يعتبر إعلان مجلس التعاون الخليجي دعمه للوحدة الترابية للمغرب خلال القمة الخليجية المغربية الأولى التي انعقدت يوم الأربعاء 20 أبريل الجاري، مؤشرا قويا على توسع دائرة الحلفاء المناصرين للمغرب في صراعه مع الجزائر، بعدما اتسم سابقا موقف دول الخليج على مستوى التعاطي مع ملف الصحراء بالتردد والتباين والتمايز، حيث كان الدعم الذي يتلقاه المغرب من البعض، كالإمارات والسعودية، يأخذ طابعا محتشما وظرفيا، وسريا في أقصى الحالات، ومنحازا من قبل البعض، كدولة قطر، بحكم علاقاتها الاقتصادية القوية بالجزائر. ويندرج هذا التحول النوعي في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تمت بلورتها على المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية، شراكة تمتد من شمال أفريقيا إلى جنوب غرب آسيا، محورها المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، وهو المحور الذي عجلت التحولات المتسارعة التي تعرفها المنطقة العربية والتوازنات الجيواستراتيجية في ظهوره، حيث يعتبر الحلف المغربي-الخليجي خيارا استراتيجيا لكلا الطرفين، ويشكل متنفسا اقتصاديا وماليا للمغرب، من خلال سعيه إلى بناء شراكة استراتيجية توجت في سابع نونبر 2012 بتوقيع الجانبين في المنامة على مخطط عمل بينهما عن الفترة (2012-2017)، ثم تعديله إلى الفترة (2013-2018). أما دول الخليج، فالحليف المغربي بالنسبة إليها يتوفر على عدة مقومات على المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، حيث يعتبر المغرب بوابة مجلس التعاون الخليجي تجاه أفريقيا وأوروبا نظرا لموقعه الاستراتيجي المهم، مما يمكنها من التوسع اقتصاديا في هذه المناطق، أو بغرض الاستفادة عسكريا وأمنيا واستخباراتيا، وذلك بغية الحد من التغلغل الشيعي مغاربيا وأفريقيا، ونظرا كذلك لحاجتها الملحة والحيوية للجيش المغربي بخبرته وتمرسه للدفاع عن سيادتها وأمنها القومي. لذلك، وبلغة المصالح والواقعية السياسية، فالدعم الخليجي للمغرب في قضية الصحراء يأتي مقابل الدعم العسكري والاستخباراتي المغربي لدول الخليج، وانخراطه القوي في التصدي لأية محاولة غايتها المساس بسيادة دول المجلس. وفي سياق تحليل وفهم انعكاسات هذا الدعم الخليجي المعلن للمغرب في نزاعه حول الصحراء، ولأجل محاولة استشراف المكاسب السياسية والميدانية التي يمكن تحقيقها إن استطاع المغرب أن يستثمر هذا التحول في الموقف الخليجي لصالحه خلال الظرفية الراهنة، يمكن استحضار أربعة رهانات استراتيجية سيكون لها دور مؤثر دون شك في إعادة تشكيل خريطة التوازنات والمصالح الاقليمية والدولية في المنطقة. الرهان الجيوستراتيجي: تنويع خريطة التحالفات والبحث عن حلفاء جدد في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم بفعل تنامي النزاعات الاقليمية وظهور مجموعة من التحديات الأمنية والاقتصادية التي باتت تؤرق المنتظم الدولي، ابتداء بالوضع في كل من سوريا وليبيا، ومرورا بظاهرة تمدد التيارات الجهادية بالرقعة العربية وما تشكله من خطر على استقرار دول تلك المناطق، وكذلك تهديد أمن أوروبا والغرب عموما، ووصولا إلى الصراع حول النفوذ الذي تخوضه كل من روسياوالصين مع أوربا في ظل تراجع أمريكا في مناطق في العالم. هذا التراجع الأمريكي في الساحة الدولية انعكس بشكل سلبي على مستوى الالتزامات وخريطة التحالفات التي كانت تربط هذه القوة العظمى بمجموعة من الدول التي كانت تضع أمنها ومستقبلها في السلة الامريكية، وتأتي في مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي التي استفاقت على وقع صدمة مدوية تمثلت في الاتفاق النووي الأمريكي-الإيراني. صورة "حليف الأمس" لدى الخليجيين صارت أكثر اكتمالا ووضوحا مع وقوع حدثين بارزين؛ الأول التغلغل الشيعي داخل اليمن على الحدود السعودية، والثاني التدخل الروسي بسوريا وما لذلك من انعكاسات سلبية على مصالحها، حيث في كلتا الحالتين اكتفت أمريكا بالتفرج والترقب. وقبل أن تتفاقم الأمور، خاصة بالنسبة للوضع في اليمن، بادرت دول مجلس التعاون الخليجي إلى محاولة البحث عن حلفاء جدد من أبرزهم المغرب، حيث إن انخراطه ومشاركته عسكريا في "عاصمة الحزم" في اليمن، ساهم بشكل كبير في القضاء على الحوثيين المعروفين "بجماعة أنصار الله"، كما يعتبر هذا التدخل المغربي إلى جانب دول الخليج محاولة عربية غايتها التأسيس لنمط جديد ومغاير لتدبير الاشكالات الاقليمية والتحديات الدولية، مما يعني المضي قدما في مأسسة وتقوية هذا النمط الاستراتيجي لإحداث نوع من التوزان الاستراتيجي وملئ الفراغ الذي تركته أمريكا في عهد أوباما بالمنطقة، خاصة في التصدي للنفوذ الايراني الفارسي المتزايد. عدم الثقة في الحليف الأمريكي تعتبر نقطة التقاء وسمة تتقاسمها المملكة المغربية مع دول الخليج، خاصة في ظل الضربات المتعددة التي تلقاها المغرب بخصوص قضية وحدته الترابية، ابتداء بالمسودة أو التوصية التي تدعو إلى توسيع صلاحية المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان بالصحراء، ومرورا بانحياز المبعوث الشخصي الأمريكي كريستوفر روس للطرح الانفصالي، وانتهاء بالتصريحات المنحازة للأمين العام للأمم المتحدة عندما وصف المغرب بالبلد المحتل أثناء زيارته إلى مخيمات تندوف، حيث لم تقم أمريكا بأي دور في هذه الأزمة لتصحيح الانحراف غير المسبوق الذي وقع فيه بان كي مون على اعتبار أنها -أمريكا- تملك مفاتيح هاته الهيئة الأممية، لأنه بحسب التجارب السابقة، فهؤلاء الأمناء العامون في نهاية المطاف مجرد موظفين تابعين للإدارة الأمريكية. وبالتالي فإن تقوية التحالف المغربي – الخليجي أملته الظروف الدولية والإقليمية، بغية الدفاع عن المصالح وتقوية مواقع ومواقف كل طرف، حيث في إطار هذا التحالف الجديد، يمكن للمغرب أن يوظف علاقات دول مجلس التعاون الخليجي بالقارة الأسيوية لكسب تأييد ومساندة الطرح المغربي داخل أروقة الأممالمتحدة، وبالتحديد داخل الجمعية العامة ومجلس الأمن. ومن شأن هذا التحالف كذلك أن يقوي الجبهة المناصرة للوحدة الترابية أمام القوى المؤثرة التي ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية بالخليج، خاصة الصينوروسيا وكذلك أمريكا، لاسيما أن القمة المغربية الخليجية تزامنت مع انعقاد القمة الأمريكية الخليجية، ودون شك فإن تبني ملف الصحراء وطرحه كملف استراتيجي وحيوي بالنسبة للخليجيين أمام "الحليف متقلب المزاج" قد يحرجه ويجعله يراجع أوراقه ويوضح موقفه الغامض من القضية. الرهان الإقليمي: سؤال الريادة المغاربية والتوسع الأفريقي يعتبر المحور المغربي الخليجي ورقة إستراتيجية وحيوية على الصعيد المغاربي والأفريقي، وذلك من خلال الاستفادة من هذا التحالف في الصراع الدائر مع الجزائر بغاية الحفاظ على النفوذ الإقليمي، بحكم أن هذا التقارب -المغربي/الخليجي سيؤدي إلى اختلال التوازن في المنطقة المغاربية لصالح المغرب، خاصة على المستوي العسكري، سواء من خلال التمويلات المالية الضخمة التي تمنحها كل من السعودية والإمارات لاقتناء الأسلحة المتطورة، أو من خلال تمويل الصناعات الحربية؛ حيث نقل موقع أمريكي متخصص في الصناعة الحربية أن المملكة العربية السعودية ستخصص 22 مليار دولار لتمويل تطوير غير مسبوق للترسانة الحربية للمملكة المغربية. وبحسب التقرير، فان السعودية