لعل أول ما يستدعي الانتباه في عرضي أول أمس «تاماتارت» و«طايطوشة» هو هذا الجنوح إلى الاقتباس عن كاتبين كبيرين من عيار ثقيل في الثقافة العربية الإسلامية، الأول هو الكاتب التركي عزيز نيسين الذي تعامل معه المخرج كريم لفحل الشرقاوي وحوله إلى نص أمازيغي في محاولة من الشرقاوي لإيجاد رابط بين القيمة الأدبية الكبيرة لنيسين وبين المضمون الإنساني لأعماله الروائية والمسرحية، وبين نزوعه التركي المعروف أو لنقل مناصرته الأكيدة للقضية الكردية، وبذلك يرمي كريم لفحل الشرقاوي بعيدا حين يستحضر كاتبا من هذا العيار وبذلك الزخم الذي يميزه كأطروحة سياسية. تحكي مسرحية «تاماتارت» عن جشع وشيطانية عمدة البلدية في المنطقة الأمازيغية غير المعينة، المتحامل على البطل القومي الذي حارب في الجبهة، والذي عاد ليسرق الأضواء من عمدة متبجح، ليكتشف في النهاية أن البطل نفسه مجرد محتال. وفي محاولة للتخلص من البطل يقيم العمدة بالاتفاق مع رئيس المجلس البلدي احتفالا رسميا كبيرا تكريما لصديقيهما البطل الأسطوري « حمو» الذي أبهر الناس ببطولاته وصولاته الخارقة في ساحة الحرب التي انتهت بسقوطه شهيدا بعد أن قهر الأعداء وأذاقهم مرارة الهزيمة. ولأنهما حصلا على منصبيهما كنتيجة للشعبية التي استمداها من علاقتهما بالبطل «حمو» أثناء الحرب، فقد قررا الاستمرار في استغلال هذه الشعبية عبر تحويل بيت «حمو» إلى متحف ورفع الستار عن التمثال الذي نصب له في أهم ساحات المدينة وبحضور الأهالي وكبار مسؤولي الدولة. المفاجأة ستكون هي عودة «حمو» الذي يعترف بأنه لم يكن يوما بطلا وأن انخراطه في الجندية لم يكن سوى للهروب من جبروت زوجته. أدرك الرجلان أن تقديم «حمو» للمحاكمة هو إعدام للأسطورة التي تلهم ذاكرة الأهالي ونسف للامتيازات التي يستمدان مدلولها من السلطة الرمزية لهاته الأسطورة، لذلك حاولا إقناع «حمو» بالرحيل عن البلدة بالضغط عليه تارة وإغرائه بالمال تارة أخرى وسيتم توظيف زوجته التي ستفقد هي الأخرى الامتيازات التي حصلت عليها إن افتضح أمر زوجها. لكن أمام إلحاح حمو على المكوث بالمدينة لرؤية أولاده قبل الرحيل لم يجد العمدة بدا من التخلص منه ما دام موته سيضمن الحياة للأسطورة التي يجسدها تمثال جامد لن يستطيع يوما التلفظ بالحقيقة. هذه القصة التي يقدمها سنوبسيس العرض كان من الممكن أن تذهب بعيدا، لو تم تركيز العرض في الخط الذي سار عليه في المشهد الافتتاحي، ولو تم الاستغناء عن «فتاة الربط»، التي بدت وكأنها مقحمة في النسيج العام للمسرحية، وتحولت فرنسيتها في مسرحية ناطقة بالأمازيغية إلى نشاز. هذا المسرح الناطق بالأمازيغية يحاول بالكاد أن يوجد، كهوية فنية ضمن التنوع المنتج للمسرح المغربي. لكن عموما يمكن النظر إلى عرض كريم لفحل الشرقاوي باعتبارها جرأة في الذهاب نحو تربة مسرحية جديدة، هو الذي ألف التعامل مع نصوص عربية خالصة. في