"مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ" هذا ما قاله المتنبي، فهل بات الأمر ينعكس تماما على واقع السياحة في العالم؟ وهل انتعشت أماكن السياحة في بعض البلدان على حساب تدهورها في غيرها بسبب أوضاعها الداخلية المضطربة؟! شهدت كثيرٌ من البلدان العربية والأوربية في الآونة الأخيرة أحداثاً سياسيةً وأمنية تركت آثاراً واضحة على اقتصاديات تلك الدول، وقد لعبت الاضطرابات السياسية والمخاوف من الهجمات الإرهابية دوراً كبيراً في تأجيل تدفق الرحلات السياحية إلى كل من تركيا ومصر، في حين شهدت إسبانيا وإيطاليا وبعض المدن الألمانية تزايداً ملحوظاً في قطّاع السياحة. وتجنّب كثيرٌ من السياح الذهاب إلى أماكن السياحة المُفضّلة لديهم منذ سنوات؛ حيث زار تركيا مثلاً فقط في يونيو قبل محاولة الانقلاب الفاشلة 2.4 مليون سائح من خارج البلاد، أي أقل بنسبة 41 من نسبة عدد السياح في الشهر نفسه من العام الفائت. أرقامٌ غير مسبوقة في أوروبا ازدهر قطاع السياحة ازدهاراً ملحوظاً في دول أوروبا. حيث شهدت إسبانيا طفرةً حقيقيةً في عدد السياح الذين زاروا البلاد هذا العام. إذ تُعدُّ جزر الكناري أماكن نموذجية للسياحة في فصل الشتاء، فقد سجّلت ارتفاعاً ملحوظاً في النصف الأول من هذا العام يقدّر ب13 بالمائة، كما ارتفعت نسبة الحجوزات في داخل إسبانيا إلى 11 بالمائة؛ إضافةً إلى ذلك سجّلت كل من جزيرة مايوركا وجزر أخرى من منطقة البليار ارتفاعاً وصل إلى أربعة بالمائة. فيما تُعدّ إيطاليا من ضمن البلدان التي حققت أرقاماً قياسية في معدلات السياحة هذا الصيف نظراً لتزايد الطلب من بعض البلدان، ووفقاً لتقديرات رئيس رابطة الفنادق فيديرال البيرجي فإنّ 33.3 مليون سائح إيطالي ينوون قضاء إجازة الصيف داخل إيطاليا، وهذا يُعدّ أكثر بنسبة 9.5 بالمائة من معدلات السياحة في السنة الماضية. بالإضافة إلى ذلك يوجد لدينا اليونان، البرتغال و بلغاريا أيضاً من ضمن البلدان التي سجّلت ارتفاعاً في معدلات السياحة. سجلت اليونان رقماً قياسياً يصل إلى 27 مليون سائح من خارج البلاد. فيما حقّقت بلغاريا هي الأخرى بحسب وزارة السياحة البلغارية رقماً يُعدّ الأكبر منذ عشرة أعوام، فقد أتى من ألمانيا وحدها في شهر يونيو أكثر من 62 بالمائة من عدد السياح الذين أتوا في الشهر نفسه من العام الماضي. أما البرتغال فقد زاد عدد حجوزات الألمان الباحثين عن دفء حرارة الشمس على شواطئها في نهاية شهر يونيو بنسبة 17 بالمائة عن معدلات الشهر نفيه من العام الماضي. في السياق ذاته شهدت السياحة داخل ألمانيا انتعاشاً واضحاً، حيث ارتفعت حجوزات الفنادق من داخل وخارج البلاد في النصف الأول من هذا العام بمعدل 3 بالمائة، إلا أنه لا يمكن التكهن حالياً كيف يمكن أن تكون تداعيات أعمال العنف في فورتسبورغ، ميونخ، أنسباخ؛ إذ أنَّ الاعتداءات حدثت في شهر يوليو، وحتى الآن لا توجد مؤشرات على إلغاء حجوزات السياح من خارج البلاد، بحسب منظمة تنسيق الرحلات السياحية في ألمانيا. تداعيات الانقلاب وتفجيرات اسطنبول على السياحة التركية بالعودة إلى البلدان التي تعثّر فيها قطّاع السياحة نتيجة ما شهدته من اضطرابات سياسية، واعتداءات إرهابية؛ فقد أحدثت الهجمات الإرهابية في تركيا التي ضربت كبرى المدن التركية مثل اسطنبول وأنقرة تأثيراتٍ بالغةً أدّت إلى تدهور معدلات السياحة هناك؛ الأمر الذي جعل معهد المالية العالمية يُحذّر من أنّ الخسائر الناجمة عن تراجع السياحة في تركيا ستؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في عامي 2016 – 2017. وجدير بالذكر، أنّ قطّاع السياحة يُعدّ من أهم القطاعات التي يستند إليها الاقتصاد التركي، فهو إلى جانب تشغيله ما يقارب ثمانية بالمائة من الفئات العاملة، فإنّ خسائره هذا العام قد تكلف الاقتصاد التركي أكثر من ثمانية مليارات دولار. بحسب تقرير سابق لدويتشه فيله. الدول العربية أكبر الخاسرين على الإطلاق أمّا بالنسبة للبلدان العربية، فقد تعرضت هي الأخرى إلى انتكاساتٍ اقتصادية كبيرة على خلفية ما شهدته المنطقة من تغييرات سياسية ألقت بثقلها على واقع البلاد، وكان قطاع السياح بالطبع في مقدمة القطاعات المتأثرة بهذه الاضطرابات؛ فقد تراجع عمل المنشآت السياحية بنسبة تراوحت بين 50 و70 بالمائة في كل من مصر وتونس، بينما توقف عمل هذه المنشآت كليّاً في كل من سورية وليبيا واليمن. وقد شهدت تونس في مطلع هذا العام عدداً من الاعتداءات الإرهابية التي أثّرت بدورها على واقع السياحة فيها، إذ بلغ عدد الفنادق التي تمّ إغلاقها 192 فندقاً أي ما يمثل نسبة 33 بالمائة من عدد الفنادق المصنفة ضمن وزارة السياحة التونسية؛ وتعليقاً على هذه التغيرات داخل قطاع السياحة في تونس، نشر الموقع الرسمي لوزارة السياحة في تونس تقريراً ينقل فيه حديثاً لوزيرة السياحة والصناعات التقليدية، تستعرض فيه حزمة الإجراءات التي اتخذتها الوزارة بخصوص تأمين الفنادق والمناطق السياحية من خطر الإرهاب، إضافةً إلى تحسين جودة الخدمات بهدف إنجاح الموسم السياحي الذي عانى من تراجع شديد نتيجة ما شهدته البلاد من أحداث إرهابية. أمّا سوق السياحة في مصر فقد شهد تدهوراً كبيراً خصوصاً بعد حوادث سقوط الطائرة الروسية، وخطف الطائرة المصرية في أواخر شهر مارس الماضي؛ وفي حديث له مع وكالة رويترز كشف محمد إبراهيم وزير الدولة لشؤون الآثار بمصر عن مدى الخسائر التي تعرّض لها الاقتصاد المصري، حيث انخفضت إيرادات وزارته خلال غشت بنسبة قدرها 80% عن الإيرادات في الفترة نفسها من العام الماضي.