ستقدم هذا التمويل من أجل تمكينه من تطوير الصناعة الحربية فوق أراضيه، وذلك في عقد يقوم على انخراط عمالقة الصناعات الحربية لتقديم الخبرات اللازمة، مثل شركات "بومباردي وإيرباص وصافران وتاليس"، ستباشر هذه الشركات أعمالها بالمغرب انطلاقا من السنة الحالية، عبر فتح مكاتب لها، من أجل تطوير منظومة المغرب الدفاعية، وجعلها وحدة مصنعة بدل اكتفائها بإبرام صفقات التسلح. ومن جهة أخرى، فالتحالف المغربي-الخليجي يسهل كذلك عملية واستراتيجية التمدد المغربي في أفريقيا، من خلال استراتيجيته الرامية إلى تفعيل التعاون جنوب-جنوب التي ترجمتها ميدانيا وبشكل ملموس الزيارات الملكية المتكررة لعدد من الدول الأفريقية، والتي تم خلالها إطلاق العديد من المشاريع الاستثمارية والتنموية والاجتماعية. لذلك فالرساميل المالية الضخمة التي توفرها الصناديق الاستثمارية الخليجية، قد تساهم في تكريس الشراكة المغربية في مختلف المجالات مع الدول الأفريقية، مما يضمن حفظ الأمن القومي المغربي من داخل العمق الأفريقي الذي تشكل مفاتيحه الأساسية تطويق المحور المعادي لمصالح المغرب الذي تمثله جنوب أفريقيا- نيجيريا- الجزائر، من خلال دعم استقرار دول الساحل والصحراء الممتدة من المحيط الأطلسي غربا، مرورا بالسنغال ودول غرب أفريقيا ووسطها. رهان التحالف العربي: تكريس عزلة الجزائر على مستوى "العمق العربي" توجد عدة مؤشرات تؤكد أن النظام الجزائري يعيش عزلة عربية غير مسبوقة، خاصة بعد سقوط أبرز حلفائه، مثل معمر القذافي، إثر الحراك الشعبي العربي الذي عرفته الرقعة العربية أواخر سنة 2010، سواء من خلال عدم انخراطها في التحالف العسكري الإسلامي الذي يضم 34 دولة لمحاربة الإرهاب رغم أنها من أكثر الدول المتضررة سابقا من تداعياته، أو رفضها الانخراط سابقا في فكرة إنشاء القوة العربية المشتركة، كما رفضت وعارضت فكرة تدخل قوات التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن. ومن اللافت أن "ظاهرة الرفض" التي طبعت موقف الدبلوماسية الجزائرية في تعاملها مع مختلف المبادرات الخليجية التي تمت بلورتها في إطارمحاولة التصدي إلى المشاريع التوسعية الايرانية الفارسية بالمنطقة، تؤشر فعليا على أن الجزائر تعيش على إيقاع العزلة عن محيطها العربي. ويمكن تفسير هذه الظاهرة بالتحالفات الملتبسة للعسكر الجزائريبالإيرانيين التي تغديها الرغبة في "امتلاك التكنولوجية النووية"، لاسيما أن العلاقة بينهما تعززت أكثر سنة 2006 عندما صرح الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، أثناء استقباله وزير الطاقة والمناجم الجزائري، أن إيران مستعدة لوضع خبرتها في مجال الطاقة النووية تحت تصرف الجزائر. وفي إطار "لعبة المحاور"، وفي الوقت الذي انخرط فيه المغرب في المحور الخليجي العربي الذي ينسجم مع امتداداته التاريخية والجغرافية والثقافية، اختارت الجزائر الانحياز إلى ايران رغم حساسية وخطورة مشروعها الطائفي الذي أثر سلبا، ولا يزال، على استقرار عدة دول، كاليمن ولبنان وسوريا. إن اصطفاف الجزائر إلى جانب إيران في الصراعات الإقليمية والحروب بالوكالة التي أصبحت المنطقة العربية مسرحا لها، ساهم بشكل كبير في تكريس عزلتها العربية، الأمر الذي يخدم الأجندة المغربية في الدفاع عن قضيته الترابية، وذلك عبر استثمار الدعم العربي في كسب حلفاء جدد بغية محاصرة جميع التحركات والمناورات الجزائرية، مثل ما حدث في الاجتماع الخامس لوزراء دفاع تجمع دول الساحل والصحراء، الذي عقد في مصر خلال الفترة الممتدة من 22 إلى 25 مارس الجاري بمشاركة أكثر من 27 دولة عربية وأفريقية، حيث تمكن المغرب، رفقة مصر، من جعل وزراء دفاع دول تجمع الساحل والصحراء يقرون عددا من التدابير غير المسبوقة الموجهة بشكل مباشر للجزائر والبوليساريو، حيث تضمن البيان الختامي 17 بندا بشأن مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود في منطقة دول التجمع "س.