تخلد بلادنا اليوم وغدا وبعد غد الأعياد الثلاثة المجيدة: العودة، الانبعاث والاستقلال، وهي ثمرات كفاح مرير خاضه الشعب المغربي بكل فئاته من أجل عودة الملك الشرعي سيدي محمد بن يوسف من المنفى السحيق إلى عرشه وربط هذه العودة المظفرة بالاستقلال والتحرر من نير الحماية. "" مثل هذه المناسبات يجب أن تستثمر من أجل تعريف الأجيال الحالية والقادمة بأن ما ترفل فيه من نعم الحرية والاستقرار والسكينة لم يتحقق ذلك عبثا،بل جاء نتيجة تضحيات أبائنا وأجدادنا الذين كانوا، رغم الفقر والمجاعات،يسترخصون أرواحهم ودماءهم من أجل المغرب، هذا الوطن الغالي الذي أصبح، للأسف الشديد، يسفه ويهان من طرف بعض ضعاف النفوس الذين باعوا ضمائرهم لشيطان الخيانة. وبتعيين جلالة الملك محمد السادس للأستاذ حسن أوريد مؤرخا للمملكة، والمناسبة شرط كما يقال، في اعتقادي ويقيني نحن في أمس الحاجة إلى إعادة الاعتبار لتاريخ بلادنا، من خلال مراجعة طرق ومناهج تدريسه،بل وحتى طبيعة ما ينتقى من محتوياته،وتوظيفه من أجل تقوية روح الوطنية والمواطنة وحب الوطن. التاريخ كما درس لنا في الصغر وربما إلى الآن، لا يجب أن يختزل في "من بنى هذه المدينة أو تلك وفي أي سنة"، بل يتعين أن يكون تدوينا لمنجزات أمة، سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ورياضية وعسكرية من باب تمجيد شهدائنا وأبطالنا الأشاوس. ولكي يكون التاريخ شاملا وموضوعيا،يتعين أيضا عدم الاكتفاء بما يمكن تسميته ب"مركزية الأحداث"،فليست الحواضر والمدن الكبرى وحدها من ينجب الأبطال والشخصيات المؤثرة في مسار التاريخ. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يعد الاقتصار على تخليد إسهام المتحدرين من المدن العريقة في ملحمة الوطنية والاستقلال، إجحافا في حق مقاومين من القرى والجبال أمثال الشهيد سيدي أحمد الحنصالي والمقاوم موحى حمو الزياني وغيرهم كثر. وفي هذا الباب، يمكن قراءة اختيار و منطقة تافيلالت لإعلان قرار ملكي بتسمية مؤرخ للملكة كإشارة معبرة على أن التاريخ لا يصنع في المركز فحسب،بل حتى في الهوامش والمحيط. فمنطقة تافيلالت لم تكن فقط معقلا للمقاومة من أجل الاستقلال والكرامة، بل ضمت أيضا منفى "أغبالو نكردوس" الذي زج فيه بثلة من المقاومين من المدن الحضارية ومن قرى الأطلس المتوسط وسوس، منهم من وفر له الانتماء الاجتماعي وتحصيل العلم قبل النفي الشهرة والترقي، ومنهم من ظل مغمورا لانتفاء الإمكانيات، ولم ينصفهم سوى كتاب "معتقل الصحراء" للعلامة الألمعي الموسوعي المختار السوسي رحمه الله. وقبل الختم، علينا إذن اعتماد مقاربة القرب والمحلية في كتابة التاريخ،من خلال تشكيل لجان علمية محليا ومركزيا تضم كل المعنيين بالتاريخ من مؤرخين وعلماء اجتماع وانتروبولوجيا وآثار ومثقفين وفنانين، حتى نسترجع ما لم يكتب عن سالف مجدنا وحضارتنا ونضمن للأجيال المستقبلية إرثا يقوي اعتزازهم بمغربيتهم. كلمة الختم: صدق من قال "من لم يصن تاريخه، خانته الجغرافيا".