هو حلم استمر يداعب الكبير سكورسيزي لمدة عشرين عاما، والسنة الماضية (2015)، كان قد أكمل مساعيه في تمويل انتاج الفيلم، و بدأ التصوير. وكعلامة على ثقة "باراماونت" فيما أنجزه "مارتين"، أعلنت الشركة صاحبة الانتاجات السينمائية الضخمة عن تاريخ لخروج الفيلم للقاعات في نونبر أو دجنبر من هذه السنة، و بذلك تكون قد أعطت اشارة قوية على أن "سكوت" سكورسيزي هذا العام، سيسجل دخولا مدويا في ليلة الأوسكار السنة المقبلة. لم يكن سكورسيزي يخفي اعجابه برواية الياباني "شوساكو اندو" (Shūsaku Endō)، و التي اختار لها كعنوان "Silence"، و قد كتبت سنة 1966، و تحكي عن رحلة قام بها برتغاليان من معتنقي ديانة عيسى عليه السلام لليابان في القرن السابع عشر، بهدف حماية مسيحيين يتعرضون للتنكيل والتعذيب، لكن تواجدهم في هذا البلد الأسيوي سصبح خطرا عليهم بعد اتهامهم بارتكاب جريمة لم يقترفوها، و ستتم مطاردتهم في أقاصي البلاد، كما أنهم سيسجنون في ظروف قاسية و غير انسانية.. من تكفل بنقل أحداث الرواية بكتابة سينمائية لم يكن سوى السيناريست المتمكن "جاي كوكس" صاحب "Gangs of New-York"، فيلم ممتع لنفس المبدع الذي قدم أشهر "سائق طاكسي" في تاريخ السينما.. ورغم أن الفيلم ستكون مدته ثلاث ساعات و 15 دقيقة، ضدا على رغبة الشركة المنتجة، و توافقا مع اصرار المخرج المجرب و صعب المراس و رؤيته للعمل، فان كلفة الانتاج لن تتعدى 51 مليون دولار (غير 51 مليار ديالنا)، و هو نصف المبلغ الذي صرف على "Le Loup de Wall street"، على سبيل المثال، و على سبيل الحصر أيضا.. فيلم "Silence"، لن يخرج من الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل يناير 2017، و سيعرض بشكل ضيق في بضع قاعات سينمائية أمريكية، قبل أن يدشن رحلته الكونية ابتداء من السنة المقبلة، و قد راهن خصوصا على ممثلين اثنين يمتلكان موهبة حقيقية، أولهما "ليام نيسون" (Liam Neeson)، ورغم أن الكثيرين، و أنا منهم، يلومونه على "تبديد" امكانياته الواضحة في اختيارات غير موفقة، الا أنه يبقى ممثلا رائعا بمؤهلات لا يرقى اليها الشك أبدا، و ثانيهما "أندرو غارفيلد" (Andrew Garfield)، وهو واحد من أكثر ممثلي جيله موهبة، و سنسمع عنه مستقبلا الكثير من الاطراء، و لمن لا يعرفه فهو بطل فيلم "سوبرمان" (The Amazing Spider Man)، و لكنه أيضا، كما كتبنا في عمود سابق، بطل فيلم الفنان المتميز "ميل غيبسون" الجديد (Hacksaw Ridge)، و الذي يحكي قصة ديسمون دوس، المحارب بدون أسلحة.. مجرد اختيار غيبسون و سكورسيزي لغارفيلد، دليل على أن الكبار قد اكتشفوا فيه قدرات في التمثيل لا تخطؤها العين الخبيرة، وأن في جعبته "أسلحة" لم يستخرجها دفعة واحدة في أدواره السابقة، و لم يستعملها بعد بأكملها.. اذا ما تم ترشيح مارتين سكورسيزي للأوسكار المقبل، وهو ما أصبح في حكم المؤكد، فسيكون الترشيح رقم 13 في تاريخه.. رقم مرعب، و لا أقصد هنا استيهاماتنا عن الأساطير التي نسجت حول هذا الرقم بطبيعة الحال.. سكورسيزي كان قد فاز سنة 2007 بأوسكار أحسن مخرج عن فيلمه "Les Infiltrés"، فهل ستكون الدورة 89 فأل خير عليه؟، سنرى، خصوصا و أن التنافس سيكون صعبا مع "كلينت ايستوود" بفيلمه الجديد "Sully"، و أمام "ميلاد أمة" (The Birth of a Nation) ل"نيت باركر"، وأفلام أخرى لم نرها بعد.. في أيام دراستي الثانوية، كان والدي يحكي لي على "حلقات"، تاريخ صدمة الأسيويين عامة و اليابانيين خاصة، أمام التفوق الحضاري الغربي، و الذي كان من تبعاته عند شرائح كبيرة من هذه المجتمعات، الرجوع الى الماضي المجيد.. و الانطواء و الانزواء و رفض كل ما له علاقة بالوافد الجديد.. و حضارته و منتجاتها، و يشرح لي أشياء شبيهة حصلت و مازالت تحصل في العالم الاسلامي، و يوضح لي أنه من الأمور التي شكلت نقطة اشتراك بيننا و بين المجتمعات الأسيوية كذلك، هي علاقتنا بالمسيحية ومن يبشرون بها بيننا، و أتذكر أنه كان يحيل على كاتب ياباني مسيحي، كتب رواية مؤثرة عن أتباع ديانته في اليابان، و كيف كانوا يعاملون من الأغلبية التي ترغمهم على التنكر لدينهم الجديد و الا قتلوا، واقع مشابه لحد الردة وحكم الاستتابة في التاريخ الاسلامي.. هذا الكاتب الياباني، لم يكن سوى "شوساكو اندو"، الذي اكتشفه سكورسيزي أيضا في وقت مبكر، و تحدث عنه منذ تسعينيات القرن الماضي، مع أن مخرجنا له مشكل مع المسيحية يظهر بجلاء في أغلب أفلامه، فقد تخلى عن الايمان وهو داخلها، الا أن هذه القصة مست فيه وترا و أثرت فيه، ليس لأنه مسيحي سابق، و لكن لأنه.. كان انسانا دائما..