و18 سنة. لكن بفضل الترافع القوي لمنظمات المجتمع المدني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وعدد من الفاعلين تم على الأقل الدفع في اتجاه اعتماد 18 سنة كحد أدنى للعمل المنزلي بعد مرحلة انتقالية حددت في خمس سنوات. معطى ثاني، تتعلق به آمال الدفع في اتجاه الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال يتمثل في التنصيص على إحداث آلية وطنية للتظلم خاصة بالأطفال، التي منح المشرع اختصاصها للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي ستقوم بعد تنصيبها بالبث في شكايات وتظلم الأطفال ضحايا انتهاك حقوقهم، ومن بينهم ضحايا ظاهرة تشغيل الأطفال. تجدر الإشارة إلى أن المغرب عضو في اتفاقية مؤتمر العمل الدولي بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام رقم 138، واتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال رقم 182 وكذا اتفاقية حقوق الطفل، التي صادقت عليها المملكة في 1993 والتي تنص في المادة 32 على حق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي. جدير بالذكر أيضا أنه حسب معطيات الأممالمتحدة وأرقامها توجد نصف عمالة الأطفال (72.1 مليون) في أفريقيا؛ 62.1 مليون في آسيا والمحيط الهادئ؛ 10.7 مليون في الأمريكيتين؛ 1.2 مليون في الدول العربية و5.5 مليون في أوروبا وآسيا الوسطى. ومن حيث الانتشار، حسب المنظمة، يعمل طفل واحد من كل خمسة أطفال في أفريقيا (19.6٪)، في حين يتراوح معدل انتشار العمالة في المناطق الأخرى بين 3٪ و7٪: 2.9٪ في الدول العربية (1 من بين 35 طفلاً)؛ 4.1٪ في أوروبا وآسيا الوسطى (1 من 25)؛ 5.3 ٪ في الأمريكيتين (1 في 19) 7.4 ٪ في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ (1 في 14).