أزيد من 17 لوحة إضافة إلى مجموعة من تصاميم النقود للفنان الراحل مكي مغارة، هي مضمون المجموعة، التي يعرضها متحف بنك المغرب ما بين 18 ماي و31 دجنبر 2016. المعرض، الذي يحمل عنوان :«المكي مغارة أو المسالك المعتمة للوجود»، تم افتتاحه يوم الأربعاء 18 ماي الجاري، يعكس الأسلوب والتقنيات الإبداعية للراحل مكي مغارة، الذي زواج بين التشكيل وتصميم القطع النقدية، حيث صمم أول قطعة نقدية من فئة 50 درهما بمناسبة اليوم العالمي للمرأة سنة 1975 و قطعة أخرى في الذكرى الأولى للمسيرة الخضراء سنة 1976.
اللوحات، التي يضمها المعرض، أو تصاميم القطع النقدية، ترتبط بتاريخ خاص، وتؤرخ لمسار إبداعي جد استثنائي لهذا الفنان التطواني، الذي انتبه، ومنذ بداياته الأولى أواسط الخمسينيات من القرن العشرين، إلى أهمية التراثين المعماري والفلكلوري المغربيين، فكانا مدخله إلى عالم التشكيل خاصة، هو الوفي للمحيطه ومغربيته. وهذا ما يؤكده الفنان محمد السجلماسي، الذي يوقل عن أسلوب مغارة: «ينهل مغارة موضوعاته من محيطه ومن قلقه الشخصي. وهو يستعيده في تأليف صارم بمادة غنية وبنيات تبدو وكأنها تضيع في تلافيف لا نهائية أو في لطخات كبرى متحركة. أما ألوانه فهي بالغة النصاعة». صاحب قدرة حرفية كبيرة وتمكن عميق من السيطرة على أدواته الفنية، التي تزاوج بين الانضباط للمقومات الأكاديمية وبين الاستكشاف الفني اللا محدود، ولعل ما كتبه الفنان سعد بن شفاج، يزكي هذا الطرح حول التحول، الذي خاضه مكي مغارة في مساره التشكيلي. وقد كتب الشفاج موضحا: «في سنة 1959، رحل المكي إلى مدريد في الوقت الذي مكثت فيه أنا بإشبيلية قبل أن ألتحق بباريس. قال لي في ما بعد : في مدريد أصبحت في الأخير فنانا، لأني تعلمت خارج المدرسة ما هو تشكيل. وفعلا، فإن المدرسة لا تكون في الواقع إلا تقنيين. الفنان يتكون بالاحتكاك مع المتاحف، وبزيارة الأروقة الفنية، وبالذهاب للاستماع للمحاضرات، وذلك لم يكن موجودا بالطريقة نفسها بإشبيلية». هذا النزوع نحو التجريب والمغامرة الفنيين، يزكيه المستشار الفني لبنك المغرب، فريد الزاهي، في تقديمه لإبداعية مكي مغارة، في الورقة التقديمية للمعرض، التي حملت عنوان :«المكي مغارة ، مسار فنان متفرد»، حيث يقول :«إن القراءة ذات المنزع التقني لمغارة التي قد يقود إليها تمكنه الكبير من التقنيات والأساليب والمدارس الفنية، والتي طغت على الكتابات التي تناولت أعماله، يلزم أن تترك المجال للبحث عن وحدة متأصلة في مسعاه التعبيري. إنها وحدة لا تحجبها بشكل كامل المسالك التي أنتجها الفنان. أحيانا بأهداف استكشافية، كي يقوم بإخصاب مساعيه السابقة. هذه الفرادة الإبداعية يلزم فهمها باعتبارها اشتغالا داخليا على العمل نفسه. وهي تتجلى في المزج بين التشخيصي وبين المساحات واللمسات الحركية، في تناغم يتقن أسراره الفنان جيدا». البورتريهات، الحارات والمدن العتيقة، والزخارف التراثية الأصيلة، والمناظر الطبيعية .. إنها مواضيع إبداعاته التشكيلية ودعامات أصلية لإبداعه المترنح في تمكن وتحكم بين الأساليب والتقنيات، عاكسة عالمه الفني، الذي لا يملك مفتاح حقيقته إلا هو بالرغم من أنه يتركه مفتوحا على مصراعيه للمتلقي ليتفاعل معه بكل حرية وأريحية دون توجيه. لوحات كثيرة ضمن المعرض، تعكس الافتتان بالمواد والخامات، الذي طبع التحول في مسار مكي مغارة بعد عقدين من انطلاقه في عالم التشكيل، الذي يضبط قوانينه الأكاديمية ضبطا وسعى لاحقا للانعتاق خارجها سعيا نحو حرية الإبداع.. إذ وبعد مرحلة الانضباط الأكاديمي الصارم، الذي اختاره بداية، تأتي مرحلة الانعتاق والتحرر والمغامرة الفنية المشروعة في ظل تنامي الفن المعاصر في السبعينيات، والذي كان أول من حمل تباشيره إلى الساحة الفنية المغربية. إنها مرحلة «إعادة ابتكار فضاء اللوحة» على حد قول فريد الزاهي، التي أضحت، ودائما وفق قراءة فريد الزاهي: «لوحة عالم. إن التوسيع الفضائي الجديد كان يحول السند إلى وعاء لكافة المواد المستعادة وسقط المتاع [...] كي تتعالق بفضاء اللوحة وترسم مستوى ثنايا فيها يمنحها أبعادا جديدة، يؤكدها استعمال المنظور بشكل متخيل». و يعتبر المكي مغارة (1933 – 2009)، من رواد الفن التشكيلي المغربي. ومنذ طفولته اهتم بالفن التشكيلي خاصة حيث أقام أول معرض له وهو في السادسة عشرة ربيعا. وفي سنة 1952، بدأ تكوينه الأكاديمي بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان. ثم انتقل إلى اسبانيا لمتابعة تكوينه وذلك بالمدرسة العليا للفنون الجميلة «سانتا إسبيل دو إنكرية» بإشبيلية. وفي 1959، التحق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بمدريد «المدرسة المركزية سان فيرناندو». وقد عين أيتادا بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان بمجرد إنهائه لدراسته سنة 1960، وهي ذات المدرسة الذي ظل يدرس بها إلى حدود سنة 1992، السنة التي تقاعد فيها وتفرغ للفن. وأحرز مغارة على عدة جوائز منها: الجائزة الأولى في رسم المناظر بأوبليا (اسبانيا) سنة 1958، والجائزة الخاصة ب «صالون ماي» برشلونة (اسبانيا سنة 1956)، وجائزة الصالون الشتوي لمراكش سنة 1960)، وجائزة الشرف بمعرض مشترك مغربي اسباني بتطوان سنة 1970. وتوجد أعمال مكي مغارة في العديد من المتاحف الأروبية والأمريكية، وضمن مجموعات المؤسسات الاقتصادية المغربية والإسبانية.