القراقب، الكنبري (الهجهوج)، الطبل...معدات موسيقية بسيطة تُشيّد بإيقاعاتها صرح سيمات عالم موسيقي يمتزج بطقوس احتفالية غرائبية تستلهم جوهرها من تراثيات افريقية انصهرت في البيئة المغربية لتنسج لنفسها لونا غنائيا روحانيا متفردا... ينقلكم الموقع في هذا التحقيق للتعرف على هذا اللون الموسيقي، وتميط اللثام عن خباياه وأسراره المتوارية خلف مجموعة من الممارسات والطقوس التي يتحاشى العديد من رموز هذه الموسيقى الحديث عنها، فما هي أصول موسيقى كناوة وامتداداتها الطقوسية؟ وما حقيقة استحضار الجن والأرواح في ليلة دردبة؟ وكيف يتم ذلك؟ وما هي دلالات ذلك من وجهة نظر علمية؟ 9- الجن واستحضار الأرواح في الطقوس الكناوية! كيف يتم استحضار الجن في الطقوس الكناوية؟ ما هي الشروط والممارسات التي تؤثث عملية "الجلب"؟ وهل عمليات السحر ظرفية أم دائمة؟ أسئلة طرحناها على الحالات التي صادفنها وتعتقد جازمة بيقينيتها، وأفادت في هذا السياق أن عملية استحضار الجن أو "الجلب" في التداول الإصطلاحي لديهم عملية مُركّبة وجد معقدة تتداخل فيها مجموعة من الطقوس المتداخلة والممارسات الخطيرة التي لا تخلو من تبعات وآثار وخيمة إذا لم تُنفذ بالدقة المطلوبة. ويُعد الأكل بدون ملح أولى هذه الشروط بعد تلاوة مجموعة من الطلاسيم - رفضت مصادرنا الكشف عنها- وإذا صادف وتناول أحد ما بدون قصد أو عن غير علم بطبيعة تلك المأكولات يصبح "ممسوسا" أي يسكن جسده جني بعد أن اشترك وإياه في المأكل. وهذه الممارسات شائعة عند كناوة، وهي تُمهد للدخول إلى بوابة عالم أخر يسود فيه السحرة، ذلك أن ثلة من السحرة المتمكنين الذين لهم سلطة على الجن يسخرونهم لخدمتهم ويلبون طلباتهم في علاج من يقصدونهم من المرضى والممسوسين، مقابل قربان بمواصفات خاصة. وهذا العلاج هو نسبي إذ يلتزم المريض أو الممسوس بما يسمى ب"العهد" وذلك بتقديم قربان يكون على شكل ذبيحة أو أبخرة، ومع توالي السنوات تضاف له مطالب أخرى، وإذا امتنع المريض عن ذلك يعود لسابق عهده ويلازمه المرض أو المس من جديد، ويستعين هؤلاء السحرة بكبار ملوك الجن ك: حمو الكبير وحمو الصغير (الجزار أو العاشق)، ميمون، لالة عيشة ، البوهالي، حمو الكسايد، عيشة الروبالة (مولات الواد)، عيشة القربالة، عيشة الفراقة، رجال الغابة، لالة مليكة. بالإضافة إلى هؤلاء أسرت مصادرنا أن هناك ملوكا آخرين أكثر فتكا من سابقيهم ويدينون بالديانة اليهودية وهم "الملك دافيد أو الحزّان" وتقام طقوس استحضاره ابتداء من عصر يوم الجمعة إلى غاية عصر يوم السبت، ثم هناك "ماريا ابنة دافيد" تستجوب طقوس استحضارها إشعال الشموع ليلة يوم الجمعة وتوفير أشكال متعددة من المأكولات والكحول والسجائر. وتستمر هذه الطقوس إلى غاية الفجر، ثم يصعد كل من حضر المجمع في تلك الليلة إلى كهف فتشعل فيه الشموع والأبخرة مرة أخرى ثم يجتمع الحاضرون على ما يسمى ب"المائدة اليهودية" فيأكلون ويشربون ويتمادون في التدخين وشرب الخمر، وعندما تصل الجلسة إلى ذروتها على إيقاع موسيقى كناوة يشرعون في التواصل مع "الملكة الجنية ماريا" لكي يستفيدوا من خدمتها، وهي خدمات في كٌلّيتها انتقامية وتروم إلحاق الأذى بالأخر –تضيف المصادر-