يطرح سؤال التحالفات الحزبية في المشهد السياسي الوطني والذي يطفو على السطح مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، علامات اسفهام مشروعة حول مدى استناد هذه التحالفات الى محددات وأبعاد استراتيجية ترتكز على قيم ومبادئ وتوجهات متقاسمة، أو اختزالها في سلوك براغماتي صرف يغلب المصلحة الحزبية الضيقة ويروم في المقام الاول تحصيل نتائج أكبر في الاقتراع. وحسب العديد من المهتمين بالشأن السياسي الوطني، فإن الجنوح الى بناء التحالفات الحزبية يجد سنده في كون عدد من الأحزاب السياسية تشتغل على النتيجة الانتخابية دون اكتراث بالوسيلة التي توصل إلى ذلك، مما يجعل اللجوء الى انصاف الحلول الخيار المفضل لدى عموم هذه الأحزاب ويطرح بالمقابل صعوبات جمة أمام التنسيق البعدي بين الاحزاب المتحالفة. في سياق ذلك، ميز الأكاديمي محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء بين التحالفات التي تغلب عليها ثقافة ردود الأفعال، وبين التحالفات التي تحددها العقيدة السياسية والتي تكون بطبيعتها متحررة من ثقل ردود الأفعال موازاة مع محطة استحقاقية معينة. ويرى هذا الأكاديمي أن كل تحالف يؤسس له يجب أن يكون مبنيا على مجموعة من العناصر والركائز، المتمثلة أساسا في المشترك أو المتقاسم بين الأحزاب، والاحتكام إلى خلفية ومعايير موضوعية، "بدل العشوائية أو مجرد نزوات بعض القادة السياسيين". وأشار إلى أنه استنادا إلى تجارب انتخابية سابقة، عمدت بعض هذه الأحزاب إلى "وسائل مشبوهة أو غير مشروعة" لكسب مواقع أو الظفر بمناصب مسؤوليات، مما يضرب، برأيه في العمق جوهر فلسفة هذه التحالفات. ويمكن الاستدلال على ذلك، يضيف ذات المصدر، ب"حرب" الاستقطاب والاستقطاب المضاد الذي يميز سلوك الأحزاب في كيفية تصريف ممارستها لاختصاص منح التزكيات، والذي يكرس، في الغالب، سلوك التضحية بالمبادئ الديمقراطية. وسجل أن مثل هذه العوامل والحيثيات تتظافر لتعزل السلوك الحزبي عن الاقتداء بالخيار الاستراتيجي في التعامل مع مسألة التحالفات، "مما يفوت فرصة التقاطب القوي لصالح البلقنة ورداءة الأداء". كما أشار الأكاديمي إلى أن الهياكل والمؤسسات القيادية في الأحزاب مطالبة بالسهر على التنظيم والتسيير الذي يساعد على ترسيخ ثقافة حزبية منخرطة ومندمجة ومساهمة في تيسير سبل التعاون والتضامن السياسيين لخدمة الأهداف المشتركة. ولتحقيق ذلك، اعتبر أستاذ العلوم السياسية أن على الأمناء العامين للأحزاب السياسية واللجان التنفيذية أو المكاتب السياسية بذل كل الجهد من أجل ترسيخ العمل القاعدي الذي يرفع من مؤشر فرص الاندماج ويراهن على المصلحة العامة، والنأي عن أي تحالف يكرس توافقا براغماتيا مبنيا على تبادل منافع الوظائف والمناصب. وحسب ذات المصدر، فإن مثل هذه التحالفات وإن تحققت سواء قبل أو بعد الانتخابات تبقى في مهب ريح تقلبات مزاج القياديين السياسيين، لافتا إلى أنه لا يمكن لتحالف أن يضمن النجاح اذا ارتبط أجله بالأجندة الانتخابية. وأبرز أن التحالف بين هيئات ومنظمات حزبية، لاسيما بمناسبة الانتخابات التشريعية أو الجماعية، يشكل فرصة بامتياز لتوسيع وعاء ممارسة الحريات والارتقاء بالشأن السياسي في اطار ثقافة التعدد والتقاطب. فالتحالف بين الأحزاب، يضيف الأستاذ الجامعي، يساهم، من حيث المبدأ، في فتح