«من نحن؟». السؤال بشكله الفلسفي كان أول درس لنا نحن تلامذة الباكالوريا في مادة اللغة العربية. كان الأستاذ يصدمنا بثلة من الأسئلة من هذا القبيل ماذا نريد؟ من أقعدنا؟ أسئلة استفزت فينا فعل التفكير بمعناه «الكوجيطي». هذه الأسئلة الوجودية أعاد طرحها بيان الدفاع عن حرية الإبداع الثقافي والفني بالمغرب الذي أصدره سينيمائيون وفنانون ومثقفون دفاعا عن قيم الحرية والديموقراطية ليصرخوا بصوت واحد: حذار .. نحن أحرار.. ونتطلع إلى حرية أكبر. في الوقت الذي سكت فيه العديد من المثقفين والمفكرين الذين يحتاج المغرب اليوم إلى صوتهم جاء البيان ليؤكد على أن أغلى ما يملكه المواطن المغربي، وهي حريته، لا يمكنه أن يتخلى عنها بل سيعمل على تعزيزها والدفاع عنها «مهما كلفنا الثمن» حسب تعبير البيان. لقد جاء البيان في وقت بدأت فيه بعض الإشارات تطفو على سطح واقعنا وهي علامات مخيفة تنبئ بنكوص قادم على مستوى الحريات والإبداع: اقتحام بيوت بدعوى محاربة الفساد.. الحديث عن المهرجانات وكأنها مواخير.. ترويج أفكار متحجرة تهاجم الحداثيين والمتنورين عوض التعبير باحترام تام عن مواقف مخالفة... كل هذه علامات تسير في اتجاه تكرار النسخة التونسية التي عرفت تغيرا ملحوظا على مستوى السلوك لدى بعض الفئات المجتمعية المتأثرة بالمظاهر، وهو ما سجله تحقيق صحافي فرنسي بعنوان «حجاب على الثورة»، لاحظ أن بعض الأطباء باتوا يواجهون من طرف أقرباء بعض المريضات الذين يرفضون أن يتم لمسهن من طرف الطبيب المعالج!! رياضات للأطفال تعج بطفلات صغيرات متحجبات في سن الرابعة.. ارتفاع في الزواج العرفي .. تهديدات لبعض النساء اللواتي يدافعن عن حقهن في اختيار اللباس المناسب لهن.. «ثورة» في الجامعة بسبب طلب أستاذ ثم أستاذة من منقبة داخل القسم رفع نقابها أثناء الدرس.. انتشار فتاوى ضد الحداثيين في الأنترنت والتحريض على الاعتداء عليهم... اليوم هناك من يستغل مطالب المغاربة بتفعيل القانون في محاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين ومراقبة المال العام وسيادة دولة الحق والقانون، ليتهجم من خلالها على حرية الآخرين التي يضمنها الدستور. إن الإيمان بالاختلاف واحترام الآخر ومقارعة أفكاره هو الأسلوب الوحيد الذي من شأنه أن يخلق فضاء حرا لتعميق مجالات الحرية الثقافية والفنية. هي رسالة واضحة وبليغة: المغاربة الذين عرفوا بتسامحهم وكرمهم وانفتاحهم لن يفرطوا في قيمهم...