عندما تلج محراب الفنانة التشكيلية نادية الموندلسي، تستدرجنا أعمالها الفنية التي تملأ حيزا كبيرا من مسكنها بمدينة أكادير إلى عوالمها الباطنية الرحبة، دون مؤثرات شكلانية وملحقات صورية، فهذه المبدعة التي أتت إلى عالم التشكيل من عوالم الموضة وتصاميم الأزياء والخياطة... تعتبر من الأسماء الفنية التي خبرت كيمياء الكتابة التشكيلية بصدق وعمق في آن معا. في هذا الحوار، تفتح لنا المبدعة نادية عوالمها الفنية المتعددة والعميقة: حاورها: محمد معتصم نظمتم مؤخرا بمدينة أكادير فعاليات الدورة السابعة من الصالون الدولي للمرأة الفنانة. ما دلالات هذا الاحتفاء بهذه الفعاليات؟ بالفعل احتفلنا جميعا في مؤسسة " فام ارت " بمدينة أكادير وضمن الدورة السابعة للصالون الدولي للمرأة الفنانة بوجوه مألوفة في مجالات تخصصها سواء منها الابداعية، الفنية والجمعوية .والتي أعطت الكثير بنكران الذات والتفاني على مسار زمني طويل ومتنوع ، واليوم تستحق أن تكرم كعربون تقدير واحترام وامتنان. فكرمنا الأستاذة والباحثة في التراث الشفهي المغربي والوزيرة السابقة نجيمة طاي طاي، كما كرمنا الفنانة التشكيلية والفاعلة الجمعوية نجاة الباز على نضالها الجمعوي وعملها الدؤوب والمتجذر في الزمان والمكان ، كما تشرفت من أعضاء المؤسسة بتكريم، لامسوا أنني أستحقه في الوقت الراهن لما قدمته بشكل متواضع للمؤسسة خلال سبع سنوات ، وقبلها للفن التشكيلي المحلي والوطني والعالمي. اذن، الاحتفاء بهذه الفعاليات النسائية هو احتفاء بالمرأة الفنانة المغربية، احتفاء بالمجهودات التي تبذلها في شتى الميادين والمجالات التي تشتغل فيها، وهذا في اعتقادي التفاتة متواضعة تكريما وتشريفا وعربون محبة صادقة للمحتفى بهن. مؤسسة "فام أرت" راكمت مسارا فنيا متميزا يمتد على مسافة سبع سنوات. ما سر هذا الاستمرار؟ ليس هناك سر معين، بل هناك حب وعشق باذخ للفن التشكيلي، المؤسسة قبل سبع سنوات وضعت أمام أعينها احتضان الفن التشكيلي وترويجه على أوسع النطاقات وتقريبه من عموم المواطنين. لأننا جميعا في المؤسسة أمنا بهذا المشروع المتكامل ، وأمنا بتحقيق أهدافه المسطرة ، ومن بين هذه المشاريع ، تنظيم معارض جماعية لتبادل التجارب وفتح حوار بخصوص الفن التشكيلي ، وتنظيم اقامات فنية وورشات للأطفال والشباب وتكريم أسماء أعطت للإبداع الأدبي والفني الكثير ...اضافة الى تنظيم ندوات وموائد مستديرة، وحسب المتتبعين والمهتمين ، اننا نجحنا في تبليغ رسالتنا الفنية ،وهذا في حد ذاته تحفيز لنواصل المسار خدمة للفن والفنانين وللمغرب الفني بشكل عام. لنرجع معك الى الفن التشكيلي ، ماهي أهم الدروب التي أوصلتك الى عوالم التشكيل؟ أقول لك أنني كنت محظوظة جدا، أولا حبي الجنوني للرسم وأنا صغيرة، أرسم على الورق أشاغب بشكل يومي، ثانيا تشجيعي من قبل أخي، أستاذ الفنون التشكيلية، استفدت منه كثيرا، اضافة الى تكويني الأكاديمي ، وثالثا كنت محظوظة، كون زوجي أستاذ الفنون التشكيلية وأحد الأسماء الوازنة في مجال التشكيل المغربي والعالمي الأستاذ محمد السنوسي ، وكل هذه المعطيات الجميلة منحتني هذه الثقة وهذه الرغبة الوجدانية لأشق طريقي نحو عوالم الفن التشكيلي الرحبة والعميقة . ماذا تمثل اللوحة للفنانة نادية الموندلسي ؟ اللوحة تمثل لي الكثير من الأشياء الجميلة، في اللوحة بصمات نبضي الداخلي والروحي الوجداني ، اللوحة هي أنا، وأنا هي اللوحة، اللوحة فضاء رحب يتسع لإحساسي المرهف ، في اللوحة أعبر عن كل المشاهد التي تلتقطها عيني من اليومي المعيش بكل تلويناته وبكل سلبياته وإنجابيته أيضا ، أحس وأنا أرسم في محرابي بنوع من الجدبة الروحية، أحس أنني أنعتق من أشياء داخلي ، بدون لوحة أعتقد الحياة لا طعم لها خاصة من الجانب الجمالي . الواضح في الفضاء البصري لأعمالي التصويرية هذه الضربات اللونية السريعة التي تخترق البياضات ، وتتوزع بحرية وتدفق على أبعاد اللوحة ، كاشفة عن حسي الوجداني ، ومشكلة امتدادا لجسدي وروحي معا. لعمري، هذا ما يفسر جليا ايقاعات ألواني ، وحركات فرشاتي وتجنيحاتها، وتشظياتها التعبيرية. تمكنت عن وعي ودراية من بناء خطاب تشكيلي له خصوصيته الأسلوبية وراهنيته المعاصرة .ما هو الهم الذي يحكم ابداعاتك؟ همي الوحيد هو تقديم قطع تشكيلية وجمالية راقية بعيدا عن الأبعاد الوظيفية للتزويق والزخرفة والتصميم الغرافيكي . فأنا غير منشغلة بالشكلنة الصورية ، ليبقى سؤال الابداع البصري من منظوري الفني هو صياغة خطاب تشكيلي ناطق بالتجربة والحس الجمالي ،وذي أثر وتأثير على العين التي تشاهده ، وتحاول تفكيك رموزه ورسائله المشفرة . الابداع التشكيلي يظل بالنسبة لي منتوجا ثقافيا يعكس قضايا الانسان الوجودية والمعرفية في ضوء حالات وأحوال تعبيرية متنوعة. كيف تجيبين على سؤال النقد المواكب لنبضات الابداع التشكيلي بالمغرب؟ السائد حاليا في المشهد الابداعي بالمغرب كما في العديد من الفضاءات الثقافية العربية المعاصرة ، هو المتابعات الصحفية المحكومة بالسرعة في نقل الخبر ، والاكتفاء بما ورد في الملف الاعلامي ، وهذا يجعل من أي نص كتابي مجرد تذكير اختزالي . فالنقد الفني هو في اعتقادي ، الذي يتبنى منهجا دراسيا من المناهج العلمية المعروفة ، محاولا أن يصوغ نصا موازيا مع الفنانين لا عنهم أو حولهم . أنا مقتنعة بأن لكل لوحة رسائلها الخفية وجغرافياتها السرية التي لا يدرك معناها الحقيقي سوى الفنان الذي أنجزها . فهذه الأسرار هي التي يجب على النقد الجمالي أن ينكب على دراستها ، ومقاربتها بشكل موضوعي . بماذا تحلم الفنانة نادية الموندلسي؟ أحلم أن أكون مرتاحة في حياتي الأسرية والفنية معا ، حياة هادئة متزنة وأمنة مع ذاتي . أحلم أن أكون ايجابية مع دواتي ومع الأخر ومع محيطي . أتمنى أن تصل رسائلي الفنية الى العالم ، أحلم بفضاء فني شفاف يحتوي على مياه صافية وعذبة مليئة بالحب ، الحنان والجمال .