تقدم مسرحية "بوتيت"، التي عرضت مساء أول أمس الجمعة بالدار البيضاء، دراما سيكولوجية تكشف زيف المظاهر في عالم تختل فيه المقاييس ويغيب فيه الإدراك الصادق. وتنطلق هذه المسرحية، التي كتبها كل من الشابين هند الودغيري ومحمد أمين آيت حمو، وإخراج هذا الأخير، من حكاية مجتمع يعيش فيه الفرد منفصلا عن العالم والناس، تحدوه رغبة شرهة في امتلاك عالم مزيف تحتل فيه المظاهر الخادعة مركز الصدارة. وتحكي مسرحية "بوتيت" قصة شاب يدعى "بوتيت" الذي يشعر أنه سجين البيئة التي يعيش فيها، ليقرر قطع كل الروابط التي تجمعه بالعالم وبأسرته عندما طلب منه والده أن يتبع خطاه ويشتغل في الشرطة. ويشكل فضاء الخشبة امتدادا للفضاء الاجتماعي عبر خلق صور رمزية واعتماد لغة بصرية للجسد الراقص والصورة والصوت، بالإضافة إلى جعل الملابس أقنعة تدخل المشاهد في عالم غير واقعي يحدث مسافة بينه وبين المسرحية، ليتمكن من رؤية الأمور التي تعود على رؤيتها بشكل مختلف. ويتكون العمل الإبداعي، الذي قامت مؤسسة توريا وعبد العزيز التازي بدعمه، من أربع لوحات، حيث يظهر تطور الوضع على امتداد العرض وجه كل شخصية، إذ نجح الممثلون في تقديم أدوراهم في قلب وضعيات عبثية بشكل طبيعي وسلس. وقد اعتمد كاتبي هذا العمل على الطابع السيكولوجي للشخصيات، انطلاقا من السلطة التي يجسدها الأب و رغبة الإبن في عدم الخضوع لهذه السلطة، لتحاول الأم أن تجد حلا لهذا الوضع المربك بطلبها المساعدة من مقدمة أحد البرامج الاجتماعية بالتلفزيون التي وافقت على تقديم المساعدة لهذه الأسرة. وهكذا انخرط أفراد الأسرة بحماس في التحضير لزيارة صاحب البرنامج الاجتماعي بتجميل غرفة الضيوف من أجل أن يظهر أفراد الأسرة في أحسن صورة على شاشة التلفاز. و في ظل هذا السياق المفعم بالتوتر كان من الطبيعي أن ينشأ صراع غير متوقع بين الشخصيتين تمخضت عنه مواقف حاسمة وضغوطات نفسية كبيرة. وشكل المنزل باعتباره مساحة للعيش فضاء دراميا يحتضن الممارسات اليومية المرتبطة بالمخيلة الجماعية، بالنظر عن قرب إلى هذا الواقع المزيف والرموز والعادات. وفي هذا الصدد، أوضح الكاتب والمخرج أمين آيت حمو، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المسرحية تتطرق إلى انعدام التواصل بين أفراد الأسرة المغربية، إذ يعيش كل فرد في عالمه الخاص، في عزلة اختيارية، لتصبح علاقاته بالأشياء أكثر حميمية وعمق من علاقاته الإنسانية. وأضاف أن المسرحية تتطرق إلى المرحلة الانتقالية التي طال أمدها ما بين المجتمع التقليدي المثقل بالعادات والمجتمع الجديد الذي يقوم على قيم الرأسمالية والفردانية، مبرزا أن "بوتيت" بطل المسرحية يشعر بالضياع و يجد نفسه موزعا بين سلطة الأب الذي يمثل التقليد و بين الرغبة في تحقيق استقلاليته والتحليق بعيد عن فضاء الأسرة. وفي معرض حديثه عن التقنيات التي استعملها في إخراج المسرحية أوضح السيد آيت حمو أنه وظف السنوغرافيا والإضاءة والصوت والملابس والموسيقى لخدمة فكرة المسرحية وإبراز بعدها الدراماتيكي الساخر. وأضاف المخرج، في هذا الصدد، أنه تم الاعتماد في هذه المسرحية على الفنون البصرية والرقص والمؤثرات الصوتية، لتصبح بذلك الخشبة فضاء لتحويل مشاهد الحياة العادية إلى لوحات رمزية، مضيفا أن الملابس بسورياليتها تخلق التضاد بين المتفرج وشخصيات المسرحية، من خلال اعتماد مقاربة سينمائية أكثر منها مسرحية.