تنطلق الممارسة المسرحية الأمازيغية من منجز وتراكمات المسرح المغربي في لغاته الدارجة أو الفصيحة. وتعرف هذه السنة، وفق هذا المعيار، إقامة مهرجانات للمسرح الأمازيغي في الرباط والناظور وأكادير والدار البيضاء، في ظاهرة ربما تسترعي الانتباه لكثافتها وتواترها، كما أن عدد الفرق المسرحية الأمازيغية في اطراد كبير، مما يدفع إلى متابعة هذا المنجز الفني ومدى فعالياته واستفادته من التراكم الذي حققه المسرح المغربي عامة. من نماذج هذه المسرحيات مسرحية «تيلاس» لفرقة «تافوكت»، وهي من تأليف أبو علي مبارك علي، وأعدها إلى الأمازيغية محمد بن سعود، وعمل على إخراجها الفنان خالد بويشو. وهي مسرحية تراجيكوميدية، تدور أحداثها في إحدى البوادي المغربية، حيث تشاء الصدف أن تتوفر القرية على ضريح مجهول الهوية لا يعلم كنهه إلا شخصان اثنان اتفقت مصالحهما على تضليل كل أهالي القرية، حيث يتم اعتماد أساليب جهنمية من أجل الربح ولا شيء غيره مع ممارسة كل ما يشين للوصول إلى الأهداف. وفي قلب الخرافة والإرهاب الفكري، تميط المسرحية اللثام عن عدة ممارسات يمجها الذوق السليم والإنسان العاقل بغية الإسهام في تنوير العقل الجمعي. وعليه، فإن العرض عبارة عن بحث، من خلال الفرجة، عن الحقيقة المتشحة بسواد الجهل والشعوذة. في عمق اللعبة الكبرى، يتم التنقيب لكشف نواة الاستغلال والجشع وللإسفار عن وجه الإرادة المضادة من أجل تخطي اللاوعي والترسبات المنهجية ليس فقط فوق ركح الخشبة بل في خضم المسرح الأكبر حيث المتلقي. وتأسيسا على ذلك، تم الاعتماد في صياغة إيقاع المسرحية على درجات متفاوتة من السرعة، بحيث تتلاحق الأحداث ضمانا لفرجة مشوقة وعميقة تمنح للتلقي متعة الاكتشاف من البدء إلى إسدال الستار. إن الزمن من خلال منظور التصور الإخراجي يعتبر وقتي التدرج أي طبيعيا على اعتبار أن المكان مفتوح في الغالب الأعم بما أننا جعلناه نقطة التقاء/ولادة درامية جديدة كل حين، تلامس مفهوم الاحتفال كشكل فني اخترنا الاشتغال عليه. كما أن لكل مشهد موضوعه كلبنة خاصة تصب في الاتجاه العام، وذلك كأهداف صغرى منتقاة بدقة بغية إغناء الحبكة الدرامية والإجمالية للعرض وأهدافه ككل وصولا إلى الهدف الأسمى كرسالة بما يعنيه خط الفعل المتصل. مسرح «نون» في الخميسات قدم هو الآخر هذا العام مسرحية باللغة الأمازيغية بعنوان «تامارات» أي «المعلمَة»، للمخرج كريم لفحل الشرقاوي. يكتب الشاعر رشيد ازروال عن العرض «الجسد سلطة على العيون. الجسد حياة العرض. الجسد روح المسرح. لن أكون مغاليا إن قلت إن الإبهار تحقق في «تامارات» «المعلمة»، العمل الجديد لفرقة مسرح «نون»، لست وحدي من يعلن ذلك، مهرجان شالة أعلن ذلك بعيون النقاد والجمهور والإعلام والمسرحيين أنفسهم. جديد مسرح «نون» كان مبهرا حقا، لذلك حصد الجوائز الخمس للمهرجان «الجائزة الكبرى – جائزة الإخراج – جائزة التشخيص ذكورا – جائزة التشخيص إناثا- جائزة السينوغرافيا»، عرض استوحى فكرة التمثال وحكاياه من نص عزيز نيسين، الكاتب المسرحي التركي الشهير، ذلك التمثال المسمى «جارا» البطل الحقيقي الذي يحارب بشموخه وقوة خلوده مفهوم البطل المزيف «العمدة» وتلك البهرجة التي تريد أن تصنع من جبان شجاعا. «جارا» الذي أتعب المزيفين ومزوري التاريخ. التمثال جسد والكوريكرافيا صنعت أجسادا متماهية معه في العرض، لذلك كان المشهد الأخير دراميا مشحونا بحوار تراجيدي بين «جارا» وزوجته المكلومة/الفاتنة التي تناجيه حرقة وتبرئ ذمتها من غيابه وفكرة «موته» التي عششت في دماغها، ولوحة الختام الراقصة جعلت تماثيل الحضارات تتجاور (هندية – إغريقية- رومانية قديمة..) لأن التمثال حضارة، التمثال شاهد العصور الغابرة. تامارات وضع المسرح المغربي الناطق بالأمازيغية على عتبات النصوص الكبرى. العرض تخلص من تلك الكليشيهات التقليدية (أدوار حماد ومحماد أو الشيخات اللصيقة بالثقافة الأمازيغية تعسفا)، استعان العرض بمكوناته المتعارف عليها عالميا من تعبير جسدي وموسيقي مندمجة وإنارة موحية وسينوغرافيا دالة.