وسط هذه الزحمة الموسيقية وبين براثين العبث الإبداع،والهدر الغنائي الذي يكاد يخنقنا،ينبعث الفنان الراقي عبد السلام الخلوفي من رماده،ويخرج من قمقمه،كأنه عفريت زمانه الذي لايرضى ب(البريكولاج)،ليفتح الكوة تلوى الكوة، ليفسح لنا المجال من أجل الإنعتاق من هذه العتمة،لنطل على انبهار فني بامتياز،فهو لايقبل المستوى الفني العادي،بل (يطلع النيفو)و (يهز البارة)،محافظا على رقمه القياسي في تبني فن ساحر ،يسلب العقول،ويحرك الأحاسيس الجياشة. هذه المرة فعلها ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وووو،ليطل علينا من خلال برنامجه الإبداعي الجديد(ألحان عشقناها)،الذي أخرجنا زوال السبت 3 شتنبر 2016 من الظلام الدامس الذي عشنا وسطه مع أغاني (مسخ)،لزمت مكانها مع أول ظهور،رغم الملايين من اللايكات والجيمات المفتعلة،التي لاتغدو في أخر المطاف،سوى إعجاب إفتراضي لا أقل ولا أكثر،وأدخلنا إلى عالمه السحري ،الخاص بالسميعين والذواقيين،فأحسن الإختيار مع أول حلقة،عندما وضع الفنانة الجميلة سناء مارحتي،المزهرية وسط البلاطو،لاستقبال الرائعة والمقتدرة، كريمة الصقلي،النجمة التي تتلألأ رغم كثافة السحب غير الممطرة،التي لاتفيد في شيء،سوى في تلويث الجو. الحلقة كانت ناجحة بكل المقاييس،المضيفة والضيفة لهما صوتان ولا أروع،تعرفان كيف تطوعان الجمل الموسيقية واللحنية وسط المنعرجات بكفاءة عالية.الحوار القوي الذي دار بين الأميرتين،زاد البرنامج جمالا،ومنحنا مساحات وردية،انتعشنا مع أول جملة موسيقة ،خرجت من حنجرة كريمة الصقلي الذهبية.كما كان للجوق الموسيقي بقيادة رشيد زروال الفضل الكبير،في بلورة نبراتها،ومصاحبتها بدقة متناهية. عنوان البرنامج ،اختير بذكاء،لأن اللحن والعشق إذا اجتمعا،فتمت قوة إحساس سحرية،تبعث ردادها ،لينعش كل الفضاءات والمساحات. يقول معد البرنامج،في اتصال مع جريدة الأحداث المغربية" يهدف البرنامج إلى توثيق مجموعة من الفنون المغربية الأصيلة،تقريب المشاهد وخاصة الجيل الجديد من الفنون التراثية،المساهمة في نشر ثقافة موسيقية، إبراز أصوات وفرق تعمل في مجال الفنون التراثية، إبراز غنى الفنون المغربية وتنوعها في المضمون واللغة،منح الفرصة لكل جهات المملكة لإبراز فنونها الأصيلة و المساهمة في الحفاظ على طرق أداء الفنون التراثية تلافيا لضياعها"، معتبرا هذا البرنامج حلقة ضمن سلسلة من البرامج التي أنجزها، ضمن مشروع فني متكامل، يحضر فيها البعدان الترفيهي والتثقيفي، بشكل متواز ومتوازن أيضا، فسواء "ميراث" أو" شذى الألحان" أو "الخالدات "أو "إشراقات" أو "الكلام الموزون" أو "روح وريحان" أو "نغنيوها مغربية"، كلها مقاربات مختلفة، لأنماط موسيقية متعددة، لكن بخيط ناظم يجمعها، فهو يؤمن بكون برامج الترفيه، لابد أن تترك أثرها في المتلقي، ولو بشكل عارض، يظهر أنه لم يكن مقصودا، لكن في عمق الأشياء هو مخطط له، دونما سقوط في التعالم والأستاذية، إذ أن المتلقي عادة ما ينفر، من الخطاب المباشر عند تمرير المعلومات والمعطيات، إذ لابد أن تحضر في سياق الكلام، وبقدر محسوب ،لأن البرامج الموسيقية في الأساس تروم أولا الترفيه. بتت أولى حلقات "ألحان عشقناها" على الساعة الواحدة وخمسين دقيقة زوال يوم السبت 3 شتنبر 2016، من إعداد الفنان عبد السلام الخلوفي وتقديم الفنانة سناء مارحتي وإخراج المبدع محمد ليشير، ،استضاف الفنانة الرقيقة كريمة الصقلي، التي أمتعت الجمهور بمشروعها الفني "مقام الحب" من أشعار أكابر رجالات التصوف: ابن عربي والحلاج والششتري وابن الفارض، وبرؤية موسيقية رائعة للفنان المغربي المتميز رشيد زروال.