تصف الصحفية الألمانية كريستيانه شلوتسَر الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا بالمتهور والمُستهتر والخطير للغاية، وتمدح توحد السياسين الأتراك في المعارضة والسلطة ضده. لكنها ترى في وجهة نظرها التالية أن المحاولة الانقلابية عززت قوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وأضعفت الديمقراطية التركية، ولا تستبعد حدوث انقلاب مدني لاحقاً على إردوغان، وتشرح لموقع قنطرة لماذا تعتقد ذلك. ثمة مواطنون أتراك فرحوا عندما سمعوا بالانقلاب العسكري ضد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مساء يوم الجمعة 15 / 07 / 2016. بيد أنهم لم يجرؤوا على التعبير عن فرحهم بصوت مرتفع، بل ابتهجوا فقط في داخلهم، وذلك لأن التعبير حتى ذلك الحين بشكل علني عن معارضة هذا الرئيس يمكن أن تكون له عواقب خطيرة. فإلى أي مدى يجب أن يكون قد بلغ مستوى الإحباط من إردوغان وسياساته التي باتت مؤخرا تزداد سلطوية، عندما يثير انقلاب عسكري مثل هذا الشعور بالراحة؟ وهذا ليس فقط لدى بعض الأصدقاء المقربين من الجنرالات، ولكن حتى لدى الأشخاص اليائسين من حالة الديمقراطية التركية؟ ولكن مشاعر الغبطة السرية هذه لم تستمر وقتا طويلا. فقد أظهر الانقلابيون بسرعة كبيرة أنَّهم غير مقتنعين بالديمقراطية الآن مطلقًا. حيث قصفوا مبنى البرلمان في أنقرة. وفي يوم السبت 16 / 07 / 2016 اجتمع أعضاء البرلمان في "مجلس الشعب" الجريح. وفي حين كانت الأنقاض لا تزال أمام ممرَّات البرلمان، ظهر البرلمانيون موَّحدين مثلما لم يظهروا كذلك منذ أعوام عديدة. من حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم إلى حزب الشعب الجمهوري، الذي يعتبر نفسه حاميًا للجمهورية،وحتى الأكراد. انقلاب من دون شعب وهذا ما حقَّقه الانقلابيون من خلال عملهم المُتهوِّر والخطير للغاية والمُستهتر: فقد اتَّحد السياسون الأتراك هناك، حيث كانون يتجادلون مؤخرًا بمرارة كبيرة ويتقاتلون أحيانًا مستخدمين قبضات اليدين. وهذا بحدِّ ذاته خبر جيِّد. ولكن الخبر السيِّئ يأتي مباشرة. فمن الممكن الآن أن يلي محاولة الانقلاب العسكري نوعٌ من انقلاب مدني. وهناك بالفعل علامات سيئة تشير إلى ذلك. إذ إن رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم بات يهدد بإعادة العمل بعقوبة الإعدام للانقلابيين. وبهذا فإن رئيس الوزراء التركي، وهو الصديق المقرب من الرئيس -والذي روج له مؤخرا رجب طيب إردوغان- يثبت بأنَّه مُحَرِّضٌ متشدِّد في وضع بات بالفعل مشحونا. لقد تم بعد أول انتصار حققه حزب العدالة والتنمية إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا وحتى في وقت الحرب، وذلك تحت ضغط من الاتِّحاد الأوروبي والشعب التركي. ولكن في ليلة الانقلاب تولى بعض المواطنين الأتراك في اسطنبول تطبيق القانون بأيديهم، ومن المفترض أنَّهم قد قتلوا على الأقل جنديًا واحدًا هناك، بينما تمكَّنت الشرطة من حماية جنود آخرين وتخليصهم بصعوبة من حشود الجماهير الثائرة. والتهديد بعقوبة الإعدام يذكر بالفترات المظلمة في تركيا: بالانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا في الثاني عشر من سبتمبر 1980. لقد كان لهذا الانقلاب من بين جميع تدخلات العسكر في السياسة التركية أكثر العواقب المروِّعة وأطولها. وفي تلك الحقبة اختفى آلاف الأشخاص في داخل السجون، وتعرضوا للتعذيب، وكذلك تم تنفيذ خمسين حكما بالإعدام. وقد تم في تلك الحقبة بالذات جعل الأكراد متطرفين من خلال اعتقالهم في سجن ديار بكر سيء السمعة. بالإضافة إلى طرد المثقفين إلى خارج البلاد، ما شكل خسارة لا تزال ملموسة حتى يومنا هذا. وبعد ذلك شجَّع الجنرالات التربية الدينية في المدارس، وذلك لأنَّهم كانوا يعتقدون أنّ ذلك يُبعد الأفكار اليسارية عن المجتمع. وكذلك كتبوا الدستور السلطوي الذي لا يزال ساري المفعول حتى اليوم ويستغله الآن إردوغان لصالحه. وحتى يوم الأحد 17 / 07 / 2017 تم إلقاء القبض على آلاف من أفراد الجيش بسبب احتمال تورُّطهم في الانقلاب. ولم يكن من بينهم رئيس أركان الجيش التركي، وهذا ما يُميِّز هذا الانقلاب الفاشل عن مأساة عام 1980. ومع ذلك فإن الضباط الذين تم إلقاء القبض عليهم غير قليلين وليسوا فقط من ذوي الرتب المتدنية، بل يوجد من بينهم قادةٌ عسكريون وضبَّاط وجنرالات. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم تجريد عضوين من كبار أعضاء المحكمة الدستورية من منصبيهما، وإقالة العديد من كبار القضاة الآخرين وكذلك إقالة خُمْس القضاة الأتراك. ومن المفترض أنَّ جميعهم ينتمون إلى حركة كولِن، وهي جماعة الدينية تتبع الداعية التركي فتح الله كولن، الذي يعيش في منفاه في الولايات المتَّحدة الأمريكية. ومنذ عام 2013 يُحمِّل إردوغان رفيقه السابق هذا المسؤولية تقريبًا عن جميع ما يشوِّه صورته: من تهم الفساد والإعلام الناقد وكذلك التنافس على تلقِّي تبرُّعات بالملايين من أشخاص متحمِّسين دينيًا. شعار الانقلابيين يبدو وكأنه صيغة أتاتوركية وهذه المنافسة غير المعقولة من الصعب استيعابها من الخارج. فالداعية فتح الله كولن نفى من مكان إقامته في ولاية بنسلفانيا الأمريكية أية علاقة له بهذا الانقلاب. كما أنَّ أتباعه لم يتمكَّنوا مؤخرًا حتى من تأسيس حزب سياسي خاص بهم في تركيا. أمَّا شعار الانقلابيين ("السلام في الوطن") فيبدو أيضًا وكأنَّه صيغة أتاتوركية، وهو بالتالي أقرب إلى تقاليد انقلاب علماني قديم. وتؤيِّد ذلك أيضًا المشاركة الكبيرة من قبل سلاح الجو التركي، الذي يُعتبر معقلاً للكماليين. ولكن مع ذلك لا يمكن استبعاد أي شيء، وعلى الأرجح أنَّ شكوك الكثيرين من الموطنين الأتراك ومخاوفهم سوف تزداد بدل من تناقصها. هذه المخاوف مما لا يمكن توقُّعه، من ملاحقة منتقدي الحكومة واضطهادهم، وكذلك من فرض حالة طوارئ دائمة، ومن انقلاب يأتي من فوق. لقد وصف إردوغان الآن محاولة الانقلاب بأنها "هدية من الله". ونظرا إلى العدد الكبير من القتلى الذين سقطوا في هذا الانقلاب فإنَّ هذا الوصف تعبيرٌ غريب للغاية. غير أنه يكشف عمَّا فهمه مباشرة الرئيس رجب طيب إردوغان: فهذا الهجوم على سلطته أدَّى فقط إلى تعزيز قوته.