نجوى الحساني التائب وضع الفنان التشكيلي المغربي أحمد العمراني بصمته الخاصة ضمن التجارب التشكيلية المغربية المعاصرة، بتبنيه خطاباً بصرياً قوامه لُغة جمالية مُغايرة واختياره أسلوبا متجددا وجريئا، فمنذ تواجده في الساحة التشكيلية، أثار ردودَ فعل تحمل مشاعر الدهشة وتتوج بالإعجاب في فترة كان الفن التشكيلي المغربي يمُر فيها بمراحل التشكل والتبلور وإثبات الذات.. يُعبّر العمراني عن الواقع بأسلوبه المُغاير وبلغة تقرّب العلاقة بين عين المتلقي وبين المضمون، ويستند على أرضية أكاديمية صلبة جعلته يحدد الرؤيا لصنع واقع إبداعيّ يجمع سبل التلاحم من خلال حالات التأمل والتحريض على تنشيط الذاكرة وتشكيل الحُلم الأزليّ، بما يحمله من أمل ما يزال يراودنا كُلما اصطدمنا بالواقع الصعب الحالي في الحياة.. تنبعُ إبداعات العمراني من واقع يؤكد فيه انتماءه الصادق إلى بيئته الأندلسية المغربية وعشقه «بنتَ غرناطة»، تطوان، وتشبثه العميق بهُويته المغربية. كما أن المرأة حاضرة بقوة في أعماله، لأنها تعطي قيمة عالية للحياة. كما جسّد الحراكَ الشعبي المغربي في إطار «الربيع العربي» بمصداقية ومسؤولية وبتقنية هلامية وضبابية، حيث يرى الفنان نفسَه في كل إبداعاته كإنسان يعيش على هذه الأرض وله حساسية مُرهقة وسريع التأثر بالواقع المُر الذي يعيشه الكائن الإنسانيّ في هذا الزمن صعبِ المراس. طغيان اللونين البُني والأزرق السماوي في لوحات الفنان العمراني مردهما إلى كون الفنان التطواني تعايَش مع الموروث الأندلسيّ راسخ الجذور في المدينة بشكل خاص، وفي منطقة الشمال المغربي بشكل عام.. كما أن للفنان العمراني ارتباطا وثيقا بفن الصناعة التقليدية لتطوان، واقترب كثيرا من الطريقة التي يصبغ بها الصناع التقليديون أعمالهم، وكذلك الشأن بالنسبة إلى اختيارهم الألوانَ التي يصبغون بها الخشب والمخطوطات والزجاج، باستعمالهم المواد الطبيعية، كالرمان والزعفران ومواد أخرى. ساهم الفنان العمراني في الحركة التشكيلية المغربية في خمسينيات القرن الماضي ضمن أسماء تشكيلية مغربية أعطت -وما زالت تعطي- وتُمارس إبداعها لتحقيق الهدف الأهمّ والأسمى، هدف رقعة الفن التشكيلي المغربي والأخذ به نحو المُنافسة والحضور في المنتديات العالمية، فالفنان العمراني يعمل بصمت، فارضاً وجوده الفعليَّ على الساحة التشكيلية العالمية بمشاركاته القوية في ملتقيات ومعارض دولية، إضافة إلى تأكيده حضورَه القويَّ محليا والارتقاء بمذهبه الفني وتقريب مفاهيمه وأبعاده لمن يستحق أن يُشاهده ويتفاعل معه. مثلما يُعانق العاشق معشوقته الأبدية، عانق العمراني لوحاته وفنَّه، الذي ينبضُ بما يحسه، فقد عاش لأجل الرسم والفن التشكيلي بالذات، لكي يجسد من خلال إبداعاته، أعمالا تثير مشاعرَ مشاهديها. اهتم العمراني بمعاناة الإنسان وبصراعه مع الحياة، ورسم أجسادا ووجوها هلامية بألوان باردة يطغى عليها لون التراب ولون السماء، في تمازج واضح بين الأرض والسماء.. لقد وجد العمراني في الحداثة التعبيرية ملاذاً آمناً لمزاولة الرسم ومرتعاً خصباً لتفريغ شحناته الانفعالية على فضاء اللوحة وطريقاً مفتوحاً للبوح البصريّ، المفتون بالتعبيرية التجريدية، ممعناً في تبيان البساطة الوصفية منذ أكثرَ من نصف قرن. يوصف العمراني، دائما، بأنه أحدُ رواد الفن التشكيلي المغربي المؤثّرين في الساحة التشكيلية العربية والعالمية وبأنه أحد الحاملين لرسالة فنية سامية وراقية، وهو، فوق هذا وذاك، أستاذ وفنان مُميز، يقدم تجاربه إلى أنامل الأجيال الجديدة بكثير من التفاني ونكران الذات، وساهم في مسيرة الفن التشكيلي المغربي تأسيساً ونتاجَ تجربة شخصية حقق بها أسلوباً جعله في مصافّ الفنانين الرواد.. واعتبارا لكون الفن التشكيلي يسكُن وجدانه، فإنه منذ أن بدأ في التعامل مع اللوحة يضع في اعتباره المنطلقات الحقيقية التي يبني بها كل فنان صادق ملامح طريقه وتحديد مسار هدفه اعتماداً على مرجعيات عديدة، منها الواقع البيئيّ والاجتماعي والثقافي، إضافة إلى امتلاكه القدرة على إدراك ما وراء كل خطوة من انتقال من محطة إلى محطة أخرى أكثر مُعاصرة. يفضّل الفنان العمراني إطلاق العنان لأحاسيسه وانفعالاته وعواطفه، فهو يتعامل مع مراحل متصلة ومتواصلة، حيث لا يمكن أن يكتمل العمل في حال توقف إحداها، ابتداء من المؤثر الخارجي، أيا كان نوعه، مروراً بالفكرة، ووصولاً إلى الأدوات.. مع ما يتبع الأداءَ من انفعالات التنفيذ، لِما لتلك الانفعالات من أثر وتحكم بشكل مباشر في إنتاج العمل الفني صادقِ الإحساس، وإنهائه بالشكل الذي يؤهله لتوقيعه وعرضه. توازياً مع ما يحدث في الفنون التشكيلية العالمية، يتمتّعُ الفنان أحمد العمراني بحس راقٍ في تعامله مع محيطه الإنساني ومع ّإبداعه التشكيلي، ويحمل في وجدانه همّاً ذاتياً وكونياً في آن واحد. مارس العمراني فن الرسم منذ وقت مبكر، وبالضبط منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، وهو يُصنَّف ضمن رواد الفن التشكيلي المغربي، كما أنه من مؤسّسي «معرض الربيع»، الذي ذاع صيته محلياً ووطنياً ودولياً. كما ساهم في المشروع الفني الشهير «راس الحانوتْ».. مهتمة بالشأن الثقافي