عرض الاقتباس الثاني، حاول المخرج حفيظ البدري من خلال مسرحية «طايطوشة» والتي تعني الأرجوحة، أن يجاري العالم الذهني الخلاق للمسرحي العربي سعد الله ونوس، في مسرحية عكس من خلالها ونوس التمزق الذي نعيشه في عالم مليء بالصفاقة، والبذاءة، وفي ظل مجتمع أعمى وأمي لا يعترف بالحرية الفردية ولا بالمعنى المثالي للحب وللقيم الرفيعة. فحين يختار كل من الكاتب والفنانة التشكيلية الهروب من عالم الناس ومن سلطان الأسرة والواجب الاجتماعي، يواجهان بسلطة المجتمع وحشريته مما يقضي على أحلامهما في توقيع سلام مع عالم مجنون. على مستوى التمثل السينوغرافي، يبدو أن العرض كان ناجحا كفضاء سينوغرافي، المظلة والشارع العام ومقدمة وخلف الخشبة وعمود الكهرباء والمتطرف والكراسي اللاصقة وموسيقى المشاهد، واللعب في مساقط الضوء، كل هذا كان يوحي بأننا أمام عرض مسرحي من طراز محكم، وبالأخص في المشاهد التي غير خاف فيها حضور لمسة «الوامن شو»، نذكر هنا المشهد المنفصل الميمي للأصولي المتطرف، مشاهد الحديقة، الحركات الميمية لعامل النظافة، الحركات الأكروباتية لهشام بودواية.. وكل هذا يؤكد على نضج عرض، لولا أن الإيقاع قد خانه في عدد من المشاهد وفي الحوارات الطويلة ذات الطابع السيكولوجي والتي كانت تحتاج من المخرج ومن الممثل حفيظ البدري إلى جهد كبير رفقة زميلته في دور الرسامة، وتلك صعوبة متأتية من نص سعد الله ونوس نفسه، المفتوح نفسية على تكوينات نفسية بالغة الغور. ليس صعبا أن نقتبس، وليس عيبا تماما، ولكن التحدي هو أن نعرف كيف نقتبس ولماذا، وكيف نحول هذا الاقتباس إلى إبداع عروض اليوم < تعرض اليوم مسرحية «سالى الطرح» لفرقة مسرح «أسيوان»، ففي فضاء قفر، متلاش معلق بين الأرض والماء «هام» جلاد أعمى وكسيح يتلذذ بعذابات ضحاياه. «ناك» أبوه و«نيل» أمه داخل صندوقي قمامة «كلوف» ابنه لا يستطيع الجلوس يتأرجح بين الرحيل والبقاء. يمر الزمن في دورته العادية نحو النهاية نهاية اللعبة ونهاية اللعب. يجد «كلوف» نفسه قد شاخ وتقوس ظهره. المسرحية من ترجمة وإخراج: عبد العاطي لمباركي وسينوغرافيا رشيد الخطابي إضاءة نور الدين غانجو. وتشخيص: سعيد آيت باجا- آمال بنحدو- كاضمي كمالو، عبد العاطي لمباركي. < وتعرض في نفس اليوم مسرحية «أتشاش» لمسرح ومضات من أكادير وتحكي عن عميان يجرون الشمس بخيط رغبة، وكرسي جاثم وسط الدهشة، من يجرؤ على شتمة الضوء؟ امرأة طاعنة في وسخ وطني تفتح صدرها مشرعا للأغاني وأعمى يرى في خاتمة الوجع ما يستحق الحلم، ثمة أعرج أيضا متأكد حد يقين متخم بالكذب أن وراء البلاد شمسا كالحة. المسرحية من تأليف: رشيد أوطرحوت – عمر سحنون. وإخراج: عمر سحنون. السينوغرافيا: أحمد حمور- خالد المذكوري. إنجاز الملابس: مريم منيري الموسيقى: الحبيب عيار. ومن تشخيص: إسماعيل العنطرة - سهام حراكة - سيف الدين آيت موسى - العربي الحمدي- مصطفى خونا.