الحملات في كثير من الأحيان تأكل الأخضر واليابس، ومهما كانت لها من إيجابيات، لابد أن تترك ندبا أو بعض المساوء، التي يجب الوقوف عندها وتصحيحها، ويتجلى ذلك في حملة الباعة الجائلين بتطوان، التي تسير بخطى جيدة، من خلال إخلاء كل الشوارع والأزقة، وإعادة إيواء هؤلاء في أسواق للقرب، أمر لقي استحسان الجميع. وسط هذا الضجيج والهجيج الذي يرافق العملية، ضاعت بعض الأمور الجميلة التي كانت بأسواق تطوان، إنهن "الجبليات"، تلك النسوة الجبليات بلباسهن التقليدي، اللواتي لازلن يقطن المناطق المجاورة، بني معدان، الملاليين، أزلا وغيرها، وياتين كل صباح عبر الحافلة، ليبعن بعض ما أنتجت أرضهن، يبعن أساسا بعض الخضر الموسمية، وكذلك المعدنوس والنعناع، الجبن البلدي، الألبان وغيرها.... تلك الصور الجميلة لنسوة يرتدين طربوشا جبليا ومنديلا مزركشا، ستختفي من أسواق تطوان، وخاصة من أسواق المدينة العتيقة ومدخل باب العقلة حيث كن يتجمعن، لم تكن لهن أماكن مميزة، ولم يكن مسجلات في أي لائحة، وبحكم أنهن قرويات فقد تم تهميشهن في مختلف مراحل الإعداد لإعادة الإيواء، وهو ما جعل حقوقهن تضيع في كل الأسواق تقريبا.. "النساء دالربيع"، هكذا يصفونهن او يسمونهن عندما يتحدثون عنهن في الإجتماعات، أو خلال عملية التقسيم التي تمت للمربعات بمختلف الأسواق، وليكن فقط إضافات ليست ضرورية، من خلال تمكينهن من مربعات لا تصل مساحتهن أحيانا حتى لمتر مربع، وفي أماكن منزوية، حيث الشمس والريح والبرد، وحيث لا يصل حتى الزبناء أنفسهم، إنها "الحكرة" تقول إحداهن. الكثير من النشطاء والمهتمين، أثاروا موضوع اختفاء الجبليات القسري عن أسواق تطوان، وطالبوا بضرورة الاهتمام بهن ليس فقط كبائعات أو التعامل معهن كباقي الفراشة، إنهم تراث تاريخي وجزء من حضارة المدينة، إنهم تقليد جميل لهاته المدينة الجبلية، إنهن فعلا جبليات يأتين لبيع منتوجات محلية، ويغادرن قبل منتصف النهار في الغالب، لكونهن يصلن في وقت مبكر، منهن من تبيع كل شيء بالجملة، ومنهن من لها زبناء يعودون لعشرات السنين. كما تجدر الإشارة، لكون النساء الجبليات، هن تقريبا أول لبنات جل الأسواق بتطوان، وهن اول الفراشات بالمدينة، ليس لبيع "الطرابو" أو بيع المنتوجات الأخرى، بل كن دائما متخصصات في المواد الغذائية الطبيعية، ياتين في وقت مبكر وينسحبن مبكرا، وهو ما كان يجعل جل أسواق تطوان، وحتى نهاية الثمانينيات، تنتهي عند الظهر تقريبا، وكان جل الباعة نساءا جبليات مميزات بلباسهن. فهل تفطن السلطات المحلية لهاته الفئة؟ وتتحرك بعض الجمعيات النسائية؟ والمصالح المختصة بالتراث على رأسها وزارة الثقافة، لتنظيم وتأطير استفادة هاته النساء من محلات، مرتبطة بالمدينة العتيقة، وبخصوصية تواجدهن ببعض الأسواق، كجزء من ثقافة المدينة وتراثها، وجزء من التنمية السياحية بها، أو على الأقل، كحق لهن أيضا في البيع وأخذ أماكن محترمة، بدل أن يكن الحلقة الضعيفة، وسط "جشع" لا ينقضي، في مسار توزيع المحلات والمربعات.