ودعنا الأسبوع الماضي المخرج المغربي عبد الله المصباحي عن سن يناهز الثمانين سنة، وعن عمر فني سيستمر بعده الى ما شاء الله. يوصف عبد الله المصباحي ب"عميد المخرجين المغاربة"، ليس فقط لأنه ينتمي للجيل المؤسس للسينما المغربية في فترة ما بعد الاستقلال، و ليس فقط لأنه مخرج ومنتج وكاتب سيناريو اقتحم الميدان مبكرا، لا، ما يجعل هذا اللقب مستحق بالنسبة لعبد الله المصباحي، رغم أن هناك من يتحفظ عليه دون سبب مقنع، هو أنه المخرج المغربي الوحيد الذي تجد في أفلامه نجوما عالميين، عربا و أجانب، و هو المخرج المغربي الوحيد الذي تجاوز عدد أفلامه السينمائية العشرين فيلما دون أن يطلب دعما من الدولة، عكس كثير من الكسالى، وهو المخرج المغربي الوحيد الذي دخل التاريخ بأغلى انتاج سينمائي أداره مغربي عن فيلم يعالج قضية دولية، ونقصد هنا فيلم "أفغانستان لماذا؟"، بكلفة انتاج ناهزت 25 مليون دولار، و هو المخرج المغربي الوحيد الذي تنبأ بتحلل "الاتحاد السوفياتي" مباشرة بعد انسحاب قواته من أفغانستان، وهو المخرج المغربي الوحيد الذي كان يفهم في السياسة ويعكس وجهة نظره في أفلامه بين أبناء جيله، سواء تعلق الأمر بأفغانسان، بفلسطين، أو بالصحراء المغربية، وهو المخرج المغربي الوحيد الذي عبر فنيا بجرأة سياسية، سواء اتفقنا مع وجهة نظره أو اختلفنا معها، و تحمل تبعات جرأته التي تمثلت في منع فيلمه من التداول أو التضييق عليه حتى لا يتم توزيعه على نطاق واسع، وهو المخرج المغربي الوحيد الذي تم منع فيلمه لأزيد من ثلاثين سنة لأسباب دولية و ليست محلية، و هو المخرج المغربي الوحيد الذي اقترح عليه المنتجون التصوير في باكستان فرفض و اختار تطوان، و هو المخرج المغربي الوحيد الذي صور لقطات بألف شخص أو يزيد و كان راتب الكومبارس عنده في الثمانينات 500 درهم في اليوم، وهو المخرج المغربي الوحيد الذي لديه نسختين لفيلم واحد، الأولى أصلية و الثانية محينة على ضوء التغيرات العالمية، و هو المخرج المغربي الوحيد الذي أعطى لأكثر من فيلم من أفلامه عنوانين، وكان العنوان الأول للشريط السينمائي الذي أرخ لغزو أفغانستان من طرف السوفيات و أزعج مخابراتها التي حاولت التدخل لمنع التصوير أو توقيفه، هو "أفغانستان لماذا؟"، و الثاني "أفغانستان الله و أعداؤه"، و هو المخرج المغربي الوحيد الذي مثل معه، الى جانب المغاربة، المصريون و اللبنانيون و التونسيون و الفرنسيون و الأمريكان.. دون نسيان النجمة اليونانية إيرين باباس.. في ستينات القرن الماضي، كان عبد الله المصباحي هو من شجع التلفزة المغربية على انتاج أول فيلم سينمائي، عبارة عن ملحمة غنائية عن المقاومة المغربية (حديث الأجيال)، ومع بدايات التلفزة المغربية، كون فريقا من التقنيين لتطوير الأغنية في التلفزيون وأدخل فيها روح الحداثة وكان سباقا في اخراج أغاني "الكليب"، قبل ظهوره عند الغربيين باستثناء أمريكا، كما أنتج و أخرج أفلاما غنائية استعراضية، و لو حصل تراكم في تجربته و توسعت مدرسته لكان الفيلم الاستعراضي المغربي اليوم في أوج تطوره. أيام تواجده في القاهرة، بدأ انتاج فيلم "سأكتب اسمك على الرمال" للكاتبة المغربية حفيظة العسري، و كان من بطولة سميرة سعيد وعزت العلايلي في نسختين (مرة أخرى)، نسخة مصرية، ونسخة مغربية بعنوان "أرض التحدي"، عن المسيرة الخضراء والوحد الترابية المغربية وكفاح الملك محمد الخامس والشعب المغربي في سبيل الحرية. اشتغل عبدالله المصباحي على أعمال أدبية مغربية لكنها لم تر النور سينمائيا، مثل قصة "المعلم علي" لعبد الكريم غلاب، حيث رشح عادل إمام ليقوم بدور البطولة، وكذلك قصة لأحمد عبد السلام البقالي بعنوان "سأبكي يوم ترجعين"، وكان في برنامج مشاريعه لسنة 2015-2016، روايات مغربية من قبيل "الخبز الحافي" لمحمد شكري، و"المرأة والوردة" لمحمد زفراف، و"لعبة النسيان" لمحمد برادة.. إزداد المخرج المغربي عبد الله المصباحي في مارس 1936 بمدينة الجديدة، وهو حاصل على الإجازة في العلوم الاقتصادية من جامعة فريبورغ (سويسرا)، وماستر الدراسات العليا السينمائية من المدرسة العليا للسينما بباريس، وإجازة في الأدب تخصص تاريخ الشعوب من جامعة السوربون بفرنسا، أخرج العديد من الافلام التسجيلية ، والبرامج الاذاعية، والمسلسلات، كانت أول أعماله من خلال المسرح عام 1960 هي مسرحية (Le Berber).. كتب للإذاعة المغربية 25 رواية إذاعية، كتب وأخرج للتلفزيون المغربي ما يناهز 250 عملا (أفلام ، برامج منوعات ، مسلسلات..)، كتب وأنتج 7 أفلام تلفزية عن المرأة المغربية، كتب وأخرج 16 فيلما قصيرا.. تخرج عبد الله المصباحي من المدرسة العليا للدراسات السينمائية بباريس سنة 1956، وكان عمره أنذاك عشرون سنة، اشتغل في فرقة المسرح الوطني الفرنسي، تعرف على العملاق أرسون ويلز في وقت مبكر، كان عضو لجنة تحكيم مهرجان برلين الألماني مع المخرج الشهير كينغ بيدو، ومديرا لمركز التعاون العربي الدولي في الميدان الثقافي بدبي (1976 – 1978)، وعضو الأمانة العامة الدائمة لرابطة العالم الاسلامي بمكة، كما تقلد عدة مناصب أخرى منها مدير عام الوكالة المغربية للأفلام فرع المغرب للشركة الدولية فرانكوريكس فيلم باريس (1957 -1958)، مدير إدارة المصنفات السينمائية ورقابة الأفلام بوزارة الإعلام (1960)، مدير وكيل للمركز السينمائي المغربي (1963)، مدير المركز الوطني للفيلم (1959) بالمغرب، رئيس الاتحاد السينمائي العربي بالقاهرة (1978-1980)، مدير و رئيس تحرير مجلة رسالة الفن والأدب والسينما (1961)، رئيس تحرير مجلة الأخبار (1962).. وله عدد من الكتب منها: "اغتصاب في مخيمات العار"، "أفغانستان الحرب الأخرى"، "حلقات من سيرتي الذاتية" بجريدة الشرق الأوسط وجريدة "الميثاق".. أنجز الراحل في مسيرته الحافلة 21 فيلما سينمائيا طويلا من بينها «أحبائي الاعزاء»، «بكاء الملائكة»، و«غداً لن تتبدل الأرض»، و «طارق بن زياد»، «الصمت اتجاه ممنوع» وغيرها من الأعمال.. كرم عشرات المرات عن فيلمه «القدس باب المغاربة» (وهو الجزء الأول من ثلاثية تضم أيضا «المغاربة ونداء الملك» و «مغربيات من القدس»)، كما نال جائزة المؤتمر العربي الكبرى عن فيلمه "أين تخبئون الشمس؟ " عن التعايش بين الديانات.. لكل هذا و أكثر، يستحق المخرج المغربي عبدالله المصباحي لقب "عميد المخرجين المغاربة"، لكن السؤال الذي سيبقى بلا جواب، هو لماذا "نبدع" في هذه البلاد.. في "دفن" التميز و الفرادة.. لماذا؟..