في الواحد والثلاثين من أكتوبر، عاشت مدينة مالمو السويدية حدثا تاريخيا بكل المقاييس. إذ لأول مرة في تاريخ المسيحية منذ خمسمئة عام، تاريخ الاصلاح الديني الذي دشنه مارتن لوثر، حضر بابا الفاتيكان احتفالات الكنيسة اللوثرية، لاعطاء انطلاقة الاحتفالات باليوبيل السنوي للأصلاح الديني. وهي ذكرى الاحتفال بمطلق الاصلاح في أوروبا، مارتن لوثر، صاحب الرسالة الشهيرة التي اعترض فيها على صكوك الغفران في عام 1517. فبأفكاره الاصلاحية التي اطلقها قبل خمسمئة سنة من مدينة فيتنبيرغ الألمانية، تمكن مارتن لوثر من تغيير طريقة التعامل مع الإيمان والدين. ومن أبرز مقومات فكر لوثر اللاهوتي هي أنّ الحصول على الخلاص هو هديّة مجانيّة ونعمة الله من خلال الإيمان وليس بالقيام بأي عمل تكفيري أو صالح. هذا بالاضافة إلى رفض السلطة التعليمية في الكنيسة الكاثوليكية والتي تنيط بالبابا القول الفصل فيما يتعلق بتفسير الكتاب المقدس، معتبرًا أنّ لكل إمرئ الحق في التفسير. طبعا هذه التأويلات لم تمر مرور الكرام، بل أدت به إلى النفي وإدانته واعتبار كتاباته هرطقة وخارجة عن القوانين المرعيّة في الإمبراطوريّة. واليوم وبعد مرور خمسمئة عام، اجتمع الكاثوليك واللوثريين للاحتفاء بواحد من أكبر مصلحي الفكر الأوروبي. وجاء هذا الاحتفاء في السويد، لأن نحو ستين في المئة من السويديين، هم من أتباع المذهب اللوثري. وهم بذلك أكبر تجمع لأتباع هذا المذهب في العالم. وكانت رئيس الأساقفة أنتي ياكلين الألمانية الأصل، هي راعية هذا الاحتفال. فبالنسبة لياكلين الحاصلة على دكتوراه في علم اللاهوت، فإن أحد المبادئ الأساسية للإيمان أن يكون ثمة ارتباط وثيق بين الدين والسياسة والثقافة والبحث العلمي. وهي تميز بين مستويين من الايمان، "واحد شخصي يكون بالعقل وليس بدونه. وآخر من منظور أوسع، ترى من خلاله أن معرفة الإيمان أي علم اللاهوت و التجربة الايمانية والعلوم الطبيعية أوالعلوم بشكل عام، لديها مسؤولية جماعية من اجل ان يسود الخير في العالم". انتقلت ياكلين من ألمانيا إلى السويد ثم إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل ان تعود إلى السويد، وتستقر هناك. وتعتبر أن الوطن مصطلح هاجر من المكان إلى الزمان. اي انه ليس مكانا في الجغرافيا بقدر ما هو تجربة في الزمن. ما يعني أن المكان الذي يشعر فيه المرء بالانتماء يكون هو الوطن بالنسبة لها. وترى هذه القسيسة أن بعض القيود التي نعيشها في عالمنا اليوم هي النزعة الاستهلاكية. ففي عدد متزايد من العلاقات، يتم التعامل معنا كزبائن وليس كمواطنين أحرار. وأحيانا نجد هذا في الكنيسة أيضا. وهو ما يشكل مطلبا لمواجهة هذا الأمر بكل الأبعاد في اتجاه تعزيز المواطنة، بحسب أنتي ياكلين. إن تخليد هذه الذكرى بشكل مشترك، يشكل حدثا تاريخيا ليس للبروتستانت فحسب، بل لجميع المسيحيين في العالم ايضا.