القراقب، الكنبري (الهجهوج)، الطبل...معدات موسيقية بسيطة تُشيّد بإيقاعاتها صرح سيمات عالم موسيقي يمتزج بطقوس احتفالية غرائبية تستلهم جوهرها من تراثيات افريقية انصهرت في البيئة المغربية لتنسج لنفسها لونا غنائيا روحانيا متفردا... ينقلكم الموقع في هذا التحقيق للتعرف على هذا اللون الموسيقي، وتميط اللثام عن خباياه وأسراره المتوارية خلف مجموعة من الممارسات والطقوس التي يتحاشى العديد من رموز هذه الموسيقى الحديث عنها، فما هي أصول موسيقى كناوة وامتداداتها الطقوسية؟ وما حقيقة استحضار الجن والأرواح في ليلة دردبة؟ وكيف يتم ذلك؟ وما هي دلالات ذلك من وجهة نظر علمية؟ 7- جلسة كناوية سرية لإخراج الجن! داومت كريمة على حضور العديد من جلسات الرقية والروحانيات الكناوية، ولاحظت بين الفينة والأخرى بعض الممارسات والشعائر التي تمتح من السحر والشعوذة، وهو ما جعلها تطرح العديد من الأسئلة في محاولة منها للفهم. غير أن أسئلتها كانت تواجه بردود قمعية "دخلي سوق راسك.." و"انت مالك.." "أش مشى ليك..سكتي متبقايش تسولي بزاف. تدرجت كريمة في حضور الجلسات الكناوية من تلك التي تقام بزاوية سيدنا بلال بالصويرة أو في غيرها من الزوايا الأخرى التي يحضرها عموم الناس إلى جلسات خاصة تنظمها بعض الأسر، ثم إلى جلسات سرية يحضرها القلة القليلة من الأصفياء تتخللها العديد من الطقوس والشعائر الغريبة. وعلى هذا المنوال دأبت بشكل سنوي على حضور جلسة كناوية شعائرية تقام في ليلة القدر، يشرف عليها المقدم "عبد الرحيم.ن" يقطن بمدينة زاكورة، يشد الرحال في العشر الأواخر من كل شهر رمضان إلى إحدى الزوايا المجهولة الاسم ضواحي مدينة الصويرة. تشير كريمة أنه رغم حضورها لهذه الليلة لما يزيد عن أربع مرات إلا أنها لم تتمكن من تحديد موقع الزاوية المجهولة الاسم (لا تنتسب لولي صالح) بشكل دقيق حيث يتعمد منظم هذه الليلة على استقدامهم مساء إلى منطقة سميمو ضواحي الصويرة ثم يستقلوا بعدها عربة مجرورة في مسالك غير معبدة ليصلوا في نهاية المطاف إلى الزاوية، مشيرة في السياق ذاته أن القلة القليلة التي تحضر هذه الجلسة السرية هم من الوجهاء وأصحاب المال. يظهر ذلك من خلال السيارات الفخمة المرصوفة بالقرب من الزاوية، ومن قيمة الهدايا الثمينة التي يجلبونها معهم. تضيف كريمة: "تبدأ الليلة السرية هاته في مرحلة أولى بتراتيل قرآنية ثم في مرحلة ثانية يقوم المقدم بترديد بعض التعاويذ المبهمة التي لم أستطع فك شفرة معانيها، فيقوم بإحراق أنواع محددة من الأبخرة لتبدأ بعدها مرحلة استدعاء الأرواح التي تستوطن أجساد المسكونين والتواصل المباشر معها من أجل الوصول إلى حل تفاوضي متفق عليه نظير خروجها من الجسد، والمقابل يكون ذبيحة تهدى له وغالبا ما تكون بقرة أو ناقة". وتوضح المتحدثة ذاتها أن هذه الذبيحة لا تٌأكل إذ بمجرد ما يتم ذبحها تُرمى في مكان نائي، والأفراد الذين يحيون هذه الليلة سنويا يُداومون على الحضور في نفس الموعد من كل "ليلة قدر" من شهر رمضان وفاء لبعض "لملوك" –على حد تعبيرها- الذين يتراءون لهم في المنام على شكل رؤى يطلبون منهم الذبيحة، وإذا لم يلبوا الدعوة تلازمهم كوابيس كلما هجعوا للنوم والبعض منهم يستفيق على أثر الضرب أو جروح في جسده.