القضايا الأكثر جدية تفقد بريقها وصدقيتها حين تخطئ مرة أخرى في اختيار التوقيت. وهذا ينطبق من جديد على مبادرة حزب الأصالة والمعاصرة توجيه مذكرة إلى الديوان الملكي بشأن العودة إلى تعديل دستوري بالنظر إلى ما «أبرزته الممارسة من حدود بعض المقتضيات الدستورية عند إعمالها وكذا الحاجة إلى تأطير دستوري لجوانب من الممارسة السياسية تفاديا لبعض حالات الفراغ المعياري». ورغم أن الناطق الرسمي باسم الحزب يتحفظ في الكشف عن مضمون المذكرة باعتبارها «غير مفتوحة» مكتفيا بالإحالة على البلاغ الصادر عن المكتب السياسي الأربعاء الماضي، إلا أن كل الاستنتاجات صارت في اتجاه أن المعني بالتعديلات الدستورية لحزب الأصالة والمعاصرة هو الفراغات التي تتضمنها المادة 47 الخاصة بتعيين رئيس الحكومة. وسبق الإعلان عن المذكرة ما يشبه تسريبا لحالة المزاج العام وسط قيادة «البام» بعد تكليف عبد الإله ابن كيران بتشكيل الحكومة، حيث وصفت تدوينة متشنجة صادرة عن أحد أعضاء المكتب السياسي هذا الفصل بأنه «الخطأ القاتل الذي فتح أبواب جهنم على مستقبل البلاد». وفي توضيح ذلك قال محمد لقماني لاحقا «أن تدوينته جاءت للتعبير عن المخاوف من التوترات المحتملة داخل الحقل السياسي، كتلك التي قد تنتج عن تدبير هذا الفصل في حال فشل رئيس الحكومة في تشكيل حكومته في الآجال المعقولة»، معتبرا أن «صياغة هذا الفصل جاء صريحا لكنه لم يضع في الحسبان الحالات والسيناريوهات الممكنة في حالة وجود بلوكاج في ضمان أغلبية حكومية، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام التحكيم الملكي بموجب الاختصاصات المسندة إليه بموجب الدستور». وليست هذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة تعديل الفصل 47 من الدستور، فقد سبق للإستقلاليين في أوج التوثر بينهم وبين رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران وحزب العدالة والتنمية أن لمحوا إلى فكرة هذا التعديل، وفهم منها حينها أن الهدف إما ربعاد ابن كيران من رئاسة الحكومة أو استبعاد حزب العدالة والتنمية ككل في حال تصدره للانتخابات وفشله في تكوين تحالف أغلبي موسع. لكن الاستقلاليين سرعان ما طووا هذه الفكرة مثلما طووا كل خصوماتهم مع رئيس الحكومة وحزبه. وقبل سابع أكتوبر وحتى بعد ظهور النتائج وقبل أن يشرع الرئيس المعين في مشاوراته، قرأنا وسمعنا الكثير من «سيناريوهات» الكواليس التي تقول بأن الملك سيحترم المنهجية الديمقراطية بتعيين عبد الإله ابن كيران رئيسا للحكومة، لكن الأخير سيفشل في مهمته بسبب رفض الأحزاب التحالف معه، وهنا سيضطر ابن كيران إلي تقديم استقالته، وسيتجه الملك نحو تعيين شخصية أخرى من داخل الحزب، وفي حال فشل بدوره سيتم اللجوء إلى شخصية مستقلة لقيادة حكومة انتقالية أو ما شابه ذلك !! ووسط هذه السيناريوهات »«المفبركة» تسربت أخبار أخرى من كواليس أحزاب المعارضة السابقة مفادها أن إلياس العماري بادر إلي عقد اجتماع مع قيادات الإتحاد الشتراكي والاستقلال والتجمع والاتحاد الدستوري، والهدف هو الإتفاق على صياغة رسالة إلى الملك تعلن رفض هذه الأحزاب الدخول في أي تحالف مع حزب العدالة والتنمية. والظاهر أن الأمر، وفق، منطق هذا التسريب والذي أكده حميد شباط، كان يتعلق بتهيئ الظروف السياسية والحزبية التي من شأنها تحريك منطق الفراغ الدستوري وإشعال أزمته، ولو تطلب الأمر مرة أخرى استدراج الملكية إلى حقل الصراعات والنزاعات الحزبية التي ما فتأت تترفع عن التورط في حساباتها الضيقة. وأظن أن عدم نجاح «البام» في تهييء شروط سينايو التأزيم الدستوري، واتجاه الاستقلال نحو إنقاذ ابن كيران من سيناريو الفشل في تشكيل الحكومة، هو ما جعل رفاق إلياس العماري ينتهون إلي مبادرة الدعوة إلي تعديل دستوري يظهر حتى الآن أنها لم تلق الإجماع الضروري داخل الحزب مثلها مثل رسالة إلياس العماري تحت عنوان «مقدمات في حاجتنا إلي مصالحة تاريخية شجاعة». وعلى كل حال، يمكن أن نتفق على أن الفصل 47 من الدستور يتضمن فراغات لم يجب عنها واضعو الدستور مثل ما العمل في حالة فشل الرئيس المعين في تشكيل الحكومة؟ لكن مشكل التوقيت المختار لطرح فكرة الإصلاح الدستوري، يجعل المبادرة غير لائقة زمنيا، مادام أنها تتم في نفس توقيت مشاورات تشكيل الحكومة، وتفترض بشكل مسبق فشلا متوقعا أو مطلوبا وربما مستحبا ومأمولا. كان يمكن للمبادرة أن تأتي بعد إعلان ابن كيران فشله رسميا، وحينها سنكون أمام وقائع سياسية ودستورية ملموسة وليست أمام إسقاطات أماني افتراضية، ففي نهاية المطاف الدساتير تجيب عن إشكالات واقعية وليس متمنيات شخصية. ومع ذلك هناك حاجة لإعادة قراءة وصياغة الفصل 47 وفق روح المنهجية الديمقراطية، لكن خارج حسابات التكتيك والمناورة، وبعيدا عن مساوئ السياق والتوقيت التي يفقد مبادرات الإصلاح حسن نواياها وصدقية سريرتها.