أثارت فرقة «نحن نلعب للفنون» المغربية تنويه لجنة التحكيم بمهرجان المسرح العربي بالرباط، الذي انتهت فعالياته نهاية الأسبوع الماضي. إذ اعتبرت اللجنة أن مسرحية «بين بين» للفرقة المسرحية المغربية استوفت الشروط المحددة لنيل الجائزة. المسرحية التي تم عرضها على خشبة مسرح محمد الخامس تعتبر امتدادا لمسار «اللعب التجريبي» الذي اختارته فرقة «نحن نلعب للفنون» بوعي قوامه أن اختيارات الإنسان في الحياة لا تكون دائما ذات معنى أو هدف. تتشكل مسرحية «بين بين»، التي هي من تأليف طارق الربح ومحمود الشاهدي، وإخراج محمود الشاهدي، والتي سبق لها أن حازت على الجائزة الكبرى لمهرجان المسرح الاحترافي بمكناس، من مجموعة من اللوحات المسرحية التي تستنطق مكنونات الذات الإنسانية، التي تراوح «بين» الحب و»بين» والكره، و»بين» اليقين و»بين» الشك، و»بين» الاندماج و»بين» الاقصاء.. وقد نجح فريق العمل في الربط بين تلك الحالات وتلك اللوحات بإشعال الخشبة بالموسيقى والرقص. تركز اللوحة الأولى على إشراك الجمهور في العملية الإبداعية عبر دفعه إلى تخيل عوالم ومسارات يمكن تحققها على الخشبة وفي «مسرح الحياة»، لتليها الوصلات الغنائية واللوحات التي تعرض لمجموعة من التيمات كالهجرة والغربة، وإشكالية الأنا والآخر. عن ذلك يقول مخرج المسرحية محمود الشاهدي: «مسرحية «بين بين» تتناول لقاء الثقافات بشكل عام وموضوع الهجرة بشكل خاص، وتتطرق إلى مسألة التعايش عن طريق تواجد شخصيات في فضاءات مغلقة. هذه الشخصيات لديها حمولة ثقافية مختلفة، الشيء الذي يجعلها تنخرط في صراع وتستطيع أن تخلق تواصل فيما بينها». فرقة كلاندستينو التونسية، التي قدمت عرضها المسرحي «الماكينة» (من تأليف وإخراج وليد الداغسني) على خشبة مسرح المنصور بالرباط، ارتأت أن تبدأ من سؤال: «ماذا لو كان كل من على سفينة يواجه الأنواء. ماذا لو سرق محرك السفينة؟ ماذا تفعل التحالفات الحاكمة في السفينة؟ وماذا سيكون مصيرها؟ من خلال المشاهد الأولى للمسرحية تتأكد رمزية السفينة، التي يرمز بها إلى تونس التي ما زالت تتلمس طريقها إلى الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات والحق والقانون. وتحاول المسرحية، التراجيكوميدية، تقديم لوحات ساخرة وصارخة عن المفارقات التي عاشتها تونس ومازالت تجرها معها حتى بعد قيام ثورة الياسمين. العرض التونسي الثاني «كلام الليل. صفر فاصل»، الذي اختتم فعاليات المهرجان العربي للمسرح، بقاعة مسرح محمد الخامس، والذي حمل توقيع المخرج التونسي الكبير توفيق الجبالي، تأليفا وإخراجا، لم يحد عن هذه التيمة، وإن بدا أنه يغوص في عوالم الحياة والموت: «حين تستفيق من موتها الجثث في المشرحة، فإن عالما بكامله يبدأ في التجول في أروقة الحياة بثياب الموت». إلا أن الإشارات المكثفة لتطلعات التونسيين إلى مجتمع يتجاوز أخطاء الماضي ويسائل سياسات الحاضر رافقت الممثلين (الموتى) إلى المشرحة فأخضعوها، كما خضعوا، هم، للتشريح. يقول الجبالي ل»المساء»: «مسألة الاستبداد والعدالة لا تزال تشغلنا، وإن كانت لم تؤثر على المسرح التونسي الذي عرف طيلة مساره كيف يتحايل على الديكتاتورية والاستبداد المقيت».