المجال أمام تنسيق الجهود وتقريب وجهات نظرها، وبالتالي تيسير مداخل التنسيق الحكومي فيما بين الأحزاب المشكلة للتحالف، أو التنسيق البرلماني سواء من خلال تحالف للمعارضة او تحالف للأغلبية. واعتبر الغالي أن التنصيص على إمكانية تحالف الأحزاب يروم بالأساس عقلنة الاختيارات والتوجهات الأيديولوجية، بما يساعد على تحقيق التقائية الأفكار والتصورات وتكريس تعاضديتها على مستوى العرض السياسي الذي يقدمه كل مكون من التحالف. وأشار في ذات السياق إلى أن معالجة تأطير قانون الأحزاب لمسألة التحالفات الحزبية من خلال القانون التنظيمي رقم 21.16، الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، تراهن على دعم مزيد من الممارسة للحريات بشكل جماعي، على اعتبار ان مسألة تأسيس حزب سياسي أو تحالف بينها يساعد المواطن على التعبير عن اختياره الايديولوجي الذي يعكس تصوره لمسألة تدبير السياسات العمومية الوطنية في اطار الهندسة الدستورية القائمة. وحسب الاستاذ الجامعي، فإن العمل الحزبي، خاصة في شقه التعددي، يعد مظهرا أساسيا من مظاهر ممارسة الحقوق والحريات العامة بالبلاد، معتبرا أن التحالف بين الأحزاب من شأنه الحد من بلقنة المشهد الحزبي بالمغرب. من جهته، اعتبر المحلل السياسي، مصطفى السحيمي، أن الفلسفة التي تتحكم حاليا في التحالفات، فضلا عن استقراء الحصيلة الحكومية "الباهتة"، يجعلان من الصعب التكهن بحجم هذه التحالفات أو الجهة الحزبية التي ستهيمن على نتائج انتخابات السابع من أكتوبر المقبل. واعتبر السحيمي، أنه على الرغم من توقع احتدام الصراع بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، فإنه يبقى من الصعب التكهن بمن سيكتسح المشهد السياسي الوطني، على اعتبار أن لكلا الحزبين كتلة ناخبة كبيرة وقاعدة اجتماعية وخلفية إيديولوجية متباينة. كما يرى هذا المحلل السياسي أنه حظوظ استمرار الكتلة الحكومية الحالية يبقى ضئيلا،مرجحا انسحاب حزب التجمع الوطني للأحرار والتحاق حزب الاستقلال بها. أما بخصوص حزب الحركة الشعبية، فيرى أنه "ليس هناك ما يشير إلى أنه سينخرط في إطار أغلبية جديدة"، على اعتبار أنه قد يبدي اهتمامه "بعرض بديل" من قبل حزب الأصالة والمعاصرة. والأكيد، بالنسبة للسحيمي، أن التحالف الحكومي الحالي قد يشهد على الأقل مغادرة حزب التجمع الوطني للإحرار. أما بالنسبة للمعارضة، التي يتوقع أن يغادر موقعها حزب الاستقلال للالتحاق بأغلبية محتملة يقودها حزب العدالة والتنمية، فإنها مرشحة، وفق هذا السيناريو، لتضم عددا من الأحزب، من قبيل الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاتحاد الدستوري، والحركة الشعبية. الجدير بالذكر أن القانون التنظيمي رقم 21.16، الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، يروم بالأساس تمكين الأحزاب من تأسيس تحالفات ذات طابع انتخابي فيما بينها بمناسبة انتخاب أعضاء مجلس النواب. ويهدف هذا القانون الى تطوير وتحسين المنظومة القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية بالمغرب، وفق مقاربة قائمة على مواكبة التحولات التي يعرفها المغرب في المجالين السياسي والاجتماعي، بما يفضي في المحصلة إلى توضيح الرؤية لدى الفاعلين السياسيين وتوفير الشروط اللازمة لإنجاح الاقتراع التشريعي ليوم 7 أكتوبر 2016.