تشكل ولادة اللوحة المتميزة عند الفنانين التشكيليين تمرة عصف فكري متواصل وسيلته الإحساس المرهف وغايته الإبداع والجمالية والمتعة التي تربط الصلة بالملتقي وتخاطب وجدانه بتلقائية وعفوية، ذلك هو المفهوم الذي يؤمن به التشكيلي المغربي بوشعيب خلدون ويسعى لإسقاطه في لوحاته وأعماله الفنية بكل تجرد وبالعفوية التي تميز شخصيته. وقد تمكن إبن الدارالبيضاء فعلا من ولوج العالمية من أبواب الفن التشكيلي الكليغرافي، بتدشينه مؤخرا انطلاقا من لندن محطة أخرى في مساره الاحترافي مع الريشة بعد تتويج لوحته (الرسول محمد صلى الله عليه وسلم) بجائزة أحسن عمل عالمي عربي برسم سنة 2016 و ذلك ضمن المسابقة التي نظمتها المجموعة العربية للفن العالمي في العاصمة البريطانية، في صنف المدرسة التجريدية. ويعتبر هذا المبدع، في حديث يكشف إلمامه بتفاصيل التشكيل والفنون كافة، أن لغة التشكيل تختلف عن لغة القول والكتابة وكل أصناف الفنون الأخرى، ف"انطلاقا من اللون إلى الأشكال فالفضاءات يمكننا أن نخاطب في الإنسان إحساسه، ونجعله يعيش فترات من الحوار الثنائي مع هذه الألوان والأشكال بكل تفاصيلها وجزئياتها، يعيش مع لحظة ولادة العمل الفني، الذي ما هو إلا حمولة ثقافية متعددة الأبعاد" على حد قوله. وأضاف أن الجانب "الاستيطيقي للعمل الفني يكون حاضرا بقوة، وهو ما تفرضه علينا اللغة التشكيلية لأن ما نعيشه خارج إطار اللوحة ينعكس في العمل الفني، رغم أننا خلال العملية الإبداعية ننسلخ من حسنا الإدراكي إلى عوالم أخرى، يختلط فيها اللاشعور بالوجدان، وبخزان مداركنا ومعارفنا وموضوعات الساعة، وهي مسألة في نظرى متوازية". و بالتالي يصل بوشعيب خلدون الى قناعة مفادها أن "الفن يبقى فنا و الابداع إبداعا ما دامت الريشة الصادقة تبحث دوما عن أجوبة لحلول العملية الابداعية التي هي اصل الفن"، مبرزا أن الابداع "هو منظومة جمالية متلازمة الاطراف يكون الفنان فارسها". عشق خلدون للون والشكل والوطن واللغة والحروف والرموز يجعله يسافر كثيرا ولو للحظات من الزمن في عالمه، لأن الرحلة هي امتداد للبحث و الاطلاع على ثقافات أخرى تدفع المرء، يقول خلدون ،"ليكون سيد فنه، (..) وانطلاقا من المحلية تبرز لنا العالمية بجلاء". وبحسب المهتمين بالمسار الفني لهذا المبدع، فإن أعمال خلدون كغيره من التشكيليين المتميزين تخضع كثيرا لنزوعه الذاتي، إذ تتحول فضاءاته التشكيلية الى إبداعات سردية يفسر خلالها عناصر لغته البصرية من خلال إنتاج تأثير شعوري خاص عبر إنشاء مشاهد تمثيلية، وتحقيق حالة الدهشة لدى المتلقي،ليصبح المنجز الجمالي عنده هو الغاية لا الوسيلة. ويصفه الأكاديمي والفنان التشكيلي العراقي تحرير علي بأنه "واحد من العلامات المهمة في الواقع التشكيلي العربي المعاصر، إذ يمثل بزوغا للفن الملتزم عبر ثوابت الجمال ولغة تشكيلية معاصرة على مستوى الابداع لا الاستنساخ تنهل من الماضي لتجعله جمالا للحاضر"، مبرزا أن بوشعيب خلدون "يعمد في منجزه الجمالي إلى كتابة الابداع أو المشهد الجمالي وفق لغة مرئية قوامها الخط والشكل واللون والظل والنور".