القراقب، الكنبري (الهجهوج)، الطبل...معدات موسيقية بسيطة تُشيّد بإيقاعاتها صرح سيمات عالم موسيقي يمتزج بطقوس احتفالية غرائبية تستلهم جوهرها من تراثيات افريقية انصهرت في البيئة المغربية لتنسج لنفسها لونا غنائيا روحانيا متفردا... ينقلكم الموقع في هذا التحقيق للتعرف على هذا اللون الموسيقي، وتميط اللثام عن خباياه وأسراره المتوارية خلف مجموعة من الممارسات والطقوس التي يتحاشى العديد من رموز هذه الموسيقى الحديث عنها، فما هي أصول موسيقى كناوة وامتداداتها الطقوسية؟ وما حقيقة استحضار الجن والأرواح في ليلة دردبة؟ وكيف يتم ذلك؟ وما هي دلالات ذلك من وجهة نظر علمية؟ 12- الراقي مصعب المغربي: كناوة موسيقى شركية تناجي الجن! اتصل طاقم الجريدة بالشيخ مصعب الراقي المغربي الذي يُعد من أشهر الرقاة المغاربة الذين تقدمهم العديد من صفحات التواصل الاجتماعي في خانة الرقاة المتخصصين في تخليص أجساد المرضى من الجن والسحر ويحظى بمتابعة مكثفة عبر حائطه الفيسبوكي الذي ينشر فيه مقاطع فيديو لحالات حية لأفراد يتكلم من خلالهم بشكل مباشر مع الجن الذين يستوطنون أجسادهم، ثم يُخضعهم لعملية الرقية ليتماثلوا للشفاء على حد تعبيره. عرّف الراقي "مصعب المغربي" طقوس الموسيقى الكناوية بأنها طقوس شركية تناجي وتنادي الجن من أجل الاستفادة من خدماتهم، مشيرا أن الموسيقى الكناوية كانت في سابق عهدها نوعا من أنواع الرقية التي كانت تمارسها الشعوب الافريقية جنوب الصحراء قبل أن يأتوا بها إلى المغرب في إطار تجارة الرقيق التي كانت مزدهرة في فترات معينة من تاريخ المغرب. وأوضح الشيخ مصعب أن الموسيقيين الكناوين لا يقومون بعملية السحر، مستطردا أن ليلة الحضرة يحضرها إلى جانب المعلم الكناوي "مقدمات وشريفات" يمارسن عمليات السحر، حيث تُستهل ب"طرح الفتوح" وهي تقام على شرف ملك من ملوك الجن حسب اللون الذي يرتديه المعلم. وتبدأ طقوس السحر، يضيف الشيخ، عندما يتم المرور إلى باقي الألوان، إذ يتم استحضار الجن من خلال نوع محدد من الأبخرة والمأكولات، حيث تُدمج في هذه الأخيرة مواد "مخدومة" (أي مسحورة) يتم إعدادها مسبقا خالية من الملح، وكل شخص يتناول منها يصبح ممسوسا بالجن لكونه اشترك وإياهم في المأكل. وتتعمد النسوة أو المقدمات اللواتي يُشرفن على "طقس الطبيقة" إعداد هذه الانواع من المأكولات "المخدومة" حتى تتمكن من اجتذاب أكبر عدد ممكن من الضحايا ومضاعفة مداخيلهم المادية، ذلك أنه فور نهاية ليلة دردبة تنفرد السيدة (الشريفة) المشرفة بالأفراد الذين رقصوا على إيقاع معين وتخبرهم أنهم مطالبون بتنظيم ليالي مماثلة حتى ينعموا بالسكينة إرضاء ل "الملوك أو الجواد" فيدخل الضحايا في سلسلة لامتناهية من الاستغلال والابتزاز. ويواصل الشيخ مصعب بأن الساحرات المتمكنات هن اللاتي يتمكن من تنظيم أكبر عدد مهم من "ليالي دردبة" وهن المستفيدات من الدرجة الأولى أما المعلم الكناوي وباقي أعضاء فرقته فنسبة أرباحهم تبقى متواضعة مقارنة مع الساحرة أو "الشريفة" كما يُنادى عليها بذلك. واستطرد أن المعلم الكناوي في نهاية المطاف هو الأخر ضحية من الضحايا، إذ يكون في حاجة ماسة إلى "ليلة دردبة" ليُشفي غليله شأنه في ذلك شأن باقي المرضى، وبتزايد عدد الليالي تتزايد معها المداخيل المالية للشريفة، مستطردا أن العديد من الساحرات أصبحن يلجأن إلى الموسيقى الكناوية لتبرير ممارستهن مستغلات هذه الموسيقى أبشع استغلال لمراكمة أرباحهن المادية. وأشار الشيخ في سياق إلى أخر أن بعض المعلمين ذوي النوازع السحرية يستعينون بالجن في جلساتهم حيث يعمدون إلى تنظيم ليلة دردبة في أماكن نائية وبالقرب من البحر، وإذا كان المعلم متمكنا من الايقاعات ولم يرتكب أي خطأ يواصل العزف إلى منتصف الليل ويرفع من إيقاعه موازاة مع إحراق أنواع محددة من الأبخرة وتلاوة بعض الطلاسيم، فيستحضر الجن ويمكن مشاهدتهم بالعين المجردة على شكل خيالات. ويضيف أن المعلم عندما يطلب خدمة جني محدد يلبس اللون الذي يشير إليه، فمثلا اللون الأسود يشير إلى "عيشة"، الأصفر على"ميرا"، الأزرق على "المرساوي"، الأحمر على "الكزار مول الشاقور، الأسود على "مالين الغابة"...وأثناء مرحلة معينة من العزف يحلٌّ الجني المقصود بجسد المعلم، فيسهر هذا الأخير على تنظيم ليال لفائدته مقابل الاستفادة من خدماته.