ص"، يبقى أبرزها حظر جميع أشكال التدخل السياسي في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها وسلامة أراضيها، والإحجام عن تقديم الدعم للجماعات الانفصالية وحركات التمرد، وتعزيز قدرات القوات الدفاعية والأمنية للدول الأعضاء في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تنفيذ برامج شاملة للتدريب وتبادل الخبرات. الرهان التنموي الجديد بالصحراء: تقوية الجبهة الداخلية للحد من مناورات الخصوم يعتبر النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي يسعى المغرب إلى تنزيله كورش استراتيجي غايته تجاوز وإجراء قطيعة مع نمط التدبير السابق، تمهيدا لمعالجة ملف الصحراء في إطار جهوية موسعة يعتبر مقترح الحكم الذاتي أحد صورها. وفي هذا الإطار، يحاول المغرب، من خلال المخططات التنموية الجديدة بالصحراء، أن يحاصر الطروحات الانفصالية التي تجد بيئتها الحاضنة في الفقر والتهميش والفوارق واقتصاد الريع، إذ تعتبر تنمية الأقاليم الجنوبية مدخلا رئيسيا لتقوية ولتثبيت الاستقرار وتقوية روابط الانتماء إلى الوطن، وذلك من خلال إنجاز مشروعات ضخمة تنقل سكان المنطقة إلى نموذج اقتصادي واجتماعي أكثر استقرارا. غير أن المعطى الذي يعيق ويؤخر انجاز المشاريع التنموية بالأقاليم الصحراوية، يرتبط بضعف الامكانات المالية، لاسيما أن بعض المشاريع تحتاج إلى استثمارات ضخمة، مثل تقوية شبكة الطرق، وإقامة محور للنقل الجوي بالأقاليم الجنوبية نحو أفريقيا، ومد السكة الحديدية بين مدينة مراكش ومدينة الكويرة، وبناء الميناء المتوسطي الكبير بمدينة الداخلة، وإنجاز مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والريحية بالجنوب؛ حيث سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في هذا الإطار، أن دعا إلى استثمار حوالى 14 مليار دولار بالصحراء على مدى عشرة أعوام، استثمار يفترض أن تتشارك فيه الدولة والقطاع الخاص. هذا الواقع المرتبط بالصعوبات والاكراهات المتعلقة بالتمويل يمكن تخطيه في سياق التحالف مع مجلس التعاون الخليجي، من أجل أجرأة الدعم المعلن من طرف تلك الدول في قضية الصحراء على أرض الواقع وبشكل ملموس، من خلال تمويل المشاريع أو تشجيع رجال الأعمال الخليجيين على الاستثمار في أقاليم الصحراء؛ حيث تندرج، في هذا الإطار، الزيارة التي قام بها رجال أعمال سعوديون خلال شهر مارس الماضي إلى الصحراء لأجل استكشاف أفضل سبل الاستثمار فيها، لذلك من الضروري العمل على تشجيع وتعميم مثل هاته الزيارات على باقي الخليجيين، وخلق مبادرات وفضاءات، سواء مؤتمرات أو تجمعات اقتصادية، في الصحراء تضم هؤلاء المستثمرين والخبراء الاقتصاديين. وخلاصة القول إن التحالف، أو المحور المغربي-الخليجي، يؤسس لعلاقة إستراتيجية جديدة داخل الجسم العربي-الإسلامي، تتجاوز العلاقات السابقة التي تقوم على الخطابات العاطفية والمناسباتية التي أثبتت فشلها ومحدوديتها، هي علاقة تؤسس لمفهوم جديد للعمل العربي المشترك القائم على المصالح المشتركة. لذلك فانخراط المغرب بجيوشه للدفاع عن الأمن القومي الخليجي، يجب أن يقابله كذلك انخراط قوي وملموس لتلك الدول في الدفاع عن قضيته المصيرية، دعم بطبيعة الحال يتجاوز المنطق الخطابي الذي يتم تصريفه في المنابر الإعلامية. * باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري